لصوص السيارات يتحدون"لالارم" و"الكود" والأمن

38serv

+ -

لم تصمد أنظمة تأمين السيارات أمام احترافية لصوص وعصابات السرقة، فأفكارهم تتجدد وتتطور مع آخر ابتكارات أجهزة الإنذار، بل ويجتهدون في البحث عن الحيل والثغرات لاختراق هذه الأنظمة، ولم يستعص عليهم أي نوع أو طراز من السيارات. وما طرق تنفيذ عمليات السرقة المحبوكة بدقة، ووسائل فك أنظمة التشفير وتشغيل المحرك، سوى دليل على تحدي الأجهزة الأمنية. وتكشف أرقام المديرية العامة للأمن الوطني عن سرقة 1791 سيارة، منذ بداية العام، على المستوى الوطني، تم استرجاع منها 760 سيارة.قال عميد الشرطة، مزاحم محمد، بمديرية الشرطة القضائية، في لقاء مع “الخبر”، إن أغلب جرائم السرقات منظمة وعابرة للولايات، إذ يتقاسم فيها أفراد العصابة الأدوار، فمنهم من يصطاد الضحايا ويجمع معلومات عنهم، وآخرون يبرمون صفقات مع الجهة التي تشتري السيارة المسروقة، وصولا إلى عملية إخراجها من الولاية دون أن يتفطن لها رجال الأمن، عن طريق تحديد أماكن تواجد رجال الأمن، وتوظيف أشخاص ينقلون لهم خريطة الحواجز الأمنية المنصبة في الطرقات، كما يوكلون لهم مهمة فتح الطريق.وتأتي الجزائر العاصمة في مقدمة الولايات الأكثر تعرّضا لنشاط شبكات السطو، حسب إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني، فقد سرقت 266 سيارة منذ بداية السنة، استرجع منها 154، تليها وهران بسرقة 120 مركبة واسترجاع 49، ثم البليدة بسرقة 118 مركبة واسترجاع 71، فقسنطينة بسرقة 69 سيارة استرجع منها 31 مركبة.ونبّه عميد الشرطة إلى أن عدد السيارات المسروقة في الجنوب يعرف ارتفاعا كبيرا مقارنة بالسنوات الماضية، ليصل إلى 50 سيارة، تم استرجاع منها 35 مركبة منذ بداية العام، وهو ما اعتبره المتحدث انعكاسا لتنامي الظاهرة بالجنوب.الثقة العمياءوتطور الفكر الإجرامي لدى المجرمين ليتماشى مع التغيرات الحاصلة في المجتمع، يتابع المتحدث، فابتكر الكثير من اللصوص طرقا وحيلا، أساسها الثقة لاصطياد الضحايا، بينما يلجأ آخرون إلى توظيف “عبقرية شريرة” باستعمال الوسائل التقنية لفتح السيارة وتشغيل المحرك وسرقتها تحت جنح الظلام أو أوقات القيلولة.ومن الحيل المستعملة، قدم المتحدث حالات تم معالجتها، منها استعانة شاب بشخص متقدم في السن، اصطحبه معه لشراء سيارة، وقدمه للبائع على أساس أنه أبوه ليستشيره في قرار الشراء، لكسب ثقته، ومن ثم أخذ السيارة لتجريبها بمفرده، وهي الفرصة الذهبية التي خطط لها السارق. وتمكن المجرم من تنفيذ مخططه وسرقة السيارة بداعي تجريبها، مستغلا ثقة البائع.يستعمل سيارة ليسرق أخرىوفي حالة أخرى، استطاع أحد اللصوص السطو على سيارة فخمة وباهظة الثمن دون اللجوء إلى التكسير أو تقنية إعادة برمجة المفتاح، وبطريقة جهنمية كسب ثقة البائع وبدد كل ما من شأنه إثارة الشكوك، ليتمكن من أخذ السيارة وتجريبها بمفرده، ومن ثم سرقتها، وهذا عن طريق ركن سيارة أخرى مسروقة لا تقل فخامة عن الأولى، واستعملها كوسيلة لطمأنة البائع ووأد الشك، فما كان على الأخير إلا تسليم مفاتيح السيارة للص، مستمدا الثقة من المركبة التي أمامه، لكن بعد طول انتظار عصفت به الشكوك بالجملة وتاه في آلاف الاحتمالات حتى تيقن أنه تعرض لعملية سرقة.جنّة نشاط اللصوصوعرّف المتحدث أن جل المجرمين يعرفون ضحاياهم جيدا، وكذا طبيعة مهنتهم ونمط حياتهم، ويستقون معلوماتهم من محيطهم القريب، وحدد الأماكن التي يفضلها اللصوص ويعتبرونها جنة نشاطهم، في مستودعات تشحيم وغسل السيارات ووكالات كرائها، حيث توجد المفاتيح وإمكانية استنساخها وإعادة برمجتها.ويعتقد الكثيرون ممن اختاروا سيارات مفاتيحها مزودة ببطاقة ذاكرة، أن مركباتهم مؤمّنة ضد السرقة، لكن هذا ليس صحيحا دائما، فاللصوص استحدثوا طريقة لسرقتها دون عناء، حسب عميد الشرطة، الذي أوضح أن هؤلاء يعمدون مثلا إلى كراء مركبة من وكالات تأجير السيارات ويقومون بنسخ المفتاح الأصلي، ولأن المفتاح مزود ببطاقة ذاكرة موصولة بالسيارة ولا يمكن تشغيلها بدونه.ويعمد اللصوص إلى سرقة بطاقة ذاكرة لسيارة أخرى من العلامة نفسها، قبل أن يعاد برمجة المفتاح وبطاقة الذاكرة وتعاد السيارة إلى صاحبها الأصلي لإبعاد الشبهات. ويترصد اللصوص السيارة المستهدفة لتحيّن الوقت المناسب لسرقتها، ويمكنهم تشغيل المحرك والانطلاق بها وهي مركونة في أي مكان، ليلا أو نهارا، دون إثارة الانتباه.ويروي مصدر أمني لـ“الخبر”، أن لصوص السيارات ينفذون جرائمهم بمكر كبير، إذ يتبعون عدة مراحل، قبل أن يستهدفوا ضحاياهم، فيشرعون في ترقب ضحاياهم ويرصدون حركاتهم وأماكن ركن سياراتهم بالحي، كما يضبطون مواقيت خروجهم ودخولهم إلى منازلهم، ومن ثمة يشرعون في جمع المعلومات عن وظيفة وشخصية صاحب السيارة المستهدفة، وهي المعلومات التي يستغلونها لتنفيذ عملياتهم.أما بشأن المركبة، فإنهم يتعرفون على التقنيات المجهزة بها من حيث النوع والكيف، ومنها يخضعونها لدراسة معمقة لمعرفة مدى قدرتهم على فتحها ولتحديد مواطن ضعف هذه الأنظمة. وإن عجزوا عن ذلك، فإنهم يلجئون إلى ما تزخر به الشبكة الإلكترونية من طرق وأفكار في هذا العالم.عائق تشغيل المحركوتزود أغلب السيارات، خاصة الحديثة منها، بجهاز إنذار لتنبيه صاحبها في حال اقترب منها الخطر، غير أن للصوص حيلا وتقنيات تساعدهم على تعطيل جهاز الإنذار بسهولة بالاستعانة بالهاتف النقال، وفي كثير من الأحيان يعمد هؤلاء إلى تشغيل جهاز الإنذار أكثر من مرة، خاصة في الليل، ليضطر صاحب السيارة إلى توقيف تشغيله حتى لا يزعج الجيران، غير أنه لا يدري بأنه سهّل من مهمة اللصوص، فيمكّنهم بسهولة من سرقة السيارة دون أن يُصعب جهاز الإنذار من مهمتهم.طريقة أخرى يلجأ إليها اللصوص لسرقة السيارة غير المزودة ببطاقة الذاكرة، فالمحترفون منهم يمكنهم فتح السيارة دون عناء يذكر، لكنهم يقفون أمام عائق تشغيل المحرك دون مفتاح، فيجدون الحل في تصنيع المفتاح في عين المكان في لحظات وتشغيل السيارة.ولا يختلف الأمر كذلك مع السيارة المبرمجة بشفرة أو ما يعرف بـ’’الكود’’ في نظام تشغيلها، يضيف محدثنا، إذ يستعين اللصوص بجهاز خاص لإعادة برمجتها في عين المكان لفك الشفرة. والجهاز مستورد في الغالب من الصين، يشتغل بطريقة جهاز فك شفرة القنوات التلفزيونية نفسها.المهربون يدخلون الخطوأفاد مصدر أمني لـ“الخبر”، بأن السيارات المسروقة مصيرها إما في أماكن بيع قطع غيار السيارات المستعملة، أو يتم توظيفها في نشاط التهريب عبر الحدود الشرقية والجنوبية، وهو ما يجعل المهربين يتخلون عنها للفرار من أجهزة الأمن.ويؤكد المصدر أن عصابات التهريب تستغل شبكات سرقة السيارات لتشتري منها المركبات لتحويلها إلى نشاط التهريب، لتغليط أجهزة الأمن أثناء عثورهم على السيارات المستعملة في التهريب.ناقلات السيارات متورطة كثيرا ما يستوقفنا مشهد جر سيارة مركونة في مكان ما بسبب عطل أصابها وحال دون تشغيلها، لكن السيارة لا تكون معطلة دائما، والأمر في الكثير من الأحيان حيلة من حيل ألاعيب اللصوص لسرقة السيارة بطريقة ‘’جريئة’’ لا تثير انتباه المارة، ولا حتى صاحب شاحنة نقل السيارات المعطلة. يردف عميد الشرطة: ‘’يتهاون بعض أصحاب شاحنات نقل وجر السيارات ولا يطلبون من الزبون استظهار البطاقة الرمادية التي تؤكد أنه صاحب السيارة الأصلي، ودون قصد يتورط هذا الأخير في عملية السرقة، إذ عالجت مصالح الأمن الكثير من القضايا من هذا النوع، أين يقوم اللصوص بسرقة سيارة مركونة بالاستعانة بخدمات جر ونقل السيارات’’.احذروا ترك المفاتيح في السيارة ولو للحظات تحترف عصابات سرقة السيارات بطريقة غريبة، إذ يستهدف أفرادها السيارات التي يترك أصحابها المفتاح مشغلا لسرقتها بالعنف، وحتى بركابها فتكفي لحظة ينزل فيها السائق من سيارته ويترك فيها زوجته، ابنته أو أمه، لاقتناء جريدة على بعد خطوات أو إخراج مشتريات من الصندوق الخلفي للسيارة أو حتى إقفال المرآب، لتختفي السيارة في لمح البصر، وهو سيناريو تكرّر مع العديد من الضحايا الذين أوقعت بهم عصابة محترفة، يترصد أفرادها السائقين المغفلين.“الطوليي”.. مكان آخر للسرقة من الأماكن التي تنصح مصالح الأمن الانتباه إليها لتفادي التعرض لسرقة المركبات أو تغيير قطع غيارها الأصلية أو الجديدة، بأخرى قديمة أو مستعملة أو مقلدة، محلات تصليح هياكل السيارات (طوليي). وتتم عمليات السرقة بالأسلوب المتبع نفسه في محطات غسيل السيارات، أي باستغلال عنصر الثقة القائم على العلاقة بين الزبون وصاحب المحل. وينصح كذلك بأن ينتبه الزبون إلى الطاقم العامل بالمحل، وما إذا كان من العاملين القدامى أو حديثي العهد بالحرفة، حيث يمثل هذا المعطى مؤشرا على حسن سيرة العاملين بالمحل من دونها. وينسحب مبدأ التحلي بالحيطة والحذر على أماكن أخرى، مثل محلات تشحيم وتبديل زيت المحركات وتصليح العجلات والميكانيكا ومحلات تجهيزات الأمان المضادة للسرقة.أين هي مصالح الأمن؟ مثلما يتحمّل السائقون مسؤولية ما قد يحدث لهم من مآسي جراء سرقة سياراتهم، فإن جزءا من المسؤولية تبقى ملقاة على عاتق مصالح الأمن التي رغم كثرة انتشارها، إلا أن بطء التحرك في بعض الأحيان وسلبية نتائج التحريات والتقاعس إذا كانت المسروقات لا تتعدى الكسر للاستحواذ على تجهيزات، مثل الراديو، كثيرا ما يضعها في قفص الاتهام والانتقاد.أرقام الدرك غير متوفرة رغم أننا ألححنا على رئيس خلية الاتصال بقيادة الدرك الوطني، العقيد عبد الحميد كرود، للحصول على أرقام حول سرقة السيارات في الجزائر، إلا أنه تجاهلنا بحجة أنه في مهمة مع صحافيين إلى ولاية هران، رغم أن عملنا لا يتطلب الانتظار، على عكس المديرية العامة للأمن الوطني التي حددت لنا موعدا مع الشرطة القضائية، بعد مراسلتها عن طريق الفاكس. وعليه، فقد اكتفينا بأرقام هذه الأخيرة، رغم أن أغلب عمليات السرقة تنفذ في المناطق الحضرية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات