أرجوكم كفوا عن البكاء بعد قراءة هذا العمود! نحن اليوم نتأهب لأن يلعب الفريق الوطني لكرة القدم مع تنزانيا لحساب تصفيات كأس العالم.تنزانيا هذه تتكون من بلدين هما تنجانيقا وزنجبار، وحدهما الزعيم الإفريقي الخالد جوليوس نيريري عند الاستقلال في 1964، وكون منهما بلدا واحدا أسماه تنزانيا، وهو المختصر من دمج اسمي البلدين تنجانيقا وزنجبار.جوليوس نيريري كان أحد العظماء الأفارقة الخمسة، ناصر مصر وبن بلة الجزائر وكوامي نكروما غانا وجوليوس نيريري تنزانيا وباتريس لومومبا الكونغو.تنزانيا التي سنلعب معها كرة القدم قريبا هي البلد الإفريقي الوحيد الذي لم تقع فيه انقلابات من بين البلدان التي ذكرت زعماءها.. لأن هذا البلد احترم الدستور الذي وضع لحكم البلاد سنة 1964. ونيريري انسحب من الحكم ونظم انتخابات بعد حكم طويل لبلده، ولم يمت في الكرسي.. وكل الرؤساء الذين جاءوا بعده احترموا الدستور ولم يغيروا العهدات، فكل رئيس يحكم عهدتين وينسحب... ولهذا فإن تنزانيا هي أهم بلد إفريقي استقرارا سياسيا. عكس البلدان التي ترتع فيها الانقلابات ويعشش فيها العبث بالدستور.نيريري كان عضوا في لجنة حكماء إفريقيا إلى جانب بن بلة ومانديلا، وكان محبوبا من إفريقيا وشعوبها ومن شعبه أولا.كم تمنيت لو أن الجزائر تقوم بإرسال كل الطبقة السياسية ورجالات الحكم في الجزائر وحتى الضباط مع الفريق الوطني لأجل إجراء تربص سياسي في تنزانيا على كيفية تنظيم الانتخابات واحترام القانون والدستور والخضوع لإرادة الشعب في تعيين الحكام، قبل أن يتعلم الفريق الوطني لعب كرة القدم من فريق تنزانيا.جوليوس نيريري، هذا الحكيم، هو الذي أشار على بن بلة سنة 1964 في مؤتمر الوحدة الإفريقية بأديس أبابا بأن يعزل بوتفليقة من وزارة الخارجية.. وقد حكى لي المرحوم بن بلة القصة كاملة ذات يوم في بيته في حيدرة على مائدة غداء، وللموضوع قصة طريفة.كان بن بلة يرأس اجتماع الوحدة الإفريقية في أديس أبابا، وكان قد اتفق مع الزعماء الأربعة الذين ذكرتهم أعلاه على أن يطرحوا في المؤتمر لائحة يصادق عليها المؤتمرون، وتتعلق بإقرار مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار كحدود رسمية للدول الإفريقية المستقلة. كان المغرب وقتها قد شن على الجزائر حرب الرمال سنة 1963 لأنه لم يعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار ويطالب بجزء من الجزائر وبموريتانيا كاملة وبالصحراء الغربية. اتفق بن بلة مع نيريري وناصر وكوامي نكروما على أن يطرح نيريري محتوى اللائحة ويثني عليها ناصر ونكروما وتقوم الجزائر بتقديم نص اللائحة مكتوبا للمصادقة! تمت العملية كما رتب لها، وكان بن بلة يرأس الجلسة وبوتفليقة يرأس الوفد في القاعة نيابة عن الرئيس بن بلة... وعندما أعطى بن بلة الكلمة للوفد الجزائري لقراءة اللائحة لم يجد بوتفليقة في القاعة... وبالتالي فشلت العملية. اغتاظ بن بلة وترك تسيير الجلسة لنائبه وذهب للبحث عن وزير خارجيته ورئيس وفد الجزائر فلم يجده. وعلم نيريري بالعملية، فأشار على بن بلة بعزله! وعندما عاد بن بلة إلى الجزائر عزل وزير خارجيته من منصبه فحدث انقلاب 19 جوان 1965.ليتنا نتعلم من تنزانيا احترام القانون والدستور، ونتعلم منها تنظيم التداول على السلطة سياسيا بالانتخابات قبل أن نتعلم منها كرة القدم[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات