سيــــارات إسعــاف تحتــــاج إلى إسعـــاف

+ -

تحولت سيارات الإسعاف بالجزائر إلى مجرد مركبات لنقل البضائع، تفتقر لأدنى الشروط من تجهيزات إنعاش وأوكسجين وأطباء مختصين، ليدفع المريض حياته ثمنا لهذه النقائص. فكم من سيارة إسعاف تعطلت عند منتصف الطريق، وأخرى فتح بابها المهترئ مريض مختل عقليا وهي في طريق نقله إلى المستشفى.أكدت مصادر مطلعة من الوسط الصحي أن 50 بالمائة من المرضى الذين يتم تحويلهم من مستشفى لآخر، بسبب عدم توفر الاختصاص أو ندرة الوسائل الطبية التي عادة ما تتوفر بكبرى المستشفيات، يتوفون أثناء نقلهم الذي يتم في ظروف لا تتوفر فيها المعايير المتفق عليها دوليا في المجال الصحي وأدناها سيارة إسعاف مزودة بوسائل طبية .رغم وضوح التعليمة الوزارية الخاصة بضبط وتقنين تحويلات المرضى من مستشفى لآخر عبر الولايات أو داخل الولاية نفسها، وهي التعليمة التي تندرج في إطار تحسين المنظومة الصحية الجديدة للجزائر، والتي تهدف إلى تخفيف الضغط المسجل عبر عدد من المؤسسات الصحية على حساب أخرى، يبقى نقل المرضى بالجزائر في فوضى ولا يخضع للقوانين المتفق عليها.هو ما أكده لـ”الخبر” أحد الأساتذة المختصين في الأمراض الباطنية، موضحا “المفروض أن يكون هناك اتفاق قبل نقل المريض يتم بين إدارة المستشفى الذي كان به المريض وذلك الذي سينقل إليه، ليتم حجز سرير لإيوائه وكذا ضمان علاجه”، في حين أن معظم الحالات، يضيف البروفيسور ذاته، يتخذ الطبيب وحده قرار النقل أو تلجأ له الإدارة في بعض الحالات دون إعلام المستشفى المستقبل، لتطرح بعد ذلك إشكالية انعدام مكان لاستقبال المرضى.عاملات تنظيف لمرافقة المرضىوإضافة إلى انعدام وجود قوانين خاصة في عملية النقل، أكدت مصادر طبية أن العملية ذاتها تتم وسط ظروف لا تتماشى وقوانين الصحة العالمية، فكثير من سيارات الإسعاف ليست مزودة بعتاد طبي خاص بالإسعاف والإنقاذ، بل حتى الأشخاص المرافقون للمريض ليسوا أهلا للمهمة، وكثيرا ما سجلنا، تضيف مصادرنا، مرافقة عاملات النظافة للمريض الذي يتم نقله، رغم أن المنصوص عليه أن يكون الشخص المرافق للمريض على متن سيارة الإسعاف متخصصا في التمريض أو حامل لشهادة تقني سامٍ في مجال الصحة.ظروف نقل المرضى كارثية في سوق أهراسبغض النظر عن عديد سيارات الإسعاف التي استفاد منها كل من القطاع الصحي بسوق أهراس وسدراتة، التي كلفت الملايير من الخزينة العمومية سواء عن طريق مديرية الصحة أو الولاية والجماعات المحلية، باتت ظروف نقل المرضى أقل ما يقال عنها إنها في حالة يرثى لها، حيث أكد مصدر طبي بمستشفى هواري بومدين في سدراتة أن ما بقي من 12 سيارة إسعاف استفاد منها المستشفى طيلة 12 سنة، لا توجد إلا 3 سيارات صالحة للسير، ما أثر سلبا على ظروف نقل المرضى خاصة الحالات الاستعجالية. وكشف نفس المصدر أن نسبة الوفيات ارتفعت إلى حدود 50 بالمائة بين المرضى الذين يتم تحويلهم للمستشفيات الجامعية خاصة لولاية عنابة، تخص فئة الحوامل والمرضى بسبب مكوثهم طويلا في المستشفى دون علاج ناجع .من جهة أخرى، لم ينف المتحدث الذي أشار إلى عدم مرافقة المرضى بفريق طبي حسب طبيعة المرض، تعرض السيارات لسرقة التجهيزات خاصة وسائل الإطفاء وصناديق الصيدلة.وعلى مستوى عاصمة الولاية، تسخر سيارات الإسعاف لتحويل أغلب المرضى والمصابين في مختلف الحوادث لمستشفيات عنابة أكثر من المستشفيات المحلية، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الموتى المحولين قبل وصولهم، بغض النظر عن الحوادث التي تتعرض لها أثناء الطريق والتي خلفت سابقا مقتل 3 أشخاص، من بينهم السائق والممرضة التي كانت ترافق حاملا على مستوى منطقة مجاز الصفاء.أطباء عامون في سيارات الإسعافوتسجل أحيانا في قسنطينة حالات من الوفاة بسبب سوء تقدير الحالات التي تستلزم أحيانا تدخل مختص أو ممرض محترف من أجل إنقاذ حياة المريض المنقول، خاصة منها الحالات الاستعجالية التي تخص المرضى والعجزة أو الأطفال، في حين أن الفريق الطبي الذي يتدخل يكون عادة من الأطباء العامين الذين لم يتحصلوا على تكوين في مجال الإنعاش أو التدخل في حال حدوث مضاعفات أو تردي حالة المريض الذي يتم نقله بسيارات الإسعاف.وتتوفر سيارات الإسعاف المتواجدة على مستوى مختلف المستشفيات على تجهيزات طبية مقبولة، بعد أن جددت الحظيرة في وقت سابق لقدم هذه الأخيرة التي أصبحت لا تتناسب وحاجيات المرضى، فيما لاتزال العديد من المؤسسات والوحدات الصحية في العديد من المشاتي دون سيارات إسعاف وأخرى مهترئة، تسببت في وفاة البعض خاصة عند نقل الحوامل، حسب ما يدلي به العديد من سكان هذه المناطق.سيارات إسعاف مهترئة في تيسمسيلت وميلةيحصي قطاع الصحة في ولاية تيسمسيلت حالات عديدة لمشاكل ومتاعب للمرضى سببتها الحالة المهترئة لسيارات الإسعاف، حيث وخلال السنة الجارية احتج العشرات من مواطني بلدية لرجام وقاموا بغلق العيادة المتعددة الخدمات لعدة أسباب، أهمها الحالة السيئة لسيارة الإسعاف التي تمكن مريض مختل عقليا من فتح بابها المهترئ وهي في طريق نقله إلى مستشفى برج بونعامة، ونجا من الموت بأعجوبة. وعلى نفس المحور دائما، كانت هذه السيارة تقل مريضة إلى المستشفى ذاته خلال السنة الجارية، حيث تعطل محركها وتوقفت عن السير في الطريق، الأمر الذي تطلب الاستنجاد بزوجها لكي يحضر مركبة خاصة لنقلها.واعتبر عضو في المجلس الشعبي الولائي في أحد تدخلاته الأخيرة أن هذه السيارة التي يستخدمها مرضى دائرة لرجام تسير بسرعة بطيئة أثناء نقلها للمرضى نتيجة اهترائها.من جهة أخرى، علمنا أن سيارة الإسعاف لمستشفى تيسمسيلت التي تم إصلاحها بعد تعرضها لحادث مرور، تعطلت منذ أسبوعين فقط في تراب ولاية عين الدفلى أثناء نقلها مريضا.الحالة نفسها تعيشها ولاية ميلة، حيث تعد سيارات الإسعاف من بين النقاط السوداء التي تؤرق المسؤولين عن الصحة بالولاية وهاجسا حقيقيا للمرضى، فأغلب المستشفيات والعيادات المتعددة الخدمات تفتقر لسيارات إسعاف تستجيب للشروط التقنية المطلوبة، فبالإضافة إلى قدمها فهي لا تتوفر على تجهيزات حديثة ومطابقة للمعايير الطبية المطلوبة.فعلى مستوى مستشفى الإخوة مداحي بفرجيوة توجد سيارتان اثنتان ليس أكثر، تنقلان المرضى يوميا إلى مستشفى قسنطينة في ظروف جد صعبة بسبب قدمها، فتجهيزاتها أتى عليها الزمن، كما أنها لا تقدم إسعافات في المستوى، ما تسبب في تدهور حالات كثيرة، فهذه السيارات يتجاوز عمرها 30 سنة، وقد سبق لمريض أن لقي حتفه داخل سيارة إسعاف منذ سنتين تقريبا لدى نقله لمستشفى قسنطينة من إحدى العيادات المتعددة الخدمات.كما أن العديد من العيادات لا تتوفر على سيارات إسعاف، وهو ما أثار غضب المواطنين وآخرها حادثة بعيادة بلدية عين الملوك منذ أقل من شهر، حين توفي شاب بسبب انعدام سيارة إسعاف.طائرات الحكومة لسكان الجنوب في مهب الريحتعهد وزير الصحة الأسبق، بركات، أثناء زيارته لولاية غرداية قبل خمس سنوات تقريبا، بالنظر في تخصيص طائرات عمودية لتنقل الحالات الحرجة لمرضى الجنوب إلى مستشفيات العاصمة، ثم بعدها تعهد الوزير جمال ولد عباس في نفس الولاية بتخصيص طائرات لنقل مرضى الجنوب، وبعده جاء الدور على الوزير الحالي عبد المالك بوضياف الذي تحدث عن ضرورة نقل الحالات الحرجة بالطائرات، وفي انتظار ذلك تنقل الطائرات اليوم بعض جثامين المرضى في رحلات العودة.نقلت الصحف الوطنية الجزائرية قبل سنوات تصريحات لوزراء تعاقبوا على حقيبة الصحة، أكدوا فيها على نقل المرضى من أصحاب الحالات الحرجة بالطائرات من الجنوب إلى الشمال، إلا أن هذه الوعود تحولت إلى نكتة في مدن الجنوب، لأن سنوات البحبوحة المالية لم تكف الحكومة ووزارة الصحة لتخصيص طائرات لنقل المرضى، وبات الأمر الآن شبه مستحيل مع تراجع مداخيل الدولة، وبدل أن تنقل الطائرات المرضى صارت تنقل الجثامين في رحلات العودة.فبينما تكون الدقائق مهمة في الحالات الاستعجالية، يتنقل المريض في ولايات مثل أدرار أو تمنراست لمسافات تصل إلى 200 كلم من أجل الوصول إلى طبيب مختص أو لإجراء فحص بالأشعة، وفي كثير من الحالات يحتاج المريض للتنقل على جناح السرعة إلى العاصمة أو وهران، وهنا تبدأ معاناة المريض مع وسائل النقل الجماعي.والحديث عن نقل المرضى جوا في الجنوب ضرب من الخيال، ذلك أن المرضى ينقلون في بعض المواقع في سيارات نفعية أو يضطرون للتنقل بـ”الأوتوستوب” أو بواسطة شاحنات الحصى أو سيارات شركات النفط أو سيارات نقل الخضر، والسبب أن أقرب وحدة حماية مدنية للقرية يكون على بعد 60 أو 70 وأحيانا 100 كلم، وهو ما يعني استحالة وصول النجدة في الوقت المناسب، وفي كل الحالات يدفع المريض الفاتورة.في بلدية منصورة بولاية غرداية أو في حاسي الفحل، يحتاج المريض للتنقل مسافة 50 كلم للوصول إلى أقرب مستشفى، وترفض مديرية الصحة، حسب منتخبين، التكفل بالطلبات الصحية للسكان، وتتضاعف المسافة في قصور بلديات رڤان أو آولف أو إينغر في تجمعات البدو في آراك بولاية تمنراست.يقول السيد سديري بشير، وقد خضع للجراحة في العاصمة لاستئصال ورم حميد، “الرحلة من تمنراست إلى الجزائر برا تحتاج للسير ما لا يقل عن 26 ساعة، وفي أغلب الحالات تكون المقاعد في رحلات طائرات الجوية الجزائرية محجوزة لمدة أسبوعين مقبلين”.يضيف محدثنا: “لا يمكن أبدا وصف معاناة المريض أثناء التنقل برا، فالرحلة طويلة وشاقة، تتفاقم خلالها الآلام”. قصة بشير تبدو عادية جدا، لكن هناك حالات أكثر مأساوية لمرضى الجنوب، خاصة المصابين بأمراض مزمنة أو قاتلة مثل السرطان.والمؤسف أن الحالات الاستعجالية تنقل من مستشفيات الجنوب بواسطة سيارات الإسعاف لمسافات تصل إلى 1800 كلم، وفي كثير من الحالات تنتهي الرحلة قبل الوصول إلى المستشفى لأن المريض يكون قد أسلم الروح في الطريق.يقول خلدي حسين من مدينة المنيعة: “قال لنا الأطباء في عام 2011 إن والدي كان محتاجا لتدخل جراحي عاجل في الدماغ، وبسبب أن الطبيب المختص الوحيد في غرداية كان حينها في عطلته السنوية نقلنا والدي بسيارة إسعاف خاصة إلى العاصمة، وفي مدينة بوغزول أسلم والدي الروح فعادت السيارة أدراجها”.البروفيسور مصطفى خياطي لـ”الخبر”“نقــــــل المرضــــــــى لا تحكمـــــــــه قوانيـــــــن”❊ قال رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي “فورام”، البروفيسور مصطفى خياطي، إن نقل المرضى في الجزائر لا تحكمه قوانين، موضحا أنه كان مفروضا الاعتماد على الطائرة لنقل المريض لمسافة تفوق الـ50 كلم.وأضاف محدثنا قائلا: “إن هناك شركات خاصة بالطائرات الصغيرة هي نفسها التي تستعمل في الأوساط البترولية”، ليتساءل محدثنا “لماذا لا تستعمل كذلك في نقل المرضى، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمسافات بعيدة؟ كيف نتصور أن ينقل مريض في حالة صحية حرجة من أدرار إلى الجزائر العاصمة على متن سيارة إسعاف، أكيد أن الموت الحتمي هو مصيره.. بلدنا قارة في نفس الوقت ويجب أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار”، وأشار إلى أن تقاريرهم السنوية أكدت أن غالبية مستشفيات داخل الوطن تغير كل سنة سيارات إسعافها، والسبب طبعا راجع لاهتراء هذه السيارات التي لا تتوقف عن التنقل طوال السنة ولمسافات طويلة، رغم أن النقل في أحيان كثيرة يكون دون جدوى بسبب عدم توفر مكان يستقبل ذلك المريض “لأن المفروض في هذا الأمر هو موافقة المصلحة المستقبلة للمريض، والمطالبة بتجهيز سرير يأوي إليه وتخصيص علاج له” يضيف خياطي قائلا، لكن عدم توفر ذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى الفوضى، والأمر راجع بطبيعة الحال إلى غياب التنظيم المحكم، ليرجع محدثنا السبب الرئيسي إلى تهلهل المنظومة الصحية. من جهة أخرى، يتساءل خياطي قائلا: “لماذا لا تعتمد مستشفياتنا على آخر تقنيات التكنولوجيا ويتم بالتالي معاينة المريض بمستشفى مدينته باستعمال تقنية التطبيب عن بعد، على أن يسفّر في حال ما استعصى مشكل التكفل به.. كيف تمارس دول متقدمة عمليات جراحية عن بعد ونعجز نحن عن المعاينة الطبية عن بعد..”، يقول خياطي الذي ختم قائلا إنه حينما تعطى الأمور لغير أهلها فلننتظر مثل هذه النتائج الوخيمة.رئيس نقابة الأطباء بقاط بركاني“يوجــــد نقــــص كبيــر في سيـــــارات الإسعــــاف”كشف رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، بقاط بركاني، في تصريح لـ”الخبر”، عن وجود نقص كبير في التغطية الخاصة بسيارات الإسعاف على مستوى المدن الكبرى، إذ يلقى، حسبه، الكثير من المرضى حتفهم بسبب التأخر في الوصول إلى المستشفى، خاصة حالات المصابين بالأمراض القلبية.وأضاف المتحدث أنه يجب التفريق بين مختلف أنواع المركبات المخصصة للإسعاف من جهة والمخصصة للنقل الصحي، فمنها المزودة بتجهيزات الإنعاش والأوكسجين يتم استعمالها في الحالات الحرجة، وأخرى لا تتوفر على هذه المعدات، لأنها مخصصة لنقل المرضى أثناء معاينات إضافية أو إجراء تحاليل فقط.وصرّح بقاط بأنه لا يمكن تجهيز جميع سيارات الإسعاف بعتاد الإنعاش دون استعماله، لأن المواد الطبية من أدوية وأوكسجين لها تاريخ انتهاء الصلاحية، وعليه يجب الاكتفاء بتجهيز سوى السيارات الواجب تجهيزها.وعن سؤال “الخبر” حول احتمال تردي حالة المريض فجأة أثناء نقله لإجراء تحاليل أو معاينة إضافية، أكد المتحدث أن نقل المرضى لإجراء تحاليل أو معاينات إضافية لا يتطلب سيارات إسعاف مجهزة بعتاد إنعاش طبي ثقيل، مشيرا إلى أن عملية نقل المريض تتم حسب حالته الصحية وتسبقها معاينة طبية، إذا كانت حرجة فيتم نقله بسيارة إسعاف مجهزة أما إذا كانت لا تثير القلق فينقل عبر سيارات الإسعاف المخصصة للنقل.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات