روراوة يُعيّن ويقيل المدرّبين بقرارات ارتجالية

+ -

يحضّر رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم لتدوين اسم عاشر مدرّب وطني في سجّل المدربين الذين تعاقد معهم خلال عهداته الثلاث على رأس “الفاف”، بعدما “فرض” على أعضاء المكتب الفيدرالي “عنوة” خلال الاجتماع الأخير، عدم “مساندة” كريستيان غوركوف وجعلهم يستعدّون لاتخاذ قرار باسمهم، يتعلّق بتنحية المدرّب الحالي لـ”الخضر”. رئيس الاتحادية، الذي يقضي عاشر سنة تقريبا على رأس هيئة تحوّلت إلى إمبراطورية كروية عنوانها أحادية القرار، في فترتين مختلفتين (العهدة الأولى ما بين 2001 و2005، والعهدتين الثانية والثالثة منذ 2009)، تميّز بعدائه لأغلب المدرّبين الذين تعاقبوا على رأس العارضة الفنية لـ “الخضر” وحققوا نتائج إيجابية، بشهادة الإعلام الرياضي والجماهير، والأرقام أيضا، بينما كان رئيس “الفاف” في كل مرة يساند فيها “فشلا” من اختارهم لتدريب المنتخب الوطني، قبل أن ينقلب عليهم، حسب “المزاج”، وبعدما تشكّل النتائج وطريقة تسيير المنتخب نقطة خلاف بين المدرّب الوطني ورئيس الاتحادية.ماجر.. أول ضحايا روراوةومنذ نوفمبر 2001 إلى غاية اليوم، فإن رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم تعامل مع تسعة مدرّبين، وكانت البداية مع المدرّب المحلي رابح ماجر الذي “ورثه” روراوة عن رئيس الاتحادية، الراحل عمر كزّال. وكانت أولى أولويات “الوجه الجديد” في الاتحادية “التخلّص بأي شكل من صاحب العقب التاريخية، دون استشارة المكتب الفيدرالي، وتم تنحية ماجر بعد أسابيع من مشاركته في “كان 2002”، وتحديدا عقب مباراة ودية كبيرة أمام المنتخب البلجيكي بملعب هذا الأخير، انتهت بالتعادل السلبي، كانت عنوانا لميلاد منتخب كبير فرض التعادل على “الشياطين الحمر” الذين فازوا، أسبوعا واحدا بعد ذلك، على منتخب فرنسا بطل العالم وقتها في العاصمة باريس، بحجة أن ماجر “انتقد رئيس الاتحادية” في صحيفة بلجيكية.رحيل رابح ماجر لم يحلّ مشكل العارضة الفنية للمنتخب الوطني، بل زاده تعقيدا، بسبب الخيارات غير الصحيحة للرئيس محمّد روراوة، خاصة حين راح يفرض على الجزائريين منطق أحادية القرار والإعلان بأن الفلسفة الجديدة للمنتخب ستعتمد مستقبلا على الاستعانة بالخبرة الأجنبية، للترويج إعلاميا، عقب إقالة أحد رموز الكرة الجزائرية (رابح ماجر)، بأن المدرّب المحلي “لا رجاء يُنتظر منه”، ما جعل روراوة يقترح، بديلا لذلك، المدرسة البلجيكية.رئيس الاتحادية تعاقد في البداية مع جورج ليكنس، غير أن هذا الأخير لم يعمّر طويلا، وقرر، بشكل مفاجئ، مغادرة العارضة الفنية لـ “الخضر”، دون أن يشعر رئيس الفاف وقتها، بأنه مرغم على تقديم توضيحات حول قرار اختيار مدرّب غير مستعد معنويا للعمل مع المنتخب الجزائري، ليقترح، في فترة أخرى قبيل انتهاء عهدته الأولى، مدرّبا بلجيكيا آخر، انتظره روراوة بفخر، حتى يُطرد من فريقه شارل لوروا البلجيكي بسبب ضعف النتائج، ليتولى بعدها تدريب المنتخب الجزائري، ليقوده لتكبّد مهازل كان فريق شارل لوروا قد سارع لتجنّبها حين “سهّل” للمدرّب روبير واسايج، دون قيد أو شرط، لإتمام مهمة “التدمير” في الجزائر، وكانت نهاية مشوار واسايج في 2004 خسارة مذلة بملعب 19 ماي 1956 بعنّابة أمام المنتخب الغابوني بثلاثية تاريخية.”معايير اختيار المدرّبين غائبة في قاموس رئيس الفاف”وبين ليكنس وواسايج، وفضائح خيار المدرسة البلجيكية، وجد روراوة نفسه مضطرا قبل موعد “كان 2004” بتونس، إلى الاستعانة بالمدرّب المحلي لإنقاذ رأسه، وسمحت عودة رابح سعدان إلى المنتخب بأداء دورة مشرّفة، بلغ فيها “الخضر” ربع النهائي وكان على مقربة من بلوغ المباراة النهائية، لولا الوقت بدل الضائع “القاتل” في مباراة المنتخب المغربي، قبل أن يتخلى روراوة بعدها عن سعدان حتى يجلب واسايج من بلجيكا.ولم يتحرّج رئيس الاتحادية في “إسقاط” معايير اختيار المدرّبين من قاموسه، حتى بعد مهزلة روبير واسايج، بدليل إعلانه في فندق الأوراسي خلال “فوروم” بأن علي فرڤاني هو المدرّب الجديد للمنتخب، ما أذهل كل الإعلاميين الحاضرين، رافضا أي أسئلة عن أسباب “التكتّم” عن اسم المدرّب الجديد للمنتخب، وعن الطريقة “الغريبة” التي اختارها للإعلان عن “الاختيار”.روراوة “يحارب” المدرّبين الناجحين ويتضامن مع الفاشلينوحملت عودة رئيس “الفاف” إلى قصر دالي إبراهيم بعد “إبعاد قسري” في 2005، في ظل تمرير يحيى ﭭيدوم، وزير الشباب والرياضة في ذلك الوقت، مشروع قانون “عهدة واحدة لكل رئيس اتحادية”، عداء متجدّدا للرئيس روراوة للمدرّبين الناجحين. وإذا كان رابح سعدان الذي “ورثه” روراوة كذلك من سابقه حميد حدّاج، عمّر أكثر من رابح ماجر، إلاّ أن تحقيق “الشيخ” لنتائج باهرة فاقت نتائج صاحب العقب الذهبية، لم يشفع له لدى الرئيس الذي لا يثق في قدرات المدرّب المحلي، فكان جزاء سعدان، بعد مركز رابع في “كان 2010” ومشاركة ثالثة في المونديال، التخلّي عنه في سيناريو مباراة تنزانيا كان واضحا بأنه كان مبرمجا.والغريب في أمر رئيس الفاف أن خليفة رابح سعدان لم يكن سوى مدرّب محلي آخر، وساند روراوة المدرّب عبد الحق بن شيخة الذي منحه “هدية مسمومة”، حين أمسك بزمام المنتخب المونديالي في وقت حسّاس للغاية، ولم يعمّر بن شيخة لأكثر من ثلاث مباريات، وسقط برباعية المنتخب المغربي في مراكش، ما أحرج كثيرا رئيس “الفاف” الذي اعتقد بأن ما حققه “الشيخ” يسهل تحقيقه مع أي مدرّب كان.العودة إلى خيار المدرّب الأجنبي لم تكن لتُحدث القطيعة بين “عداء” روراوة لنجاح المدرّبين الذين يُكسبهم شهرة من دونه ويجعلهم تحت الأضواء، بدليل أن المدرّب البوسني وحيد حاليلوزيتش دفع ثمن شخصيته القوية وتحييده لرئيس الاتحادية ووضعه عند حدّه في مناسبات كثيرة غاليا، بدليل تعيين روراوة خليفة حاليلوزيتش “مسبقا”، قبل حتى موعد المونديال البرازيلي، وهو قرار استفزّ المدرّب البوسني، وكاد يؤثّر سلبا على مشوار “الخضر” في نهائيات كأس العالم.والغريب أن روراوة الذي جلب كريستيان غوركوف باسم المكتب الفيدرالي نكاية في حاليلوزيتش، لم يفوّت الفرصة لمهاجمة الإعلام الرياضي الجزائري بعد “كان 2013”، وجدّد ثقته في حاليلوزيتش حتى بعد الخيبة في المنافسة القارية، وافتقد رئيس الاتحادية، بقراراته ومواقفه المتناقضة للمصداقية، وترك الانطباع بأنه يساند ويتخلى عن المدرّبين حسب المزاج وبعيدا عن أي معايير منطقية.ولعل تحضير روراوة لتنحية كريستيان غوركوف، المدرّب الوطني التاسع في عهدته، بعد مرور أيام قليلة فقط على “تكذيباته” لهذا الطرح وتجديد ثقته فيه، مؤشّر قوي آخر على أن “الارتجال” هو سيّد قرارات رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، الذي يتحاشى تفسير تناقضاته باختيار وسيلة إعلامية واحدة للترويج لنفسه بعيدا عن الندوات الصحفية، حتى يتفادى سماع كلام يصبّ في سياق تحميله مسؤولية أي إخفاق محتمل للمنتخب الوطني، طالما أن خيار المدرّبين لم يكن يوما محلّ إجماع أعضاء المكتب الفيدرالي، ما يترتّب عنه ضرورة تحمّل روراوة وحده لكامل المسؤولية في أي إخفاق، مثلما يسعى في كل مرة إلى السطو على إنجازات المدرّبين حتى ينسبها إلى نجاحاته الوهمية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات