غياب الأنترنت يقلب يوميات الأسرة الجزائرية

+ -

تغير نمط حياة الجزائريين جذريا بتوقف تدفق الأنترنت في الجزائر فجأة، ليجدوا أنفسهم في “عزلة قاتلة”، انقطعت فيها الحبال مع العالم الافتراضي، حيث آلاف الأصدقاء والمعلومات والأخبار والتعاليق، وخيم شبح الملل والفراغ، فاكتشفوا أنهم كانوا عالقين في نسيج الشبكة العنكبوتية طوال يومياتهم، لكن بالمقابل اختلفت أساليبهم في مواجهة هذا الفراغ،فمنهم من أعاد ربط الوصال مجددا مع عالمه الصغير، وآخرون لجأوا إلى اللمّة العائلية وأصدقائهم والكتاب. عاد الجزائريون إلى “عصر ما قبل الأنترنت” منذ العطب الذي أصاب الكوابل بأعماق البحر، وأضحوا مرغمين على التكيف مع واقع جديد يخلو من تبادل الأحاديث والصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسويق خدماتهم أو ترويج سلعتهم عبر الروافد الإلكترونية.. واقع جديد لا مفر منه.. وحالة حصار معلوماتي مفروضة عليهم.يروي الكثير من الشباب أن الملل أنهك حياتهم ولم يجدوا ما يفعلونه في غرفهم، بل عجزوا عن ابتكار حلول تخفف من حدة هذه العزلة، لكنهم جددوا علاقاتهم مع العائلة التي فقدوا التواصل معها لسنوات بسبب “حمى الأنترنت”، وهو ما اعتبروه إعادة اكتشاف العائلة.زوال مفعول المخدروليد يعيش عزلة حادة أصابته بعد “تمزق” أوصال الأنترنت، وهو الذي يعشش في فضائها الأزرق “فايسبوك” منذ استيقاظه صباحا، ففيه أسس حياة افتراضية بديلة عن حياته الواقعية، وعلاقاته كلها إلكترونية إلى درجة أنه لا يتكلم كثيرا. حاول جاهدا تعويض “عالمه الضائع”، لكنه استسلم لقدر محتوم. وليد قال إنه أصبح يجالس أمه كثيرا بعد توقف تدفق الأنترنت، واسترجع متعة الحديث مع الأصدقاء، ليقف على حقيقة أنه كان تحت مفعول مخدر.وأنهك السكوت والملل الموظفين على مستوى الإدارات والمؤسسات العمومية، فأضحوا مدفوعين بالحديث مع الزملاء. وفي حديثها إلينا، قالت إحدى الإداريات “كنا نقضي ساعات وساعات سابحين في فلك العالم الافتراضي، لكننا هذا الأسبوع وبعد انقطاع الأنترنت اكتشفنا أن علاقاتنا الشخصية والمهنية داخل المكاتب فاترة وتتميز بالجمود ولم نجد ما نفعله سوى إعادة بعثها”...حتى الاتصالات المجانية متوقفةواختلفت أساليب مواجهة الملل والفراغ الإلكتروني عند ربّات البيوت اللواتي ألفن الإبحار في الأنترنت للاطلاع على آخر صيحات الموضة ووصفات ما لذ من الأطباق، وكذا استعمال الأنترنت للاتصال المجاني بأقاربهن في المهجر، فلجأن إلى بدائل أخرى، أهمها إعادة بعث العلاقات مع أبنائهن، والتفكير في تغيير الديكور المنزلي للقضاء على الرتابة التي طبعت يومياتهن.أما الطالبة الجامعية مونية، ففضّلت “قهر” الملل بتنظيم خرجات مع صديقاتها إلى المكتبات العمومية أو ارتشاف قهوة واستحضار المواضيع المضحكة والمسلية، في محاولة للتكيف مع نمط حياة جديد، خاصة أن الجيل الجديد لم يسبق له العيش في عالم خالٍ من الأنترنت، وهي “المأساة الكبرى”، كما قالت إحدى الفتيات.العودة إلى خير أنيسوغير بعيد عن هؤلاء، حوّل قلة هذا الانقطاع إلى فرصة من ذهب وعكفوا على مطالعة أمهات الكتب، والإبحار في عوالم الروايات التي عجزوا عن فتحها وتقليب أوراقها قبل توقف الشبكة العنكبوتية، وهو ما اعتبروه أمثل سلاح لمواجهة شبح اسمه “ماكاش كونكسيون”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات