+ -

“كتب لنا عمر جديد” هي العبارة التي ترددت على ألسنة العديد  من الحجاج العائدين من البقاع المقدسة، في موسم حج عرف حادثتين مأساويتين خلّفتا مئات الضحايا، ولا تزال آثار الصدمة مما عاشوه أثناء أداء الركن الخامس للإسلام. “الخبر” اقتربت من بعضهم، لتنقل على لسانهم ساعات طويلة من الخوفوالقلق والحزن وسط تضارب في عدد المتوفين والمفقودين، بينهم أقارب وأصدقاء.“كنت شاهدا على صور دموية ومؤثرة لا يحتملها قلب إنسان، ولن أنساها طول حياتي”، بهذه الكلمات بادرنا الحاج حميد خوجة العائد من البقاع المقدسة، وهو الذي نجا من الموت في حادثة التدافع صبيحة العيد “فقط لأن الله كتب في العمر بقية”.“عبثا حاولنا إقناع العائلة أننا بخير”عاد الحاج حميد من الجزائر العاصمة، وهو عضو في البعثة الطبية الجزائرية للحج، في حديثه لـ“الخبر”، إلى حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي، التي خلّفت أكثر من مائة قتيل، وذكر أنه لم يكن بعيدا عن مكان الحادث، حيث تلق اتصالا للاقتراب من المكان للتأكد من وجود ضحايا جزائريين “لا يمكن أن أصف لك هول المشهد، جثث ملقاة على الأرض، دماء وأجساد مشطورة إلى نصفين، مهما تحاولين التماسك إلا أن دموية ما شاهدت تمنعك من السيطرة على خوفك”.وأضاف محدثنا أن ما يزيد من ارتباك الحجاج الهاتف الذي لا يتوقف عن الرنين “العائلة، الأصدقاء، أبناء الحي، الزملاء في البعثة، الجميع كان يسأل عنا، وعبثا حاولنا إقناعهم أننا بخير”.أما الكارثة الكبرى، فكانت صبيحة العيد، أين حدثت المأساة التي راح ضحيتها أكثر من 800 حاج، ونجا محدثنا منها بأعجوبة “كنت في مكان الحادث رفقة ثلاثة جزائريين عندما بدأ التدافع وتساقط الضحايا، غير أنني تمكنت رفقة الحجاج الثلاثة بفضل الله من تحطيم باب النجدة وولوج مخيم البعثة المصرية الذي أغلق بعد دخولنا مباشرة”.يواصل محدثنا وهو يعود بذاكرته للمشاهد التي وقف عليها في المكان “كانت أكثر مأساوية من حادثة الرافعة، جثث متراكمة، حجاج تائهون يبحثون عن مرافقيهم بغير هدى، كان كابوسا حقيقيا”. وأضاف محدثنا أن الحادثين أثّرا عليه وعلى بقية الحجاج الذين أصبحوا يفزعون لأي حركة ظنا من أنها حادث جديد “يتأثر الحجاج، خاصة وأن أغلبهم من كبار السن من هول ما شاهدوه ومن فراق شريك أو رفيق.. لكن الأكثر مأساوية عندما وطأت أقدامهم أرض الوطن دون من رافقوهم”.“عشنا أوقاتا عصيبة “عاد بنا الحاج لبيض محمد، العائد حديثا من البقاع المقدسة، إلى حادثة التدافع بمشعر منى، واستعاد بصعوبة كبيرة تلك الصور البشعة لجثث المئات من الحجاج وهي مكدسة وهامدة قبل أن يشكك صراحة في أعداد القتلى المصرح بهم من قبل السلطات المختصة هناك.الحاج لبيض تذكّر اللحظات الصعبة التي عايشتها مختلف البعث الجزائرية على وجه التحديد حين قال: “كنا من بين الحجاج الذين توجّهوا في ساعات مبكرة من يوم الحادثة لرمي الجمرات، أين كان كل شيء يسير بطريقة عادية قبل أن نعود إلى مكة لأخذ قسط من الراحة ليبلّغنا خبر وقوع الكارثة بعد حوالي أربع ساعات من وقوعها”. محدّثنا أضاف قائلا: “لقد أدخلتنا الواقعة في حالة استنفار كبير بعد أن باشرنا البحث المعمق عن مرافقينا لتنتشر بعد ذلك أخبار عن وفاة مجموعة من الحجاج الجزائريين، وهو ما ضاعف من قلقنا، خاصة وأننا لم نعثر في تلك اللحظة على العديد من الحجاج الذين كانوا معنا في نفس الفندق”.وكان الحاج قد واصل حديثه بصعوبة عن تلك اللحظات المرّة وهو يقول: “لقد بلغنا بعد ساعات خبر وفاة الحاج حيرش عبد القادر الذي ينحدر من ولايتنا سيدي بلعباس وهو ما زاد من حدة الضغط وسط تضارب الأخبار عن أمكنة تواجد البقية التي تاهت، لقد كانت أياما صعبة للغاية، حاولنا بعدها مواساة بعضنا البعض وذلك إلى حين عودتنا إلى أرض الوطن يوم الجمعة 02 أكتوبر الفارط.. لقد كان موسم حج لا ينسى” ختم محدّثنا قوله بنبرة طغى عليها التأثر.“فجعنا من أصوات سيارات الإسعاف”تحدّثت أم رياض، ذات 58 سنة، العائدة منذ أيام من البقاع المقدسة إلى قسنطينة، عن الأجواء المصاحبة لحادثتي سقوط الرافعة والتدافع في منى، مؤكدة أن حالة الخوف والهلع التي انتابت الحجاج، جعلت الجميع يدخل في قراءة أسوأ الاحتمالات.الحاجة أم رياض، أكدت أنها من الأفواج التي نجت من حادثة التدافع في رمي الجمرات بمنى، كون بعض المرشدين ورؤساء الأفواج من المحترفين على دراية بوضعية التدافع وما يحدث فيها من إصابات،  قائلة “قمنا برمي الجمرات والعودة مباشرة إلى مكان إقامتنا” فيما وقع الآخرون ضحية في حادث التصادم الذي شاع خبره بسرعة في أجنحة الحجاج بروايات مختلفة أجمعت كلها على أنها كارثة أصابت حجاج بيت الله، رافقه صوت سيارات الإسعاف والأمن السعودي، وأضافت “رأينا هرولة بعض الحجاج والعودة إلى الموقع بعد سماع خبر سقوط موتى وجرحى كثر وأصبح الجميع يبحث عن ذويه، حيث ساد ذلك اليوم حالة من الإضطراب والخوف وسط الحديث عن مفقودين دون وثائق ثبوتية وفاقدين للذاكرة من الحادث، وآخرون يبحثون عن مسؤولي البعثات من أجل التأكد من سلامة بعض الغائبين، ووجدنا بعض الراحة حين رأيناهم. وكشفت المتحدثة التي قالت إن آثار الحادثة لا تزال ترافقها نفسيا رغم أن الضحايا الجزائريين لم يكونوا بحجم عدد ضحايا  بعض البلدان الأخرى، وأن جميع الحجاج أصبحوا يتنقلون من مكان لآخر للبحث عن معلومات تخص أشخاصا تعرفوا بهم من  مختلف الجنسيات ولم يتم العثور عليهم، فيما تأكد وفاة البعض منهم وتحويل آخرين للمستشفيات، مؤكدة أن الدموع لم تفارق الحجاج في ذلك اليوم مع كثرة الصلاة والدعاء، وقالت إن في تلك الأيام سجل ضغط كبير على شبكات الهاتف، الكل يريد الاتصال بذويه من أجل الاستفسار عن حالته، وهو خوف تنقّل من البقاع المقدسة نحو البلدان الأخرى، أفسد الكثير من الفرحة لأداء الركن الخامس في الإسلام.الرعب سيطر على الحجاجأما الحاج جمال كواشي المنحدر من ولاية باتنة، فيؤكد أن الحادثتين المأساويتين اللتين شهدهما موسم الحج هذا الموسم، أثّرت على الحجاج الذين كانوا في حالة نفسية حرجة، فأقل حركة كانت تخيفهم.وذكر محدثنا بما اصطلح عليه بحادثة “الميكروفون”، مشيرا إلى أن الكثير من الحجاج غادروا الحرم المكي مباشرة بعد الصوت الناجم عن سقوط ميكروفون الإمام في أحد الصلوات، ويعود  سبب مغادرة الحجاج، حسبه، إلى اعتقادهم بوقوع حادثة أخرى.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات