من حق الحكومة الجزائرية أن تحتج على الحكومة الفرنسية عندما تهين فرنسا وزراء الجزائر.. لكن الحادثة الأخيرة ينبغي أن تكون موضع إجراءات داخلية خاصة بالجزائر تضع حدا للاستهتار بسمعة الدولة الجزائرية من طرف بعض الوزراء.. لأن المشكلة ليست مع فرنسا فحسب، بل هي تتعلق ببعض سلوكيات المسؤولين الجزائريين الذين لا يحترمون قواعد وقيم المسؤولية التي يتولونها:أولا: الوزير المهان في “أورلي” قالوا إنه يحمل جواز سفر دبلوماسي وأمرا بمهمة.. فإذا كان هذا صحيحا.. فما هي هذه المهمة التي تنقّل من أجلها إلى فرنسا ولم يعلم بها لا الرأي العام الفرنسي ولا الرأي العام الجزائري؟ǃ ثم لماذا اختار الوزير أن يقوم بهذه المهمة في أيام عطلة رسمية جزائرية.. رأس السنة الهجرية ويومي العطلة الأسبوعية؟ǃ أغلب الظن أن الحكومة الجزائرية والحكومة الفرنسية تخفيان على الرأي العام طبيعة هذه المهمة التي قام بها وزير الاتصال إلى فرنسا في أيام العطلة.. وهو ما يثير الشكوك في الموضوع بصورة أسوأ من الإهانة نفسها.. فإذا كانت الزيارة خاصة، فلماذا الأمر بمهمة؟ǃ وبالنظر إلى طبيعة الحادثة، أكاد أجزم بأن الحكومة الجزائرية والحكومة الفرنسية لا تعرفان شيئا عن هذه الزيارة التي تحوّلت إلى رسمية.. وهي خاصة؟ǃثانيا: المسؤول الفرنسي الذي قال: إن فرنسا ضاقت ذرعا بتواجد المسؤولين الجزائريين فوق أراضيها بصورة زائدة عن المعتاد.. لأن الاهتمام الفرنسي بهؤلاء وصيانة أمنهم وراحتهم يكلّف فرنسا مبالغ مهمة هي في غنى عنها لو التزم المسؤولون الجزائريون الحدود المعقولة في زياراتهم لفرنساǃأكثر من هذا، فإن هذا المسؤول ذكر حقيقة مؤسفة؛ وهي أن بعض هؤلاء المسؤولين يتواجدون في فرنسا أكثر مما يتواجدون في أماكن عملهم بالجزائر؟ وهي ملاحظة مؤلمة أكثر من حكاية إجبار وزير على خلع معطفه وحزامه وحذائه أمام شرطي في مطار؟ǃثالثا: بوتفليقة عندما جاء إلى الحكم في 1999 رفع شعار “ارفع راسك يا بّا”ǃ وقال إنه سيعيد للجزائر هيبتها.. لكن نوعية الرجال والنساء الذين اختارهم لحكم الجزائر، وصلوا بالبلاد إلى حالة “ارفع سروالك يا بّا”ǃ كما هو حاصل الآن.هيبة الدولة أمام الدول الأجنبية ليس باستدعاء السفير للاحتجاج عليه، لأن بلاده أهانت الوزير الجزائري.. بل هيبة الدولة الحقيقية تبدأ من استدعاء الوزير الذي سمح بتصرفاته غير المنضبطة بأن يهان ويهين الدولة معهǃكنت أتمنى لو أن حكومة الجزائر تستدعي السفير الفرنسي عندما يصرح ساركوزي بقول مشين للشعب والبلد، أو تقوم السلطات الفرنسية بالمساس بأمن ومصالح البلاد.. لا أن يستدعى السفير، لأن وزيرا جزائريا لا يحسن طقوس المسؤولية التي أسندت إليه ويتصرّف بما يضعه تحت إجراء الإهانة بنزع حذائه أو معطفهǃ إنها مصيبة عندما تهتم الدبلوماسية بصغائر الأمور التي يرتكبها صغائر الوزراءǃ[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات