+ -

في صحيح مسلم، ذكر عليه الصّلاة والسّلام صنفًا من النّاس وصفهم بأنّهم أهلكوا أنفسهم “كلّ النّاس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها”، ومنهم الّذين يظلمون عباد الله، بألسنتهم أو بأيديهم أو بأيّ نوع من أنواع الظلم، متناسين أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنّة، تأتي امرأة فتذهب إلى أحد خلفاء بني أمية وتقول: إن سعيد بن زيد غصبني أرضي، فيأتي به الخليفة، ويقول: أغصبتها أرضها يا سعيد؟ فتدمع عيناه، ويقول: والله ما غصبتها أرضها؛ لأنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “مَن ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ يوم القيامة من سبع أراضين”، ثمّ قال: فلتأخذ أرضي إلى أرضها وبئري إلى بئرها، ونخلي إلى نخلها، فإن كانت صادقة فذاك، وإن كانت كاذبة، فأسأل الله تعالى أن يعمي بصرها ويهلكها في هذه الأرض. وتصعد الدّعوة إلى الباري سبحانه الّذي ينصر المظلوم من الظالم، وبعد فترة تصاب هذه المرأة بالعمى، ثمّ تذهب لتتخبّط في أرضها الّتي أخذتها بالزّور والجور، ثمّ تسقط في البئر مُتردية فتهلك هناك.وها هم البرامكة وزراء الرّشيد الّذين كان منهم ما كان، كانوا في نعمة من الله، لكنّهم ما صانوا هذه النّعمة، بل تكبّروا وتجبّروا وظلموا عباد الله، وظنّوا أنّهم في بُعدٍ عن قبضته سبحانه، فيسلّط الله عليهم الخليفة فيقتل منهم مَن يقتل، ويدخل السجن منهم مَن يدخل، ويضرب أحدهم ألف سوط وهو من كبرائهم، ثمّ يدخله السجن، فيأتي أحد أبنائه يزوره، فيقول: أبتاه! بعد العزّ أصبحت في القيد.. أين قصور الذهب والفضة يا أبتاه؟ قال: ألا تدري يا بني؟ قال: لا، قال: دعوة مظلوم سَرَتْ في جوف اللّيل، نمنا عنها وليس الله عنها بنائم: {وَلا تَحْسبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.إنّ من الخليقة جبانا عندما لا يجد مَن يظلم يظلم البهائم، سلّط شجاعته على الحيوانات والدّواب، فهو شجاع على القطط وجريء على الكلاب! رجل في يوم من الأيّام تردّد حمار على مزرعة له، فأكل منها ما أكل، فطرده في اليوم الأوّل والثاني والثالث، وبعدها عمد إلى ربطه في سيارته حيًا ثمّ سحبه على الإسفلت إلى منطقة بعيدة حتّى تمزّق إربًا إربًا، ظلم وأيّ ظلم! ويرجع إلى بيته فيجد فيه بعوضًا، فعمد إلى مبيد حشري فرش به الغرفة حتّى امتلأت بهذا الغاز، ثمّ أضاء المصباح فأصدر شرارة، فإذا بالغرفة تصبح عليه نارًا فيحترق، ثمّ يبقى يومين أو ثلاثة معذّبًا بآثار الحريق إلى أن لقي ربّه.إنّ البهائم لها أرواح، وتشعر بما يشعر به بنو آدم، يدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حائط رجل من الأنصار فيجد بعيرًا هناك جائعًا متعبًا، فيأتي عليه الصّلاة والسّلام ودموعه تذرف فيقول “أين صاحب هذا البعير؟” فيخرج فتى من الأنصار ويقول: أنا يا رسول الله، فيقول “أما تتّقي الله في هذه البهيمة تجيعها وتتعبها، إنّها شكت إليَّ ما تجده منك”.وكان رجل يُكاري على بغل له بين دمشق والزبداني كما يروي ابن كثير، وجاء يومًا من الأيّام قاطع طريق فركب معه وذهبَا في الطريق، وبينما هما كذلك قال: اسلك هذه الطريق فهي أيسر وأقرب، قال: أنا منذ فترة وأنا أسلك هذا الطريق وأعرفها، قال: هذا أقرب وأيسر، فصدّقه وذهب معه فجاء إلى واد سحيق، وإذا في هذا الوادي جثث لقتلى، فهو يأتي بالنّاس إلى هناك ليذبحهم ثمّ يسرق ما معهم، جاء بهذا الرجل وأراد أن يقتله فقال: خذ كلّ ما أملك، خذ بغلتي، خذ دراهمي، خذ كلّ ما تريد ودعني وشأني، قال: لابدّ من قتلك، قال: إن كان لا بدّ فدعني أصلّي ركعتين أودع بهما الدّنيا، قال: فقمت أصلّي وهو قائم عليَّ بالحربة يريد أن يقتلني، قال: فضيعت القرآن وأنا أرى الحربة فوق رأسي، فوالله ما استحضرتُ آية من القرآن إلاّ أنّني تذكّرت قول الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، قال: فكررتها، وإذ بفارس من فم الوادي يخرج على فرس ومعه حربة فينطلق حتّى يضربه بالحربة فيرديه قتيلاً، قال: فتعلّقتُ بثيابه، وقلت: أسألك بالله مَن أنت؟ قال: أنا من جنود الّذي يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السّوء، إنّها دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.ودخل طاوس على هشام بن عبد الملك ينصحه ويعظه ويحذّره الظّلم، ويقول له: اتّق الله يا هشام، ولا تنس يوم الأذان، قال: وما يوم الأذان يا طاوس؟ قال: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} فأغمي عليه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات