38serv
مثلما ساهمت سياسة الحزب الواحد في إبراز قراءة رسمية واحدة لتاريخ الثورة وإحجام العديد من الفاعلين الرئيسيين عن كتابة شهاداتهم ومذكراتهم، أدى الانفتاح السياسي بعد أحداث أكتوبر 1988 بالعديد من الفاعلين في الثورة إلى الكتابة، ما أخرج الكتابة التاريخية من دائرة الظل إلى الأضواء الكاشفة، بعد أن كانت القراءات الفرنسية لتاريخ الثورة هي الغالبة.ويتضح أن نظام الحزب الواحد بعد الستينات إلى غاية الثمانينات، أي في عهدي الرئيسين الراحلين أحمد بن بلة وهواري بومدين، اعتمد مقاربة مماثلة أي التركيز على مآثر معارك جيش التحرير وعلى أن الشعب هو البطل الوحيد، دون الخوض في تفاصيل الأحداث تفاديا لأي جدل، في ظرف برزت إلى السطح تجاذبات عديدة، من بينها التحفظات المتصلة بإشراك الضباط الفارين من الجيش الفرنسي أو كيفية تسيير الدولة أو الإبقاء على الدور المحوري للجيش أو تكريس حكم الفرد، وتجلى ذلك في إبعاد أو ابتعاد عدة شخصيات عن الواجهة مثل عبد الحفيظ بوصوف والأخضر بن طوبال وفرحات عباس أو أحمد بن بلة بعد سنة 1965 وحسين أيت احمد وكريم بلقاسم وبن يوسف بن خدة ومحمد بوضياف، مع انتقال البعض إلى المعارضة، مقابل انخراط البعض الآخر في الدائرة السياسية أو الاقتصادية، على غرار رضا مالك ومحمد بن يحي والطيب بولحروف وعمر أوعمران ورابح بيطاط وعبد السلام بلعيد. وعليه، التزم الكثير الصمت “حفاظا على التجانس” ومصلحة الدولة العليا ولم يتم الخوض إلا نادرا في تفاصيل ثورة التحرير والإشكاليات التي طرحت أثناءها، ثم مع مسار مفاوضات “إيفيان” ومؤتمر الصومام الذي أعاد إلى السطح جدلية العلاقة القائمة بين العسكري والسياسي والذي تجلى في الشرخ القائم بين أنصار الرئيس بن بلة وخصومه والمطالبة بمنع دخول ما اعتبر “جيش الحدود” إلى الجزائر أو أن ينزع سلاحه قبلها وتولي القوات المحلية مهمة الأمن، ما فتح الباب أمام صراع بين الحكومة المؤقتة ورئاسة أركان الجيش.ومع الانفتاح السياسي وانفراط عرى الحزب الواحد تعددت الكتابات والروايات مع نهاية الثمانينات، مع رفع كل أشكال الرقابة، ما نزع صفة “الطابو” عن العديد من الملفات التي كانت تثار في دوائر ضيقة أو خاصة فحسب. وقد أثارت كتابات علي كافي مثلا جدلا واسعا، من خلال شهاداته المتعلقة بعبان رمضان والعقيد عميروش، كما جاءت كتابات أخرى مثل تلك التي قدمها الرائد مصطفى مراردة المدعو بنوي، قائد الناحية العسكرية الأولى بالنيابة في الأوراس، والتي رد من خلالها على اتهام عجول العجول وعباس لغرور بالانشقاق. ولأول مرة تكشف كتابات القادة عن “خلافات” وتباين في الرؤى، بعيدا عن الصورة النمطية السابقة، وإن وضعت هذه الشهادات بلا ريب ثورة التحرير في سياقها الحقيقي أي ثورة قام بها كل أطياف الشعب الجزائري بتناقضاته التي عرفتها طوال مسيرة الحركة الوطنية وتوجهاته في مواجهة مستعمر استخدم كل أساليبه الاستخباراتية وقوته العسكرية ودهائه السياسي وعمليات تعذيب واختراق، وهو ما أبانت عنه أزمة صيف 1962 بملابساتها والتي شكلت أول امتحان لرفقاء الثورة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات