لا تدريس لمن لا يملك "غلاكسي" أو "مرسيدس"!

38serv

+ -

بمجرد الإعلان عن نتائج توجيهات الطلبة الناجحين في شهادة البكالوريا يبدأ هاجس المتفوقين الذين تم توجيههم إلى المدارس العليا للأساتذة، من أجل التحضير للامتحان الشفهي والبحث عن الأسئلة التي من المحتمل أن توجه لهم. ويقتصر هذا الجهد على أولئك الذين لم يشاركوا في أي امتحان شفهي من قبل، أما أصحاب الخبرة من الذين مروا بهذه المرحلة أو ترشحوا لمسابقات توظيف الأساتذة فيدركون جيدا طبيعة الأسئلة التي تجعل هاتف “غلاكسي” أو سيارة “مرسيدس” تتحكم بمستقبلك. تعتبر المدارس العليا للأساتذة الأكثر طلبا من قِبل الناجحين في شهادة البكالوريا، حيث تستقطب الكثير من المترشحين سنويا، سواء في التخصصات الأدبية أو العلمية نتيجة إمكانية التوظيف التي تضمنها مقارنة بباقي التخصصات الأخرى التي يعاني المتخرجون منها من شبح البطالة، والتي أصبح الطلبة يهربون منها قدر المستطاع، على غرار العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية وحتى العلوم الطبية، حيث أصبحت المدارس أول اختيار للطلبة بورقة الرغبات من أصحاب المعدلات المرتفعة، وهي الأهمية التي جعلت الجميع يسعى لإيجاد وسيلة من أجل اجتياز الامتحان الشفهي والالتحاق بها.فطيمة واحدة من الطلبة المتفوقين في شهادة البكالوريا بمعدل 14 من 20، بعد توجيهها إلى المدرسة العليا للأساتذة بدأت التحضير للامتحان الشفهي من أجل الدخول إلى المدرسة وضمان منصب عمل يساعدها على إنهاء معاناة عائلتها التي تتكون من 5 إخوة ووالدين معاقين. هذا الأمل جعلها تبحث بجدّ عن طبيعة الأسئلة التي يمكن أن يتم طرحها وكيفية التعامل مع اللجنة والحفاظ على هدوئها أثناء الإجابة على ما يمكن أن يوجه إليها من أسئلة مهما كان نوعها، وغيرها من الميكانيزمات المتعلقة بإجراء مقابلة شفهية بطريقة مثالية.في يوم الامتحان تقول فاطمة في حديثها مع “الخبر”: “كنت متحمسة جدا لاجتياز الامتحان بتفوق، وحضرت نفسي وتوجهت إلى الجامعة بالحافلة مع أبي الذي أصر على مرافقتي رغم إعاقته”. توقعت فاطمة كل أنواع الأسئلة وتخيلت كل الأسباب التي قد تؤدي إلى إقصائها، كالارتباك وعدم التركيز أثناء الإجابة والتوتر، واجتهدت للتحكم في هذه العوامل قبل أن تكتشف نوعا آخر من الأسباب المهمة للفشل في الإجابة عن أسئلة شفهية أصعب بكثير من امتحان البكالوريا الذي اجتازته بتفوق؛ ببساطة لأنها لم تتخيل للحظة واحدة أن الحافلة ستحدد مصيرها. وتعبر فاطمة عن ذلك بصدمة كبيرة: “عندما سألني أحد أعضاء اللجنة رفقة من قدمت إلى الجامعة وبأي وسيلة، أجبته مع أبي في الحافلة، لم أستغرب لأني كنت قد قرأت في بعض المقالات التي قمت بتحميلها من الأنترنت أنهم قد يطرحون على الطلبة أسئلة شخصية تتعلق بحياتهم الاجتماعية وأحيانا مستفزة حول المظهر واللباس وغيرها، لكن المصيبة أنهم لم يطرحوا أي سؤال آخر يمكنهم من تقييمي، وطلبوا مني المغادرة لأجد نفسي في قائمة المقصين من دخول المدرسة. ألم تكن الحافلة سبب إقصائي اذن؟!”. ويعلق والد فاطمة بحرقة: “ذهبت معها لأشجعها. قلت خلاص تنحي علينا الغبنة لكن يا فرحة ما تمت، حسبنا اللّه ونعم الوكيل فيهم. هل كان يجب أن آخذها في سيارة مرسيدس لتنجح؟!”، ويضيف: “بقي أن يعلّموا أبناءنا كيف يخجلون بنا”.وفي الوقت الذي تم توجيه فاطمة إلى كلية الآداب بعدما تم استبعادها من قائمة الطلبة المقبولين للدخول إلى المدرسة العليا للأساتذة بسبب الحافلة، لم تكن صديقتها آمنة أحسن حظا منها، عندما وجدت نفسها هي الأخرى خارج قائمة الناجحين لأنها لا تملك هاتف “غلاكسي”. تقول آمنة باستهزاء: “نجحت في البكالوريا بمعدل 16 وتفوقت في جميع المواد الدراسية، واخترت المدرسة العليا للأساتذة من أجل ضمان منصب عمل مستقبلا والهرب من البطالة، لكن يبدو أن هاتفي النقال خذلني”. وتضيف آمنة بعد نوبة من الضحك الهستيري: “بعد التفوق في البكالوريا يجب أن نبحث ونتعلم فن الكذب بدل أن نتعلم فن إجراء المقابلات والإجابة على الأسئلة التافهة. ندمت على الوقت الذي أضعته في التحضير رغم أن الكثير من الناس كانوا يقولون لي إنها مجرد شكليات، لكنني كنت واثقة من نفسي. والنتيجة “فاشلة” لأنها لا تملك قالاكسي”.هكذا يتم التقييميروي العديد من الطلبة الذين اقتربت منهم “الخبر” تجربتهم مع الامتحانات الشفهية التي لا تختلف كثيرا عن قصة فاطمة وآمنة وآخرين، وكيف اغتيلت أحلامهم في الدخول إلى المدارس العليا للأساتذة ولم تؤهلهم معدلاتهم المرتفعة التي تصل إلى 16 في البكالوريا لاجتياز الاختبار الشفهي، إذا صحت تسميته كذلك، في حين يتفرجون على زملائهم ممن حصلوا على معدلات أقل لا تتجاوز 13 كيف تمكنوا من الالتحاق بهذه المدارس لاعتبارات أخرى لا تتعلق عادة بالقدرات والمستوى وإنما بالمحسوبية والمحاباة، ما يجعلهم في نظرهم قد سرقوا منهم مناصبهم دون وجه حق بمساعدة اللجان المسؤولة عن إجراء الامتحان الشفهي على مستوى المدارس العليا. ومن بين الحالات التي استوقفتنا حالة طالبة، تقدمت لإجراء امتحان شفهي بالمدرسة العليا كأستاذة علوم طبيعية بالمستوى الثانوي، فخاطبها عضو اللجنة: “أنت لا تصلحين للتعليم”، فانفجرت بكاء وبدأت تستعطف اللجنة إلى أن وافقت بعدها على قبول التحاقها بالمدرسة.من جهته، يقول صالح، في حديثه مع “الخبر”، إنه بالرغم من قبوله في الاختبار الشفهي والتحاقه بالمدرسة العليا كأستاذ في الرياضيات: “في أحسن الأحوال سيتم رفضك لكن حتى في حال قبولك يمارسون ضدك الظلم”. ويوضح صالح كيف أنه متحصل على معدل 14 في البكالوريا وأن معدله كان يؤهله ليدرس كأستاذ بالمستوى الثانوي حسب الترتيب، غير أنه وجد نفسه في المتوسط، ويضيف: “إحدى زميلاتي حصلت على معدل 12 وتم تسجيلها كأستاذة بالمرحلة الثانوية عن طريق “المعريفة”، أليست هذه سرقة لمكاني واغتصابا لحقي؟”. بينما يتحدث الطالب أسامة، لـ«الخبر”، عن قناعاته فيما يخص الموضوع: “بصراحة تامة، الجميع يعلم أن المبدأ الأول والأساسي الذي نختار على أساسه دخول هذه المدارس هو الهروب من البطالة بعد التخرج لأن التوظيف تتحكم فيه “المعريفة”، ثم اكتشفنا سريعا أنها تلاحقنا هنا أيضا”، وذلك في إشارة منه إلى المحسوبية والوساطة التي يتم عن طريقها اختيار الناجحين وإقصاء أبناء الفقراء من الفرصة الوحيدة التي كانوا يملكونها لضمان مستقبل مستقر ووظيفة جيدة، معتبرا أن الامتحان الشفهي عبارة عن وسيلة لإبقاء “أصحاب المعريفة” ولا علاقة له بالتقييم الذي يزعمون، بدليل نوع الأسئلة التي يتم طرحها، والتي لا يمكن في كل حال من الأحوال، حسب رأيه، أن تعكس مستوى أو مهارات طالب، مقترحا: “يفترض أن يتم إلغاء هذه المهزلة المسماة بالمقابلة الشفهية والاعتماد على نتائج البكالوريا في التوجيه مثل جميع التخصصات الأخرى، لأن مصداقية المقابلة قد اغتصبت”.وعن طريقة التأكد من السلامة الجسدية للطلبة الموجهين إلى المدارس العليا للأساتذة، التي تفترض أن يكون الأستاذ مؤهلا بدنيا من أجل ممارسة مهنة التعليم حركيا وألا يعاني من نقص في السمع والبصر، نتيجة الخصوصية التي تتميز بها المهنة، على غرار قدرة توصيل المعلومة وشرح الفكرة بطريقة جيدة، يقول أسامة: “هذا الأمر لا يتطلب مقابلة شفهية دائما، ويمكن تعويضه بشهادة طبية مثلا، ثم لماذا لا يبررون سبب الإقصاء إذا كانوا حقا يملكون معايير يتم الاعتماد عليها أثناء التقييم؟!”، ويجيب باستهزاء على سؤاله: “حتى تكون كاين أسئلة نهدرو على الإجابة، خلي يتمسخرو بينا كيما يحبو”.ويؤكد أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة، في تصريح لـ«الخبر”، أن المقابلات الشفهية التي يتم إخضاع الطلبة لها على مستوى المدارس تتحكم فيها الوساطة وأغلب اللجان العلمية فقدت مصداقيتها وخسرت سمعتها بسبب الفضائح التي تحدث داخل قاعات المقابلات، موضحا: “شخصيا، كل مرة أتلقى العديد من الاتصالات من قِبل أصدقاء وأقارب وجيران وغيرهم، ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم، يطلبون مني التوسط لأبنائهم من أجل النجاح في الامتحان الشفهي والالتحاق بالمدرسة فأعتذر منهم، وأوضح لهم لأني لست في اللجنة العلمية وغير معني بهذه الامتحانات إطلاقا”. ويضيف المتحدث: “عندما أطلب منهم أن يثقوا في قدرات أبنائهم على اجتياز الامتحان للمحافظة على نزاهته وتساوي الفرص بين المترشحين يستهزئون بي ويقولون لي “لوكان ماتكونش معريفة واللّه ما ينجحوا”، وقد أصبح الأمر كذلك فعلا، لكن المسؤولية الأولى والأخيرة تتعلق باللجان العلمية”. هذه الشهادة التي خصنا بها أحد الأساتذة، وهو يدرك جيدا ما يحدث بالقطاع ومطلع على التجاوزات المسجلة فيه، تبرز حجم التلاعب الكبير بمستقبل الطلبة والظلم الذي يتعرضون إليه من قِبل لجان علمية تمارس ضدهم كل أنواع التمييز دون اعتبار لقدراتهم الذهنية وذكائهم في غياب شبه تام للضمير المهني والأخلاقي.وصفة فعالة للأجيال القادمة ومن الأشياء الطريفة التي يحاول بها هؤلاء ابتلاع خيبتهم اقتراحهم لمعايير جديدة من أجل إفادة الأجيال القادمة في التحضير للامتحان الشفهي بعدما فشلت الطريقة التي إعتمدوا عليها، وهنا يقول عبد الرحمن، لـ«الخبر”، وهو الذي اجتهد في تحميل نماذج من الأسئلة الشفهية المحتملة وطريقة الإجابة عنها ومشاركتها مع أصدقائه وزملائه، إنه قرر توظيف خبرته بعد اجتياز الامتحان الشفهي ميدانيا والتخلي عن النظرة النظرية التي أخذها عن الموضوع سابقا، وذلك عن طريق اقتراحه لنموذج بديل وإدراج أسئلة الامتحانات السابقة ليستفيد منها الطلبة العام المقبل وفي السنوات القادمة. ويشرح عبد الرحمن نموذجه المبتكر: “عزيزي الطالب لا تبحث في الأنترنت عن مهارات إجراء المقابلة وإقناع اللجنة العلمية، ولا تصدق تلك الأكاذيب القائلة إن الأسئلة تدور حول ثلاثة محاور أساسية تتمثل في أسئلة شخصية ومعرفية وأسئلة حول السلوك التربوي، ولا تنتظر أبدا أسئلة من هذا النوع: ما هي المواصفات الضرورية في الأستاذ؟ وماذا تعرف عن تخصصك؟ كل هذه الأسئلة مثالية جدا لا وجود لها في الواقع، وإذا صادفتك في مقالات معينة فاعلم أن من كتبها إنسان لم يختبر الميدان أبدا أو لا يعرف الجزائر. لا تتعب نفسك بالاطّلاع على القوانين المدرسية والتكوين وطريقة التعامل مع التلاميذ، فكل هذه الأمور غير واردة إطلاقا خلال المقابلة. لا تضيع وقتك في حفظ بعض الأجوبة النموذجية من قبيل “اخترت المدرسة لأنها تحقق لي حلمي في التدريس الذي يستهويني كثيرا”، وما إلى ذلك من أنماط التفكير. انس مثل هذه الإجابات ولا تحاول الاطّلاع على ما يجب تجنبه من أجل النجاح، مثل عدم التركيز والتوتر والارتباك، ولا تتعب نفسك بالمبالغة في الانضباط من أجل الحصول على العلامة الكاملةكما يقال في بعض المنشورات، والآن إليك الوصفة الميدانية التي ابتكرتها بنفسي ووضعت أسسها، وهي فعالة جدا، لأنه كما يقول المثل الشعبي سقسي مجرب ماتسقسيش طبيب”.ويضيف عبد الرحمن: “أول شيء يجب أن تنسى بشكل تام أنك ذاهب لإجراء امتحان شفهي لأنه في الحقيقة ليس كذلك. عليك أن تتخيل بأنك ستدخل إلى منصة مسرح، ولكن ليس كمتفرج أبدا، بل ستكون الممثل، وأؤكد أن نوع المسرحية هزلي، بمعنى يجب أن تنسى أنك تركت والدك يخلط الإسمنت أو يحفر الأرض أو يحمل بضاعة وما يشبه هذه المهن المتواضعة، وتنسى أنك ركبت حافلة في الصباح أو مشيت على الأقدام مسافة طويلة، وكل الأشياء من هذا القبيل، وبدلا من ذلك يجب أن تؤمن أنك تركت سائقك الخاص ينتظر في الخارج وأنه ركن سيارة “المرسيدس” في مكان قريب، وطبعا لا بد أن تكون قد حصلت على هاتف “غلاكسي” بأي طريقة؛ استأجرته بـألف دينار، أو استعرته من صديق، لا يهم، المهم أن تحمله بيدك، ويجب أن تحرص أن واحدا من أعضاء اللجنة العلمية، على الأقل، سيقول لك آه “أنت نعرفك وصاني عليك فلان”، بهذه الطريقة سيكون الامتحان أسهل وفرص النجاح أكبر، وفي الأخير توقّع كل أنواع التعليقات حول شكل أنفك وشعرك ونوع العطر الذي تضعه، ثم توكل على ربي وقل لعله خير وانصرف”.وجهان لعملة واحدةيبدو أن وصفة عبد الرحمن لا تنطبق فقط على الطلبة المتفوقين في شهادة البكالوريا والراغبين في اجتياز الامتحان الشفهي والالتحاق بالمدارس العليا للأساتذة، وإنما تعكس أيضا واقع مسابقات التوظيف في قطاع التعليم التي يتم فتحها في مختلف الأطوار التعليمية وتستقطب عددا ضخما من المشاركين من مختلف التخصصات في الامتحان الشفهي للمسابقة عبر كامل مديريات التربية بالتراب الوطني، لتصبح بذلك وجهين لعملة واحدة. في لقائنا ببعض المشاركين في مسابقة توظيف 19 ألف أستاذ التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم، بداية السنة الحالية، وتم إجراء الامتحان الشفهي للمسابقة في شهر ماي الماضي، وقفت “الخبر” على حقيقة تقترب كثيرا مما عاشه طلبة البكالوريا. وعلى الرغم من أن وزارة التربية والتعليم كانت قد حددت 18 سؤالا تتمحور حول علاقة التلميذ بالأستاذ وسبب الترشح والمقاربة بالكفاءات وغيرها من الأسئلة التي تحدد مستوى الثقافة العامة التي يتمتع بها المترشح، وكذا كيفية التعامل مع التلميذ المشاغب وعلاقة الأستاذ بالتلميذ وغيرها من الأمور الإدارية مثل عدد المجالس ووظائفها، غير أن المترشحين وجدوا أنفسهم أمام أسئلة طريفة تصلح في حوار فكاهي، ما جعلهم يحوّلونها إلى نكت ومواضيع تهكّم وفكاهة يذكرونها في كل مرة لتلطيف حدة غضبهم من الاستفزاز الذي تعرضوا له. في المقابل، يقول أمين: “اقترحت على مجموعة من الأصدقاء أن نقوم بتسجيل المقابلات الشفهية ووضعها باليوتوب، إذا نجحنا سننجح في إعداد أضخم سلسلة فيديوهات فكاهية بالجزائر”.“المديح” وارد أيضاومن بين الأسئلة البديلة التي طرحت على المشاركين تقول سمية لـ«الخبر”: “سألتني عضو باللجنة المكلفة بالتقييم “علاش لابسة هكذا”؟! ماعرفتش واش نجاوب، أصعب سؤال في حياتي، واللّه ينسوك علاش رحت، للامتحان أو فقط لكي تمزح شوي وتبدل جو”. هذا السؤال تقترح سمية أن يضاف إلى جملة الأسئلة التي كانت قد حددتها وزارة التربية، وتطلب من المختصين الاجتهاد للبحث عن إجابة موضوعية له، لأنه أمر ضروري جدا وملحّ من أجل النجاح في المسابقة. من جهته يقول أحد المترشحين للمسابقة: “تفاجأت بمجرد دخولي إلى قاعة إجراء المقابلة، قال لي عضو باللجنة لون عينيك جميل، خلاص يمكنك المغادرة”. ويعتبره أصدقاؤه محظوظا لأن عضو اللجنة كان بمزاج جيد أو لديه قصة جميلة مع أصحاب العيون الزرقاء، وأصبحوا ينصحون بعضهم بعضا: “من اليوم لازم نشري عدسات زرقاء من أجل الامتحان الشفهي، من يدري بالاك تصلح”. هذا المترشح الذي وجد نفسه غير معني أصلا بالأسئلة وإنما بالمديح الذي لم يكن يعلم أنه جزء من المسابقات أيضا يعلق لـ«الخبر”: “تخيلت كل شيء غير هذه لا لا، سبحان اللّه في الجزائر كل شيء وارد”.وفي السياق نفسه تقول إحدى المترشحات، في حديث لـ«الخبر”: “شاركت حتى الآن في 4 مسابقات شفهية، وإلى اليوم لم يطرح عليّ أي سؤال له علاقة بالعمل أو حتى بشخصيتي. كيما ادير ما يعجبهمش الحال، يقيّموك من مظهرك الخارجي، مليح ما يعجبهمش، متواضع ما يعجبش”. وتضيف المتحدثة ذاتها بتذمر: “لا يوجد حتى احترام للمترشح ولأنفسهم كلجنة علمية، يعاملوننا وينظرون إلينا باحتقار دون أدنى مسؤولية، ويحاولون أن يخلقوا لنا مشاكل من العدم، كأن يرمي في وجهك الاستمارة ويطلب منك تعبئة أخرى.أشياء تافهة هذه إحداها”. الأمر كان مختلفا بالنسبة لهاجر التي تؤكد أنها أجرت مقابلة توظيف في منصب إداري بصفة طبيعية وتم طرح أسئلة متعددة عليها في مجال تخصصها: “أجبت على جميع الأسئلة، فقال لي أعضاء اللجنة جيد جيدا، أول مرة شخص يجيب هكذا ومدحوني كثيرا، وبعدها منحوني علامة صفر في المقابلة!!”، ثم تروي قصة صديقتها المتحصلة على شهادة ليسانس، وعند دخولها إلى قاعة المقابلة وإطلاع اللجنة على معلوماتها الشخصية، سألها عضو اللجنة، إذا كان “فلان” عمها، وبمجرد ما أكدت له ذلك، خاطبها باستهزاء: “علاش جاية عندي إذن؟!”، وتشرح هاجر هذا الموقف معلقة: “بمعنى يفترض أن عمها بمحكم منصبه كان يجب أن يتوسط لها ولا تحتاج إلى هذه المسابقة، وبما أنه لم يفعل فيجب أن يستبعدها هذا العضو، يعني المعريفة لازم بالقوة حبيت أو كرهت”.هذه جملة من التعليقات التي يعبّر بها المشاركون في الاختبارات الشفهية عن سخطهم مما يتعرضون إليه، ويعتبرونها أداة تساهم أكثر في التوظيف على أساس “المعريفة”، بعد جهد ماراطوني من أجل التسجيل وإيداع الملفات والانتظار طويلا أمام طابور لا ينتهي من المترشحين لاجتياز مثل هذه المسابقات.من جهتها تروي مريم، لـ«الخبر”، قصتها مع مسابقات التوظيف موضحة: “شاركت في أكثر من خمس مقابلات شفهية بلا فائدة، وبعدها شاركت في مسابقة كتابية واحدة فنجحت”. وتضيف: “في كل مرة كنت أشارك في امتحان شفهي لم أكن أعوّل على إجابتي أو قدراتي أبدا، كنت أعتبرها ضربة حظ، أعتقد أنه يجب إلغاؤها واستبدالها بمسابقات كتابية”. ويوضح منير، الذي قاطع المسابقات التي تعتمد على أسئلة شفهية، لـ«الخبر”: “شاركت مرة واحدة في مسابقة شفهية، وشعرت بالإهانة. الحل في رأيي أنه يجب مقاطعتها. مسابقة التوظيف التي تتحكم فيها المعريفة ومزاج اللجنة مابقاتش مسابقة”.مقترح لإدراج اختبار شفهي في اللغات بالبكالوريامشكلة الاختبارات الشفهية، وما يدور حولها من شبهات وفضائح، يبدو أنها ستتوسع أكثر من قطاع التوظيف وطلبة المدارس العليا للأساتذة لتصل إلى طلبة البكالوريا، حيث أعلنت نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين “لونباف”، مؤخرا، أن من بين التوصيات الهامة التي انبثقت عن الندوة الوطنية لتقييم عملية إصلاح المدرسة الجزائرية، خلال شهر جويلية الماضي، إدراج اختبار شفهي في اللغات بالبكالوريا، ما يجعلنا نتخيل وننتظر اكتشاف أنواع أكثر طرافة من الأسئلة باللغات الأجنبية مستقبلا.إلغاء ثم إعادة بعثمن سنة إلى أخرى، تخرج كل من المديرية العامة للوظيف العمومي ووزارة التربية بقرار جديد في ما يخص طريقة إجراء مسابقات التوظيف، عن طريق اللجوء إلى الامتحانات الكتابية مرة والاعتماد على المقابلة الشفهية مرة أخرى، قبل أن تقرر من جديد الاستغناء عنها والعودة إلى استخدام الامتحانات الكتابية. وفي كل مرة يتم تبرير قرار إلغاء المقابلات الشفهية بتفادي المحاباة وإضفاء الشفافية والمصداقية على مسابقات التوظيف التي غرقت في الفساد، ومنح كافة المترشحين حظوظ متساوية والكشف عن مستواهم الحقيقي عن طريق الاختبارات الكتابية. ففي سنة 2010 ألغت المديرية العامة للوظيف العمومي المسابقات الشفهية الخاصة بالتوظيف في مختلف الأسلاك وأبقت على الكتابية، من خلال إصدار تعليمة لكل الهيئات والمديريات التابعة لقطاع الوظيف العمومي. في المقابل كانت وزارة التربية الوطنية قد قررت إعفاء المقتصدين ونواب المقتصدين ومستشاري التربية من إجراء الاختبارات الشفهية الخاصة بمسابقات التوظيف والإكتفاء بـ«الاختبارات الكتابية” خلال السنة نفسها. وهذا قبل العودة إليها من جديد، لتقرر وزارة التربية سنة 2014 اعتمادها مرة أخرى على نظام الاختبار الكتابي في مسابقات التوظيف للالتحاق ببعض الرتب المنتمية للأسلاك الخاصة بها، بعدما كانت عبارة عن مقابلات شفهية فقط، ووضعت كافة الشروط الخاصة بالتنقيط خلال عملية التصحيح، حيث حددت في تعليمتها الصادرة بالجريدة الرسمية أن رتبة أستاذ التعليم المتوسط سيكون بمسابقة على أساس الاختبارات بالإضافة إلى اختبار شفهي للقبول، شرط أن يكون حول موضوع أو نص له علاقة باختصاص المترشح، إلا أنها عادت خلال السنة الحالية للاعتماد على المقابلة الشفهية من جديد خلال مسابقة التوظيف الأخيرة التي تضمنت 19 ألف منصب عمل في الأطوار التعليمية الثلاثة.عبيد كريم أستاذ التعليم الثانوي لـ”الخبر”“فشلت في الابتدائي شفهيا ونجحت في الثانوي كتابيا” اعتبر أستاذ التعليم الثانوي بولاية المدية وأستاذ سابق بالمدرسة العليا للتجارة، عبيد كريم، في اتصال مع “الخبر”، أن قطاع التعليم يتطلب إنشاء مدارس عليا جديدة وتوزيعها عبر جهات الوطن لتلبية حاجة قطاع التربية الهائلة والمتزايدة من ناحية الموارد البشرية وتدارك النقص الفادح في جميع المواد، غير أنه من الضروري قبل ذلك وضع حد لما أسماه فوضى الانتقاء في مسابقات التوظيف التي تخضع للمقابلات الشفهية، كونها غير كافية إطلاقا لتقييم مترشح: فـ«المقابلة ليست معيارا دقيقا للانتقاء وغالبا ما تكون مجحفة. شخصيا اجتزت مسابقة أستاذ بالابتدائي عن طريق مقابلة شفهية فرسبت فيها، وفي السنة نفسها نجحت في مسابقة للتعليم الثانوي عن طريق امتحان كتابي”. وعن الطلبة الموجهين إلى المدارس العليا للأساتذة يقول المتحدث: “فيما يتعلق بما هو معمول به حاليا فنقترح إلغاء المقابلة الشفهية التي قد تكون مجحفة في حق الكثير من المترشحين والاكتفاء بالمسابقة على أساس الشهادة، أي اعتماد الترتيب التنازلي في معدلات المترشحين المحصل عليها في شهادة البكالوريا، وذلك من أجل وضع حد للتلاعب بالنتائج”. وأكد عبيد كريم: “من غير المقبول أن يقصى صاحب معدل جيد من الالتحاق بالمدرسة لمجرد تعثره في إجابة شفوية، خاصة أن قدرات بعض المترشحين الذهنية تفوق قدرات معلميهم وممتحنيهم”، وأضاف الأستاذ عبيد أن المقابلة الشفهية في حقيقتها عبارة عن امتحان نفسي يختبر مدى قدرة المترشح على ممارسة مهنة التعليم، لكنها غالبا غير موضوعية، ومن غير المقبول أن تكون المحدد الرئيسي للقبول في سلك التعليم.     الأستاذ محمد الطاهر واعلي“لا يمكن إلغاء المقابلة الشفهية في قطاع التعليم” أكد الأستاذ والبيداغوجي محمد الطاهر واعلي، لـ«الخبر”، على ضرورة إجراء المقابلة الشفهية من أجل الدخول إلى المدارس العليا للأساتذة ومسابقات التوظيف في قطاع التعليم، موضحا: “بصفتي أكاديميا ومطلعا على المهنة، أؤكد أنه لا يمكن إلغاء المقابلة أبدا والاكتفاء بالترتيب حسب المعدلات كباقي المدارس الأخرى، وذلك راجع لخصوصية مهنة التعليم”. وفي سؤال حول طبيعة الأسئلة يقول المتحدث: “يجب على الطلبة والمترشحين أن يفهموا أن الاختبار الشفهي لا علاقة له بالمعارف، وإنما هي مجرد أسئلة لاستدراج الفرد إلى الحديث وقياس سلامة النطق والجسد”. وأعطى الأستاذ مثالا عن اللغات الأجنبية حيث وبالرغم من حصول الطلبة على علامات مرتفعة إلا أنهم يفشلون في قراءة نص قصير بنطق سليم، لهذا في مجال التعليم المعدل لا يكفي أبدا.وعن التأكد من السلامة من الناحية الجسدية، قال الأستاذ واعلي إن مقترح الاعتماد على الشهادة الطبية غير ممكن، لأنها تؤكد سلامة الشخص من حيث الحواس لكنها لا يمكن أن تقيس شخصيته ونموه وطوله وكل هذا مهم في مهنة التعليم، بدليل أن أستاذ التعليم المتوسط والثانوي مثلا يفترض أن يكون نموه الجسدي مقبولا ليتحكم في التلاميذ خلال هذه المرحلة. وأشار المتحدث إلى أن هذه هي المعايير الحقيقية للمقابلة الشفهية التي يجب أن تلتزم بها اللجان العلمية بشكل صارم من أجل تطوير وتحسين المستوى التعليمي في البلاد.    الدكتور زمام نور الدين لـ”الخبر”“الأسئلة تافهة والإجابات تؤوّل حسب مزاج اللجنة” أكد الدكتور زمام نور الدين، في حديثه لـ«الخبر”، على موقفه الرافض لأسلوب اعتماد المقابلة الشفهية في الدخول إلى المدارس العليا للأساتذة ومسابقات التوظيف، وذلك بسبب عدم دقة الأسئلة وعدم التقويم الجيد للجواب إلى جانب ما تتيحه من فرص للمحاباة و«المعريفة”، موضحا: “في الغالب ليس هناك دقة في الأسئلة، فهي تصاغ حسب مزاج وتكوين عضو اللجنة، وأحيانا تكون مربكة أو غير دقيقة بحيث لا يمكنها أن تكشف كما يجب عن الجانب أو الميزة أو الصفة المراد الكشف عنها”.ويذهب الدكتور إلى أبعد من هذا، معتبرا أن بعض الأسئلة تكون بلا معنى، لتعبر عن تفاهة وضحالة مستوى عضو اللجنة الذي يطرح السؤال. ويضيف: “المشكل الأكبر والكارثي أن أعضاء اللجنة يؤوّلون الإجابات حسب مزاجهم أو بضاعتهم العلمية الزهيدة أو خبرتهم الضئيلة”. ويعطي المتحدث على ذلك مثالا في مسابقات التوظيف بقوله: “تأويل الجواب من وجهة نظر عضو اللجنة فيه ظلم خاصة في الأسئلة الشخصية، مثلا يسأل مترشح من مكان بعيد عن السكن ويقول له هل تقبل بالعمل هنا لو لم يكن لديك سكن، فإن قال نعم، فقد يؤول بأنه يكذب أو يؤوله على أساس أن المترشح يحب العمل مهما كانت الظروف، وفي الحقيقة فهذا سؤال لا معنى له”.ويقترح الدكتور زمام تدريب أعضاء اللجنة الذين يطرحون الأسئلة وتكوينهم فيما يخص طرق الكشف عن الصفات والمؤهلات للمترشحين، وأهم شيء، حسبه، كيفية عدم التعامل بالمزاج. ويشير هنا: “أحيانا يتعرض الطالب للإرباك بسبب عدم قدرة اللجنة على التعامل معه، وفي هذا ظلم له، بالمقابل قد يستفز طالب عضوا باللجنة فيغضب ويعمم ذلك على باقي الطلبة وينتقم منهم”. وفي الأخير يؤكد المتحدث أن المقابلة بحاجة إلى الجدية فعلا ومراقبة فعلية للجان وعدم توظيفها لتمرير من يريدون ولمصالح شخصية.الأستاذ بجامعة وهران طاهر بلحيا لـ”الخبر”“للمقابلة معايير وسلم تنقيط والامتحان الحقيقي هو الكتابي” قال الأستاذ بجامعة السانية وهران طاهر بلحيا، لـ«الخبر”، إن الغرض من المقابلة الشفهية هو تقييم شكل المترشح بصفة عامة، فيما يخص الصفات الشكلية، بينما يبقى الامتحان الحقيقي للقدرات هو الكتابي ولا يمكن تعويضه بالشفهي. ويضيف المتحدث: “المقابلة الشفهية ليست لها قيمة علمية على مستوى العالم، ولا تحسب بشكل عشوائي، وإنما تسجل ملاحظات، بمعنى أن نسجل بأن هذا الممتحن يتأتيء وهو بذلك غير صالح للتعليم حتى ولو كان عالما”. وعن الطريقة المعتمدة في التقييم، أكد الأستاذ أن اللجنة يجب أن تكون بين أيديهم ورقة تنقيط، فيها نقاط معينة يتم من خلالها تقييم المترشح من حيث وقفته وشجاعته وفصاحته هيئته، موضحا أن المقابلات التي يخضع لها المترشحون لمسابقة توظيف أستاذ جامعي تخضع إلى سلم تنقيط كما سبق توضيحه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات