ليال بيضاء، هواتف لا يتوقف رنينها، دموع، أعصاب منهارة وآمال تموت وتحيا في اليوم ألف مرة.. هي حالة عشرات العائلات الجزائرية التي فقدت الاتصال مع أقاربها حجاج بيت الله منذ حادث التدافع الذي وقع في أول أيام عيد الأضحى في مشعر مِنى. “لم يغمض لنا جفن منذ صبيحة العيد ونحن نترقب أي نبأ عن والدي علي دراعو، ولم نترك أي وسيلة قد تقودنا إلى معرفة خبر عنه إلا وجربناها.. لكن لا جديد”، بصوت متعب وكالغريق الذي راح يتشبث بحبال الهواء، راح إلياس دراعو من ولاية وهران يتحدث عن يوميات عائلته منذ أن بلغها نبأ التدافع في مشعر منى، ولم تفلح محاولاتهم للاتصال بالأب والأم المتواجدين هناك، قبل أن يكلموا الوالدة في ثاني أيام العيد التي أكدت أنها افترقت عن زوجها عندما وقع التدافع ولا تعرف أي شيء عنه.نعيش على الأمليضيف هشام “لا زال لدينا أمل أنه على قيد الحياة، فوالدتي بحثت عنه في المستشفيات ومصالح حفظ الجثث ولم تجده” ويمضي إلياس وأشقاؤه يومياتهم بين التنقل في مكتب ديوان الحج والعمرة بوهران، ومكتب الديوان الوطني للسياحة والأسفار التي سافرا والدي من خلالها، ولم نتلق منهم أي خبر، حتى أننا اصطدمنا بأنهم لا يعلمون حتى بأنه مفقود رغم أنه سافر برفقتهم!”.ووجد إلياس في مواقع التواصل الاجتماعي كـ”الفايسبوك” و”الواتس آب” و”الفايبر”، بارقة أمل قد توصله إلى والده، مثله مثل المئات من عائلات الحجاج المفقودين في ظل الدول الإسلامية، حيث قام ناشطون بفتح صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن المفقودين منذ حادثة التدافع، مثل صفحة “مفقودين جزائريين حج 2015” التي يتابعها أكثر من 12 ألف شخص على الفايسبوك.يواصل الياس “قمت بنشر صورة والدي على الفايسبوك وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا على اتصال دائم مع متطوعين جزائريين ومن عدة جنسيات في السعودية علّهم يقودوني إلى والدي، خاصة بعد أن وصلني أن العديد من العائلات وجدت أقاربها بهذه الطريقة.. صدّقيني إنها الطريقة الفعالة الوحيدة، فهؤلاء المتطوعون نشروا أرقام هواتفهم ويردّون على اتصالاتنا، فيما أوصدت الجهات الرسمية الجزائرية الباب في وجهنا”. ولقيت هذه الصفحات تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنشر صور المصابين في المستشفيات والموتى مرفوقة باسم المستشفى حتى يتسنى لأسرهم التعرف عليهم. تركنا إلياس يحدّث والدته المتواجدة في السعودية، فهو يكلّمها كل نصف ساعة لعلها تحمل لهم نبأ سعيدا وتعود إلى أرض الوطن مثلما غادرته ممسكة بيد زوجها.تضارب الأخبار يعذّبنالم يختلف الأمر مع عائلة موسى سويهل من ولاية المدية، فالحاج المقعد الذي أبى إلا أن يتنقل لأداء مناسك الحج رغم تنقله على كرسي متحرك لم يظهر له أثر منذ أحداث التدافع في منى، ولم تترك عائلته بابا إلا طرقته عله يوصلها إليه..لكن لا خبر مفرح، وما زاد من مأساتها الأخبار المتضاربة التي تقتلها في اليوم ألف مرة، يقول صهر الحاج موسى لـ”الخبر” “كل ما نعرفه أن لا خبر عنه منذ التنقل إلى منى، أبناؤه الخمسة منهارين، فمن رافقوه إلى الحج عادوا أمس إلى أرض الوطن، ووالدهم لا هو في عداد الأموات ولا بين الأحياء، وما ضاعف عذابهم الأنباء المتضاربة التي تصلهم عنه”. ونشر صهر الحاج موسى صورته في صفحة المفقودين الجزائريين في الحج، وهو يترقب أية بارقة أمل قد تعيد البسمة لعائلته المكلومة”.لا زلنا ننتظرالوجع نفسه تعيشه عائلة الحاج الويسي محمد حسين من ولاية معسكر، الذي نشرت عائلته أيضا صورته على الفايسبوك ورقم الهاتف لعل أحدا يقودهم إليه، أمام شح المعلومات التي يقدمها ديوان الحج والعمرة ووزارة الخارجية. يقول شقيقها لـ”الخبر”: “لا يمكنني وصف حال أبنائهم، حياتهم انقلبت رأسا على عقب منذ يوم العيد، فلا هم تأكدوا من موته فبكوه ولا من نجاته..ابنته منهارة ونقلت إلى المستشفى بعد تدهور حالتها الصحية منذ أن تلقت خبر فقدان والدها..نحن ننتظر أي خبر يريحنا، ونرفع أيدينا بالدعاء ليكون خبر نجاته”.عزاء ولكن..أما عائلة دقداقي من السوڤر، فقد فتحت بيتها لاستقبال المعزين، بعد أن بلغها خبر وفاة ابنها نور الدين في حادثة التدافع بمنى من قبل أحد الحجاج. وذكر ابن عم الحاج نور الدين، وهو عضو بالمجلس الشعبي الولائي بتيارت، أن عائلته كانت إلى آخر لحظة تنتظر خبرا مفرحا عنه وهي التي كانت تنتظر عودته لتعلن الأفراح، فجربت كل الطرق والسبل التي قد تقودها للوصول إليه، قبل أن يأتيها خبر وفاته، لكن ليس عن طريق الجهات الرسمية. وختم ابن عم الحاج نور الدين حديثه قائلا “استقبلنا المعزين وصدقنا نبأ وفاته بنسبة 95 بالمائة.. لكن لا يزال الأمل في أن يحمل لنا المستقبل نبأ سعيدا”. هذا هو حال عشرات العائلات التي لا تزال تنتظر أخبارا عن حجاجها المفقودين، أفراح مؤجلة وعزاء مع وقف التنفيذ وترقب بريق أمل ينهي معاناتها.“الفايسبوك” بدل الخارجية وديوان الحج تحوّل موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” إلى ملاذ للكثير من العائلات التي فقدت الاتصال بحجاجها المفقودين في البقاع المقدسة، أمام شح المعلومات التي تقدمها الجهات الرسمية كوزارة الخارجية والديوان الوطني للحج والعمرة، حيث نجحت الكثير من العائلات في ربط الاتصال مع ذويها بعد نشر صورهم على “الفايسبوك”.وقام نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ومتطوعون متواجدون بالبقاع المقدسة، بنشر صور وأسماء بعض المفقودين والمصابين ومعلومات شخصية عنهم، وكذا صور من لم تتوفر معلومات شخصية عنهم، حتى يتسنى لعائلاتهم التعرف عليهم، مع أرقام هواتف للتواصل معهم، وهي العملية التي مكنت من العثور على عدد من المفقودين ممن لا زالوا يرقدون في المستشفيات، كما ساعدت هذه الصفحات في تأكيد خبر وفاة مفقودين كانت عائلاتهم تبحث عنهم. ومن بين هؤلاء حالة حاج جزائري يدعى سدي مصطفى، نشرت صورته على صفحات الحجاج المفقودين، وتعرف عليه فاعلو خير نشروا صورته وهو يرقد في المستشفى، وربطت الاتصال بعائلته التي تمكنت من الحديث إليه عبر الهاتف، وكتبت حفيدته رسالة شكر لكل من ساعدها لإيجاده. ومثلما حملت هذه الصفحات أنباء مفرحة للبعض، نقلت خبرا محزنا لآخرين، مثلما هو الحال لحاجة من الغرب الجزائري بحثت عنها عائلتها لأكثر من أسبوع قبل أن يؤكد لها فاعلو خير خبر وفاتها.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات