+ -

قال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية والمحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان إن الدول العربية مدعوة اليوم لأن تختار التعاون مع إيران، بعد توقيعها اتفاق التسوية النووي مع مجموعة 5+1، مبررا ذلك، في حوار لـ”الخبر”، بالخشية من أن تعمل إسرائيل على مواجهة التعاون بين أمريكا وإيران، وهي المواجهة التي قد تنسحب على الدول العربية تحقيقا لأحلام إسرائيل في تقسيم وتجزئة المنطقة العربية وتأجيج الأزمات الإقليمية. كيف نجحت إيران في تجاوز الضغوط الممارسة عليها والخروج باتفاق نووي بأقل التنازلات؟ أعتقد بأن إيران استطاعت أن تحقق إنجازا دبلوماسيا كبيرا عندما توصلت مع المجموعة الدبلوماسية الغربية إلى الاتفاق النووي، وبالتالي حققت الكثير من المكاسب، فأولا استطاعت أن تخرج من الفصل السابع دون حرب بل من خلال طاولة المفاوضات، والنقطة الثانية أن إيران نجحت أيضا في إزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ أكثر من 10 سنوات، حيث إننا نعلم أن سلة عقوبات فرضت على إيران منذ سنة 1980 عندما احتل الطلبة الثوريون الإيرانيون السفارة الأمريكية بطهران، وبالتالي فإن هذه العقوبات أثرت كثيرا على المواطن الإيراني وسدت المفاوضات خلال العشر سنوات الماضية، وعليه فإن إيران نجحت في إزالة هذه العقوبات. أما على المستوى الدبلوماسي، فإن إيران استطاعت أن تعطي نموذجا جيدا بصفتها دولة من العالم الثالث، وهو نموذج لما يمكن أن تكون عليه دبلوماسية العالم الثالث؛ وشيء مهم جدا أن تحقق دولة من العالم الثالث مثل هذا الإنجاز الدبلوماسي. وبالتالي أعتقد إن إيران استطاعت أن تحقق الكثير بالرغم من الضغوط التي كانت تمارسها إسرائيل ومارستها بعض الدول الاقليمية عليها للحيلولة دون التوقيع على هذا الاتفاق.ما الذي ستكسبه إيران فعلا من الاتفاق؟ عندما دخلت الحكومة الإيرانية هذه المفاوضات، وتحديدا في عهد الرئيس حسن روحاني، اعتمدت على قاعدة أن تكون المفاوضات واضحة، بمعنى أن تتنازل إيران عن بعض مطالبها في برنامجها النووي وأن يكون هناك تنازل من الجانب الآخر أيضا، أي من الدول الغربية عن بعض مطالبها، وفي النتيجة استطاعت إيران أن تحقق ما تعتبره مكسبا كبيرا، وهو حصولها على اعتراف الأسرة الدولية على برنامجها النووي، وتحديدا بأنشطة تخصيب اليورانيوم، الآن نسبة التخصيب أقل من 5 في المائة، وهو ما تريده إيران التي لا ترغب أن تقل نسبة التخصيب عن ذلك، واستطاعت أن تحصل على اعتراف مجلس الأمن الدولي عبر القرار الذي صدر تحت رقم 22-31، وبالتالي هذه نقطة مهمة، حيث إن الجانب الغربي أيضا قدم عدة تنازلات، بعدما كان يرفض عددا من المسائل.كيف تتصورون مستقبل المنطقة العربية بعد التوقيع على اتفاق التسوية النووي؟ أعتقد أن هناك مرحلة جديدة تمر بها المنطقة وهي مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، وهي تختلف عن مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، فهناك رغبة أمريكية، وغربية بشكل عام، تقول بأنه يجب أن تعتمد على القوى الإقليمية وعلى إيران باعتبارها دولة كبيرة في المنطقة، من أجل معالجة الأزمات والمشاكل التي تمر بها المنطقة. فالخوف ليس من التعاون الأمريكي الإيراني، ولكن الخوف من مواجهة دول مثل إسرائيل في المنطقة، حيث تبقى إسرائيل غير مرتاحة من التعاون مع دول المنطقة، وتحديدا الولايات المتحدة مع إيران، فالخشية هي أن تعمل إسرائيل على مواجهة مثل هذا التعاون. هذه المواجهة قد تنسحب على الدول العربية تحقيقا لأحلام إسرائيل في تقسيم وتجزئة المنطقة العربية وتأجيج الأزمات الإقليمية. الدول العربية مدعوة لأن تختار التعاون مع إيران، باعتبارها دولة إقليمية أو التعاون مع إسرائيل. المقصود ليس الجلوس في الطاولة نفسها، ولكن بعض دول المنطقة تعتقد بأن خيار التعاون مع إيران لا يخدم مصالحها الإقليمية ولا مصالحها الأمنية، وأعتقد أن هنالك خطورة كبيرة في هذا المجال.علاقة إيران بمحيطها العربي يكتنفها التجاذب والتنافر وملفات خلافية، ما الذي يجعل علاقة إيران بمحيطها العربي أكثر تعقيدا من غيرها؟ هناك الكثير من الحديث حول هذه العلاقة، وأعتقد أن جزءا من العلاقة المتشنجة بين الجانبين راجع إلى نظرة كل طرف للتطورات التي تشهدها المنطقة بطريقته. هناك نقطة ثانية تتمثل في انحصار النظام الرسمي العربي؛ نحن نعلم أن الوضع العربي ووضع الجامعة العربية ليس على ما يرام، وبالتالي عندما تتمدد إيران أو تتمدد تركيا أو تكون هناك قواعد عسكرية للدول الغربية فهذا أمر طبيعي. يجب علينا أن لا نلوم الآخرين قبل أن نلوم أنفسنا على ما وصل إليه النظام العربي الرسمي، وبالتالي مهم جدا أن يتم العمل على وضع أسس له، والأخذ بعين الاعتبار التغيرات والتطورات الجديدة في المنطقة، وبالتالي أنا أعتقد أن العلاقة الإيرانية العربية يمكن أن ترسو على أسس ثابتة، لكن بشرط أن يقبل الجميع بالجلوس على طاولة الحوار. هناك مسعى تقوم به سلطنة عمان وقطر من أجل اجتماع يجمع بين إيران وأعضاء مجلس التعاون الخليجي. نتمنى أن يحدث ذلك لما فيه من خير لكل شعوب المنطقة.إيران تتوجس من الغرب، والعرب يتوجسون من إيران، فمن عليه أن يبادر لإعلان حسن النوايا في ظل الاضطرابات التي تمر بها المنطقة؟ لا زالت أعتقد أن أفضل الحلول هو أن تجلس دول المنطقة في طاولة حوار وتفعيل حالة حوار بين دول المنطقة. شيء مهم جدا أن نعالج مشاكلنا على طاولة الحوار، فمن السهل جدا استخدام السلاح والوسائل الأمنية، لكن هذين الخيارين يدمران بلداننا وشعوبنا ومستقبل أجيالنا، وبالتالي إذا استطعنا أن نجلس في طاولة الحوار ونقول لإيران بأنك أخطأت في هذا المكان وهذا الموقع، والأمر نفسه بالنسبة لإيران، فهذا الحوار الشفاف يؤدي بنا إلى طريق يسمح بأن نؤمن مستقبلنا واستغلال ثرواتنا ونؤثر في المنطقة وعلى العالم. هذا التفكيك واستخدام المصطلحات وإثارة الشبهات واتهام الآخرين دون حوار أمر مؤسف، فنحن في الألفية الثالثة، في عام 2015، إذا لم نستطع أن نتحاور بشفافية وواقعية متى إذن يمكننا القيام بذلك؟ فالحوار ثم الحوار. نقطة البدء بخطوات ناجحة هو أن نجلس في طاولة الحوار، ولكن هذه مفقودة، فإيران تجلس مع أكبر ست دول في العالم ولكن لا تستطيع أن تجلس مع دول المنطقة العربية والإسلامية، وهذا أمر مؤسف جدا، لذا يجب أن نطرح كل المشاكل على طاولة الحوار من أجل الوصول إلى حل، وهذا هو الطريق الأفضل لمعالجة مشاكل المنطقة.عند تسليم رئاسة الموساد للجنرال آفيق كوفحي قال إنه تم تسجيل اختراقات من قبل إيران فقمنا باغتيال عملاء ذرة وقادة سياسيين وتمكنا من مراقبة برنامجها النووي، في حين إن إيران كانت ومازالت تهدد الكيان الصهيوني، ألا يعني ذلك أنها مهاترات تندرج تحت أكذوبة الممانعة؟ بالتأكيد إيران تعتقد بأنها دولة مهددة من قِبل إسرائيل، وهنالك خيوط كشفت عنها إيران تفيد بأن إسرائيل نجحت في تجنيد عدد من العملاء داخل إيران، وهو ما أدى إلى اغتيال خمسة من العلماء الذين يعملون في المجال النووي، فكلنا يعلم أن إسرائيل لا تريد أقل من تفكيك البرنامج النووي الإيراني ولا تريد تعديلات عليه، لأن حصول إيران على برنامج نووي، بأي مستوى كان، يؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي، وبالتالي فإن تل أبيب ترفض حتى أن تقوم إيران بامتلاك الطاقة النووية المستخدمة لأغراض سلمية، فنحن نعلم بأن اسرائيل عملت على منع مصر من الحصول على الطاقة النووية من خلال اتفاقيات كامب دايفيد، وبطبيعة الحال ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون صحيح جدا، إذ إن هناك اختراقا تم وإيران تعلم بذلك، وهذه هي القضايا الأمنية الموجودة في المنطقة.يجب ألا نخطأ البوصلة، عندما نضع إيران إلى جانب إسرائيل التي لها وضع خاص، فإيران دولة مسلمة في المنطقة، وشئنا أم أبينا فإن إيران وتركيا موجودتان في المنطقة على غرار الدول العربية، ويجب أن نعمل من أجل تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة. وهناك طرح في نهاية التسعينيات، ويتمثل في مجموعة التسعة، بمساهمة تركيا وإيران وباكستان ومصر ودول إسلامية أخرى، ولكن لم تتطور الفكرة. وأعتقد أن دول المنطقة مدعوة للتفاهم فيما بينها لمواجهة استحقاقات كثيرة هناك، وذلك ممكن إذا تعاملنا بواقعية وشفافية منطقية مع كل التطورات التي تمر بها المنطقة.هل يمكن لإيران التفكير في التعاون النووي مع الدول العربية، أم أن النووي السلمي ستار للنووي العسكري، وبالتالي لا أمل لذلك؟ أظن أن إيران تستطيع أن تتعاون مع الدول العربية التي تريد امتلاك وتطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية، ففي الرسالة الذي نشرها محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، في خمس صحف عربية في لبنان والدوحة والكويت ومصر، اقترح أن تتشكل مجموعة من الدول العربية مع إيران من أجل المساهمة في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، وهذه خطوة مهمة واستراتيجية بالنسبة لدول المنطقة في أن تمتلك الطاقة النووية التي تعتبر حكرا على بعض الدول الغربية، وبالتالي يمكن أن تدخل الدول العربية لهذا المجال، والظروف مهيأة لذلك.تتُهّم إيران بتدريب خلايا وميليشيات إرهابية باسم نصرة المظلومين، واعتُبر ذلك خلخلة للأنظمة الخليجية الشرعية واختراقا لمؤسسات الدولة عبر الولاء لولاية الفقيه وليس للوطن، ما رأيك؟ هذه نقطة في بالغ الأهمية مثل ولاية الفقيه، من حيث وجوب أن تتبع الحركات الاسلامية ولاية الفقيه وأن تكون داعما للوطن ولولاية الفقيه. من خلال فهمي لمبدأ ولاية الفقيه أعتقد بأن إيران لا تريد ولا تطالب أي من الحركات التي تقاوم إسرائيل أو هي ضمن محور المقاومة أن يكون ولاؤها لإيران لا للوطن، ومثال على ذلك حزب اللّه الذي يؤيد إيران ويؤيد خامنئي، ولكن ولاء حزب اللّه هو للبنان، وفي عدة مرات أكد خامنئي أن الولاء يجب أن يكون للوطن. وشخصيا أعتقد أنه يجب على الشعوب والنخب السياسية والفكرية في الوطن العربي أن يكون ولاؤها أولا للوطن، لأن في ذلك تعزيزا للوحدة الوطنية ولمفهوم الدولة، وهذه حقيقة يجب أن نعمل على تكريسها في جميع الدول العربية والإسلامية.إذا كان هناك فعلا محور مقاومة بين إيران وسوريا وحزب اللّه، كيف يمكن تفسير ما يحدث في سوريا؟ هناك اختلاف في وجهات النظر بعد نشوب الأزمة السورية. شخصيا لا أعتقد أن إيران يجب أن تتخلى عن مصلحتها القومية، ولا أعتقد أيضا أن الدولة العربية مطالبة بأن تتخلى عن مصالحها القومية وأمنها القومي، ولكن المهم كيف يمكن أن نجلس في طاولة حوار بدل تحريك القضايا الأمنية والعسكرية لأن هذا الأمر خطير. انظروا كيف هي الأوضاع في سوريا والعراق، وكيف هي في اليمن وسيناء المصرية وليبيا، فهذه مشكلة كبيرة أن لا نستطيع كعرب ومسلمين أن نجلس في طاولة حوار واحدة ونتوصل إلى نقاط مشتركة. فإيران لديها أمن قومي وتعريف له، والسعودية لديها مفهوم للأمن القومي والأمن الإقليمي، ومصر وتركيا أيضا، ولكن إذا استطعنا أن نجلس ونقرب وجهات النظر فهذا هو الشيء المهم، أما إذا اتجهنا إلى الخيارات الأمنية والعسكرية نجد النتائج واضحة عبر نماذج سوريا والعراق وسيناء وليبيا، لذا يجب أن نتحلى بالشفافية والموضوعية والمنطقية، فالحديث عن الصفوية والعثمانية لن يؤدي بنا كدول إسلامية إلى الرخاء والاستقرار، بل ذلك يأتي بالنظرة الواقعية والموضوعية للأمور والتفكير بشكل منطقي لمستقبل هذه المنطقة.يبدو لي أن قضية الأزمة السورية مهمة جدا، فطهران تعتقد أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد معناه فتح المجال أمام الجماعات الإرهابية من أجل الجلوس في دمشق. الآن لا توجد معارضة مسلحة قوية إلا “جبهة النصرة” و«داعش”، وبالتالي، فإن الجميع بات مقتنعا بأن سقوط بشار الأسد معناه أن البديل الجاهز هو “داعش”، وعلى هذا فإن إيران تعتقد بأهمية أن تكون هناك مرحلة انتقالية تستطيع أن تكون تحت الإدارة الأممية والدولية، وتكون هناك انتخابات وتبادل للسلطة، والمهم ليس أن يكون هناك بشار الأسد أو لا يكون، بل أن يكون هناك تبادل سلمي للسلطة لسد منافذ دخول “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى إلى المنطقة. وأعتقد أن الجميع بات مقتنعا بالمرحلة الانتقالية، ولكن البعض يقول إنها لا يجب أن تكون في حضور بشار الأسد، والبعض يرى عكس ذلك ويشدد على بقائه ليؤمّن المرحلة في استقرار والانتقال إلى المرحلة الانتقالية. ولازلت أؤمن بطاولة الحوار الكفيلة بإيجاد حل في هذه المناطق.يحمل الوضع الإيراني مظلوميات تمس الشيعة العرب والسنة تصل إلى حد الإعدام لمن يطالب بالحقوق، إذ اعتبر مراقبون ملف حقوق الإنسان في إيران هو الأسوأ، ما تعليقك؟ لا أريد أن أدافع عن الشعب العربي في إيران، لأن هناك قوميات متعددة هناك، العرب في الجنوب والأكراد والأتراك والسيسانيون والتركمان وهذه القوميات المتعددة المتواجدة في إيران بالتأكيد بأن لكل قومية منها مطالبها وتريد الحفاظ على هويتها ومكانتها، ولكنني أعتقد بأن المشاكل التي يواجهها العرب في إيران هي المشاكل نفسها التي يواجهها الفرس في شيراز وأصفهان ومشهد، فلا أحد يمكنه أن ينكر وجود عدة مشاكل في إيران، والكل يعلم أن إيران منذ بداية الثورة عاشت حربا ضروس لمدة ثماني سنوات، بدأت من صدام حسين في المنطقة العربية بخوزستان ودمر الكثير منها، وهي ذات الأغلبية العربية، وبعد انتهاء الحرب كانت هناك مرحلة رخاء لم تدم طويلا مع فرض العقوبات والحصار الاقتصادي، تضرر منها المواطن الإيراني، سواء بالنسبة للشمال والجنوب والشرق والغرب، وبالتالي لا أريد أن أدافع، لكن هناك مشاكل كبيرة. لكن أرى أن العرب في إيران أيضا مقصّرون كثيرا، لأنني أعرف تفاصيل في منطقة خوزستان من قبيل أنهم عندما يريدون مهندسا ليتبوأ منصب مسؤولية في بلدية ما فإنهم لا يجدونه، وأكثر العرب الحاصلين على شهادات عليا يغادرون المنطقة إلى مناطق أخرى، لذا نقول “إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وأعتقد أنه يجب ألا نركز على قومية دون أخرى، فهناك مسألة حقوق الإنسان التي يبقى كل العالم الثالث معنيا بها، ولو كانت حقوق الانسان جيدة لكنا من العالم الأول، وإيران هي دولة من دول العالم الثالث.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات