38serv
لم تترك المخرجة الفرنسية فيفيان كانداس مجالا للشك في أن موت والدها “إيف ماثيو”، محامي جبهة التحرير الوطني إبان الثورة التحريرية، في ماي 1966 على الطريق الرابط بين قسنطينة وسكيكدة، وبالضبط في منعرجات بلدية زيغود يوسف، “كان عملا مدبرا”، ولو أنها لم تنطق بهذا “الحكم” صراحة في فيلمها “جزائر الممكن” الذي عرض قبل أول أمس في سينماتيك وهران. جمعت المخرجة فيفيان كانداس شهادات رفاق المحامي الفقيد، التي تصب في هذا الطرح، وهي شهادات “ثقيلة” قالها “سي جمال” شريف بلقاسم، وعبد الرحمن مزيان شريف وغيرهما من الذين عرفوا المحامي “إيف ماثيو”.استعرضت المخرجة في فيلمها الوثائقي الذي يستغرق 88 دقيقة حياة والدها المولود في مدينة عنابة، ومساره في المقاومة الفرنسية للنازية متطوعا، ثم نضاله في الحزب الشيوعي الفرنسي ثم الحزب الشيوعي الجزائري، قبل أن ينخرط في فريق دفاع مناضلي جبهة التحرير الوطني أمام المحاكم الفرنسية. وكان من بين محامي منفذي تفجير مصنع النفط في موربيان بمرسيليا في أوت 1958، ومنهم وزير الداخلية الجزائري الأسبق عبد الرحمن مزيان شريف الذي قدم شهادته عن محاميه الأستاذ إيف ماثيو. وروت المخرجة مسار والدها المحامي بعد استقلال الجزائر، وانخراطه في برنامج الرئيس الراحل أحمد بن بلة، الذي قدم شهادته هو الآخر في الفيلم، وكان مهندس التسيير الذاتي للأراضي الفلاحية وهو الذي أشرف أيضا على فريق العمل الذي أنجز مشروع قانون “الأملاك الشاغرة”. وبينت فيفيان في الفيلم أن والدها لم يكن “قريبا” من منفذي انقلاب 19 جوان 1965، وأنه كان على اتصال مع المناوئين للانقلاب، وهو ما جعل شريف بلقاسم يقول لإحدى صديقاته بعد وفاة المحامي في حادث المرور “كنت أتوقع أن ينتهي بهذا الشكل، ولم أستطع توقيف ذلك”. لكن المخرجة لم تستطع انتزاع هذه الشهادة من فم “سي جمال” الذي سجلت معه وهو يعالج من داء السرطان، وقالت “لم تكن لدي الجرأة لطرح هذا السؤال عليه أمام ابنه. وللأسف توفي قبل الموعد الثاني للتسجيل”.عادت المخرجة إلى يوم 15 ماي 1966، عندما سافر والدها إلى قسنطينة عن طريق القطار، ومنها توجه إلى سكيكدة برا على متن سيارة. وفي طريق بلدية زيغود يوسف “توجهت نحو سيارته شاحنة ضخمة للجيش يقودها سائق شاب، وكانت تسير على الجهة اليسرى للطريق ودهسته ليموت في مكان الحادث، فيما بترت رجلا السائق”. وأوردت أنه حظي بجنازة كبيرة قرأ فيها الراحل محمد شريف مساعدية التأبينية في المقبرة المسيحية في سكيكدة.تطرقت المخرجة أيضا في فيلمها الوثائقي إلى قضية جنسية والدها، واستجوبت وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي الذي كان حينها وزيرا للعدل، والذي نفا أن يكون تلقى طلبا من الراحل “إيف ماثيو” لاكتساب الجنسية الجزائرية. وبالمقابل، استظهرت في الفيلم “بطاقة الناخب الجزائري” التي أرسلت لعائلته بعد وفاته سنة 1967، لتثير الشكوك حول “رفض في موقع ما للسلطة الجزائرية منح المحامي إيف ماثيو الجنسية الجزائرية”، ويقول كل الذين شهدوا في هذا الفيلم إن الراحل كان جزائريا.يقترح فيلم “جزائر الممكن” كمّا هائلا من المعلومات، وتنبيها إلى ورشة مهمة وكبيرة في تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية، وهي مساهمة الجزائريين من أصل أوروبي في الكفاح المسلح لاستقلال الجزائر. ونشير إلى أن المخرجة التي ولدت في باريس سنة 1954، عاشت السنوات الأولى للاستقلال مع أمها ووالدها في الجزائر في حي تيليملي، قبل أن ترحل إلى فرنسا مع والدتها بعد وفاة الأستاذ “إيف ماثيو”، وتتابع دراسات في الفنون الدرامية والسينمائية، وتنجز مجموعة من الأفلام وكذا روايتين، ويبدو أن اكتشافها لـ«تاريخ والدها” غيّر مسارها الفني ونظرتها إلى الجزائر، حيث قالت في وهران “أعتبر نفسي جزائرية”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات