38serv

+ -

شاهت وجوههم التي ترتسم عليها ملامح الحقد الدفين.. غزوا الأرض واستوطنوا فيها، ولاحقوا من صنعوا من المجد عزا.. نابلس والقدس وكافة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، في موقعة تناوبت عليها بقاع عدة من هذه الأرض المعذبة، سمت العزة ولم يستكينوا لإرهاب هؤلاء المستوطنين المدججين بالسلاح، فعلا صوت الرصاص ولم تسكت الحناجر. وثّقت الشهادات، أول أمس، قتل المستوطنين فتاة مقدسية بعد أن خلعوا بحجابها بالقوة، فضلا عن اقتحامهم وتدنيسهم للمسجد الأقصى المبارك يوميا، وغيرها من المآسي التي ارتكبها الغربان بحق الفلسطينيين، كحرق الفتى محمد أبو خضير وصولا إلى حرق الطفل دوابشة وعائلته، ومهاجمة البيوت الفلسطينية وإتلاف محاصيلهم الزراعية.تروي هذه الصورة حقيقة عدوان المستوطنين، وتدل على مدى تواطؤ جنود الاحتلال الذين وفروا الحماية لهذه “القطعان الضالة”، لم تسلم المنازل من العدوان، فهب المواطنون الفلسطينيون للذود عن قراهم ومدنهم وعن عرضهم وشرفهم، فلا الناس في مأمن من عربدة المستوطنين، ولا الأرض التي تئن تحت وطأة الجلّاد توازيها في الألم أرض تحت قبة السماء.  وبدا واضحًا في الآونة الأخيرة ارتفاع وتيرة الاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون ضد المواطنين في الضفة الغربية المحتلة، عبر مواصلة جرائمهم بطريقة ممنهجة وعنصرية، لتأخذ منحى أكثر خطورة بعد أن كان مجرد اعتداء على الأرض أو حرق للمحصول، حيث لم تقف عند هذا الحد، بل تطور لاستخدامهم السلاح في مواجهة الفلسطينيين، وإصابتهم بشكل مباشر دون وجود أي خطوات رادعة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي. مسؤول ملف الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة، غسان دغلس، أكد أن تعرض المواطنين للضرب أو الدهس أو الطعن أو حتى الحرق من قبل “قطعان” المستوطنين مخطط مدروس من قبل الاحتلال يجب أخذه بعين الاعتبار. وأوضح دغلس، في حديث لـ«الخبر”، أن سياسة المستوطنين مخطط لها بشكل استراتيجي من قبل حكومة الاحتلال، ولم تأتِ من فراغ، منوهاً إلى أنها بدأت باقتلاع الأشجار وملاحقة المزارعين وطردهم من أراضيهم والاعتداء عليهم، ليتطور الأمر فيما بعد بانتهاج سياسة الدهس والقتل والحرق واستخدامهم السلاح. وقال دغلس: “إن المواطنين بالضفة في معركة مستمرة مع المستوطنين، وهي جزء من المعارك المتواصلة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فالاستيطان هو وسيلة للضغط المتواصل على العديد من المواقع المستهدفة من قبل المستوطنين بهدف الاستيلاء على الأراضي، من أجل إخلاء كل مواطن من أرضه باستخدام القوة”. وأضاف: “لكن يجب على الفلسطينيين مواجهة عربدة المستوطنين من خلال توحدهم للجم غطرستهم، ابتداء من فصائل المقاومة والعمل على دعم لجان الحراك في المناطق، لوضع حد للمستوطنين الذين لا يفهمون إلا لغة العنف والتحدي والصمود في مواجهتهم”. وأشار دغلس إلى أن الاحتلال يهدف من هذه السياسة لترحيل المواطن الفلسطيني لفرض حقائق على أرض الواقع.دور تبادليبدوره، قال خبير شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش لـ«الخبر”: “الشعب الفلسطيني وممتلكاته عبارة عن جزء لا يتجزأ من أهداف المنظمات الإسرائيلية الإرهابية التي تعمل وفق جدول مدروس، وأن حكومات الاحتلال المتعاقبة التي رأسها عدد من الوزراء لهم تاريخ في الإرهاب، يقومون برعاية تلك المنظمات الإرهابية، وكل ما يجري بالأراضي الفلسطينية المحتلة ويوفرون لها رعاية كاملة وحماية على المستوى السياسي والأمني”. وأكد حنتش أن هناك تعليمات لجيش الاحتلال الإسرائيلي بحماية المستوطنين الذين يقومون بمثل هذه الجرائم، الأمر الذي يشجع المنظمات الإسرائيلية الإرهابية، منوهاً إلى أن قوات الاحتلال تقوم باقتياد المستوطنين من المستوطنات إلى مواقع ليتم الاعتداء عليها. ولفت إلى أن “حكومة الاحتلال الحالية هي حكومة مستوطنين، ولكنها أمام العالم تظهر بأن لها تشريعات وقوانين”، مبينًا أن هناك تبادل أدوار بين جيش الاحتلال والمستوطنين لتهجير المواطنين وإحلال المستوطنين مكانهم. وبيّن حنتش أن مواجهة هذه السياسة تقع على عاتق المواطنين الفلسطينيين بضرورة تشكيل فرق ومجموعات حراسة للقرى والمزارع التي يتم الاعتداء عليها.جرائم حرب مقصودةولم تتوقف فصول الأعمال الإرهابية من قبل الغربان المستوطنين فقط بل يشاركهم الغرباء على هذه الأرض جنود قوات الاحتلال بأقبح وأفظع الجرائم، حيث الإعدامات الميدانية للشبان الفلسطينيين، والتنكيل بهم خاصة في القدس المحتلة، وعدّ الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، حنا عيسى، قتل قوات الاحتلال للشاب الفلسطيني ليث فضل الخالدي 17 عاماً من مخيم الجلزون في رام اللّه “مخالفة جسيمة يعاقب عليها القانون الدولي، وانتهاكًا صارخًا لحق المواطن الخالدي في الحياة والأمن الشخصي”. وقال عيسى لـ«الخبر”: “يعد قتل واستهداف المدنيين في السنوات الأخيرة تعبيرًا عن فداحة جرائم الاحتلال، وخروجها عن أي سياق قانوني أو منطقي، ويشكل قتل المدنيين الفلسطينيين انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان”. وأضاف: “المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 نصت على تحريم كل أشكال الاعتداء على حياة وأمن المدنيين المحميين، وعدت الاعتداء على الحق في الحياة من المخالفات الجسيمة، وتعد المخالفات الجسمية من جرائم الحرب، ويعد من الجرائم توجيه هجمات مع العلم المسبق أنها ستؤدي إلى قتل أو إصابة مدنيين، وهذا ما ينطبق على قتل المواطنين الفلسطينيين الذين أعدمتهم قوات الاحتلال بدم بارد”. وتابع عيسى: “هذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها قوات الاحتلال الرصاص الحي وتقتل شبانًا من مخيم قلنديا خلالها تنفيذ اقتحامات ليلية واعتقالات”، مشيراً إلى أن ارتفاع عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين الفلسطينيين أخيراً يعود إلى الاستخدام المفرط للقوة، وعدم احترام مبدأ التناسبية، يعد تجاوزاً صارخًا للقواعد القانونية الأساسية للقانون الدولي الإنساني، الذي يقضي بعدم جواز استخدام أسلحة أو وسائل للقتال من شأنها أن تسبب خسائر لا مبرر لها أو معاناة مفرطة”.توثيق حرق 20 منزلا فلسطينيا في الضفةوقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن 20 منزلاً فلسطينيًا أحرقت على أيدي المستوطنين في مناطق الضفة الغربية المحتلة. وذكرت الصحيفة على موقعها الإلكتروني أول أمس أن إحراق منزل عائلة دوابشة في قرية دوما نابلس ليست حادثة نادرة مثلما يمكن للمرء أن يفترض. وأضافت: “حسب معطيات منظمة “يوجد قانون” فإنه منذ عام 2008 وقعت 20 حالة موثقة لإحراق أو محاولة إحراق بيوت للفلسطينيين في الضفة”. وأوضحت أن 12 حالة رفعت بها شكاوى للشرطة، 10 منها انتهت دون رفع لوائح اتهام، فيما لا تزال اثنتان قيد البحث. وذكر أنه في قرية بورين تمَّ توثيق ثلاث حالات إحراق بيوت، وفي جوان 2014 أحرق في قرية خربة أبو فلاح بيت بعد إلقاء زجاجة حارقة، وفي كانون الأول أحرق في قرية “الديرات بيت” على سكانه. وأشارت الصحيفة إلى أن سلطات الاحتلال لو تعاطت مع هذه الحالات بالشدة اللازمة لكان محتملاً أن يكون قتل علي دوابشة قد منع، كما جاء من منظمة “يوجد قانون”.أخلاقيات المقاومة وأدنى مستوى لأخلاق الاحتلال وقطعانهورغم حقيقة عدوان المستوطنين المنفلتين إلا أن أخلاقيات المقاومة الفلسطينية في أي حرب أو عمليات ضد المستوطنين تتجلى، وفي رسالة واضحة، حيث أبرز وأظهر الفلسطينيون الفرق بينهم وبين المستوطنين الإسرائيليين الذين لم يفوتوا فرصة إلا وقاموا فيها بعمليات قتل مرعبة بحق الفلسطينيين هزت الرأي العام. فمثلا عقب عملية نابلس التي قتل فيها ضابط مستوطن كبير وزوجته المستوطنة على يد مقاوم فلسطيني رفض قتل أطفالهم في الحادثة نفسها، واعترف جنرالات الاحتلال ومحللوهم السياسيون أن رجال المقاومة قتلوا المستوطنين من نقطة الصفر، إلا أنهم رفضوا قتل الأطفال المتواجدين في السيارة نفسها.شهادات صهيونيةشهادة “ألون بن دافييد” المراسل العسكري للقناة العبرية العاشرة كانت بمثابة الصاعقة على القيادة الصهيونية المتطرفة؛ حيث قال: “إن منفذ الهجوم اقترب من السيارة، وقتل الزوجين ولم يقتل الأطفال، وهذا ما يفسر بقاءهم أحياء، مضيفًا إنها بمثابة رسالة تعبر عن إنسانيتهم وأنهم ليسوا حيوانات، وأنهم لا يقتلون الأطفال مثلما فعل المستوطنون في دوما مع عائلة دوابشة”.من جهته قال المحلل العسكري بالقناة الثانية الصهيونية روني دانييل: “إن منفذي عملية “إيتمار” ترجلوا إلى السيارة واقتربوا من الأطفال الأربعة، ورفضوا قتلهم وتركوهم بسلام”. وأضاف دانييل: “وكأنهم يبعثون برسالة لنا: “نحن لسنا حيوانات مثلكم ونحن لا نقتل الأطفال مثلما فعلتم في دوما مع عائلة دوابشة”.لقد أثارت هذه الشهادات الرأي العام الصهيوني المتطرف الذي يبارك قتل الأطفال الفلسطينيين، إلا أنها رفعت من وتيرة أخلاقيات المقاومة التي تعمل من أجل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل هي رسالة للعالم المنافق الذي يصمت على جرائم الاحتلال، والتي كان آخرها مقتل عائلة دوابشة حرقًا ومن قبلهم الطفل محمد أبو خضير.المقاومة.. لا حب القتلوحول أخلاقيات المقاوم الذي نفذ العملية، قال الدكتور نشأت الأقطش، أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت، في تصريح لـ«الخبر”: “الذي نظم العملية واضح أن لديه رسالة بأنه ليس الهدف هو القتل بحد ذاته، وإنما مقاومة المستوطنين والاحتلال، وقد سجل بذلك موقفًا أخلاقيًّا تفوّق على الدولة المحتلة التي تصنف نفسها دولة ديمقراطية”. وأضاف الأقطش: “أعتقد أن هذه الرسالة كانت قوية لدرجة أنها أحرجت نتنياهو ولم يعد معه رسالة يقدمها للعالم، فهذا الرجل المقاوم لا يمكن تصنيفه “إرهابيا” لأنه لم يقتل من أجل القتل، وإنما قتل بهدف توصيل رسالة المقاومة لهذا المستوطن المغتصب، وهذه الرسالة كانت قوية لدرجة أنها أحرجت نتنياهو أمام حلفائه وليس لديه ما يقوله”. وتابع: “عندما تقارن الصحافة العبرية بين ما تم في قرية دوما من حرق الأطفال والعائلة، وما تقوم به عائلات المستوطنين من قتل تحت مظلة القانون “الإسرائيلي” الذي يبيح إطلاق النار على الأطفال الذين يلقون الحجارة، من هنا بدأت إسرائيل تشعر بالحرج من أن هذا المقاوم الذي يصنف “إرهابيًّا” هو ليس إرهابيًّا في الحقيقة، وإنما هو صاحب رسالة وصاحب مشروع وطن وهوية”.تلك هي الحقيقة الدامغة الملاصقة للمقاومة، يقابلها صورة المشهد اللاأخلاقي للجيش الصهيوني ومستوطنيه الذين يقتلون الأطفال الفلسطينيين بغير حق، حيث ينهش رصاص حراس الظلام أجساد القابضين على الجمر، فخطوا من الوجع بداية ومن الدم سبيلا، وشاءت الأقدار أم لم تشأ فقد ظل الموت مزروعا وظلت النائبات تطوي النائبات حتى بات الرأس يحصد القدم.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات