مثقفـون يتساءلـون عن جدوى المهرجانات

+ -

يرى متدخلون في ندوة “الخبر”، حول “تقييم المشهد الثقافي الصيفي في الجزائر خارج إطار المهرجانات، في وضع سياسة ثقافية جديدة، وتبني “مناجمنت” المسرح وباقي الألوان الثقافية من أدب، إنشاد وغناء وغيرها، وفقا لخطة محكمة ترمي لتكثيف الجهود وترويج المادة الثقافية ونشرها وإيصالها لكل المناطق تحقيقا لـ “اللامركزية”، سبيلا لتجاوز عقدة تفضيل متن على البقية هو في الأصل مدرج ضمن ثقافة “شاسعة”، وانتقدوا سياسة ترسيم مهرجانات تختزل العمل في جزئية ما يضر بالحياة الثقافية، كما سجلوا عدم استفادة باقي المتون من الريع الذي صُرف خلال خمسة عشر سنة على الثقافة دون تحقيق مردودية في الواقع، مما يجعل نشاط موسم الصيف الثقافي باهت”، “سطحي” وموجه للاستهلاك السريع ولا يلبي أذواق الجمهور، وطالبوا بتحرير الثقافة من قبضة “الولاءات” و”الاحتكار” وإعادة التفكير في جدوى المهرجانات ومراجعة سياسة خفض النفقات.  الناقد المسرحي مخلوف بوكروح“اختزال الثقافة في مهرجانات مضر” يرى الباحث والناقد المسرحي، الدكتور مخلوف بوكروح، أن النشاط الثقافي الذي عرفته مختلف الولايات في الفترة الأخيرة، لا يختلف كثيرا من حيث التنظيم والبرامج عن المهرجانات التي تقام في فترات مختلفة، وهذا راجع لعدم إدراك القائمين على تنظيم هذه التظاهرات للموسم الثقافي الذي يبدأ عادة في فترة محددة مع شهر أكتوبر وينتهي في تاريخ محدد هو شهر جوان، ويرى أن الحل حتى لا يحدث انقطاع في النشاط ينعكس سلبا على الحياة الثقافية، في الاقتداء بالدول “العريقة”، التي تلجأ لوضع سياسات ثقافية لـ«الموسم الصيفي”، تتضمن برنامجا خاصا، فالمناطق التي تعرف نشاطا سياحيا كالمدن الساحلية أو الجبلية يمكن أن تكثّف نشاطها في هذا الموسم الذي يعتبر أساسيا في عاداتنا وتقاليدنا بالنظر لإقامة الحفلات والأعراس، والمتتبع لنشاط الموسم الصيفي يلاحظ أنه باهت وسطحي وموجّه إلى الاستهلاك السريع، ولا يلبي أذواق الجمهور المختلفة.يعلق الدكتور بوكروح، على سياسة “البهرجانات” المتواصلة منذ عهدة خليدة تومي لليوم، بقوله إن العمل الثقافي يحتاج إلى تنظيم وبرمجة وتخطيط كالقطاعات الاقتصادية، -وهو الذي تحدّث في وقت سابق عن أهمية إدارة أعمال ثقافية منها المسرح- ويعتبر وضع سياسة تضبط العمل الثقافي وفق خطة محكمة تعمل على تكثيف الجهود وترويج المادة الثقافية ونشرها وإيصالها لكل المناطق تحقيقا لـ “اللامركزية” أمرا ضروريا، كما يبدو له أن جهود وزارة الثقافة في السنوات الأخيرة لترسيم المهرجانات الثقافية تستجيب لهذا المسعى، لكن اختزال العمل الثقافي في المهرجانات أمر يضر بالحياة الثقافية التي هي نشاط دائم مستمر، والمهرجانات هي في الأصل تتويج لجهود المبدعين في الميدان، وتكون فرصة للتقييم والتطلع نحو الأفضل، في حين أن التظاهرات الثقافية جاءت لتكرس الظرفية والمناسباتية التي طبعت الحياة الثقافية في الجزائر منذ عقود، فكانت النتائج عكس المتوقع.في حديثه عن “الاختزال” لباقي ألوان الثقافة بسبب المهرجانات، وإن كانت وحدها “كافية” لتضمن وفرة مادة لكل الشرائح، يرى الدكتور بوكروح، أن الاعتماد الكلي على المهرجانات لإنعاش الحياة الثقافية “سياسة غير مجدية”، -يضيف- “فالنشاط الثقافي الذي يبدأ وينتهي مع المهرجان مردوده محدود على جميع الأصعدة، ولا يمكن أن يثمر بحيث يوسّع من قاعدة الجمهور للإقبال على الفعاليات الثقافية، كما أن “المتتبع لهذه المهرجانات سيلاحظ غيابا شبه كلي للجمهور باستثناء المشاركين، أي أن جمهور هذه المواعيد الثقافية يكاد ينحصر في الفرق المشاركة، ويمكن التأكد من هذه الحقيقة بإجراء استفتاء لجمهور المنطقة التي تقام فيها هذه التظاهرات، علما أن الساهرين على هذه الفعاليات الثقافية لا يشركون المجتمع المدني من مثقفين وأعيان المدينة.   قرار الوزير ميهوبي بمراجعة خريطة المهرجانات سببه الضائقة الماليةيضيف الأستاذ بوكروح، معلقا على القرار الأخير لوزير الثقافة عز الدين ميهوبي، الرامي إلى مراجعة خريطة المهرجانات، الميزانية والأيام والتوقيت، بأنه “إذا كان الأمر يتعلق بإجراء تقييم شامل والوقوف على مواطن القوة والضعف بغية تصويب الخلل في التنظيم والبرامج والإدارة فهذا مطلب ضروري، لكن يبدو أن الضائقة المالية التي تعرفها الجزائر بعد تراجع أسعار النفط هي السبب الأساسي لهذا التوجه، ويخشى أن ينعكس هذا الإجراء على الحياة الثقافية، خاصة وأن الجزائر لم تحسن استثمار الوفرة المالية منذ مطلع الألفية الثالثة، وشهدت الثقافة خمسة عشر سنة كاملة من الإسراف والمبالغة في النفقات الموجّهة للاستهلاك الثقافي السريع الزوال، بدل أن يتم التركيز على وضع سياسة وطنية تؤسس للعمل الثقافي تشمل الهياكل، التكوين وحسن التدبير”، -يضيف- “أتمنى أن تكون هناك شجاعة لتقييم شامل ودقيق لهذه الفترة والخروج باستراتيجية لمواجهة الظرف الجديد”. الروائي بشير مفتي“عيب على بلد بـ 40 مليون يسحب ألف نسخة من كتاب فكري” حاول الروائي بشير مفتي، توسيع دائرة محدودية المشهد الثقافي بالإشارة لركود سوق الكتاب، يقول “عيب في بلد تعداد سكانه أربعين مليون نسمة، ونسبة متمدرسيه تتجاوز عشرة ملايين، ولا يسحب من رواية أو كتاب فكري أو نقدي إلا ألف نسخة، أنه وضع خطير، لن تحله المهرجانات الكثيرة، بل بوضع سياسة ثقافية جديدة بعيدة المدى والابتعاد عن “المناسباتية” التي “تكرس المؤقت والعابر والتظاهر على حساب العميق والجوهري والدائم”، ولا يعد ذلك طعنا في مشروعية المهرجانات التي تبقى تحمل “رؤية عند الجهات الرسمية، لكن الغرض تغيير المنظور للثقافة وتحويلها إلى شيء حقيقي ملموس يتحسسه المواطن كل يوم ويلبى حاجيات فئات واسعة من المثقفين والكتّاب والفنانين، الذين يشعرون أنهم يعيشون في بلدهم كغرباء، وليس كأبناء لهم وجودهم ودورهم الفاعل”. كما يتساءل الروائي مفتي، عن حالة التناقض من حيث “تقبل مهرجان عربي للشعر وليس للرواية، ويبرر ذلك بقوله “نحن نعيش عصر الرواية اليوم، والاهتمام أكبر عربيا ودوليا بالرواية”، وهذا، حسبه، ليس “تجنيا على الشعر، ولكن الرواية الجزائرية تحصد جوائز مهمة عربيا ودوليا، فالأحرى الاهتمام بها أكثر”، مستغربا تخصيص “ليال للشعر العربي في قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، ولا تكون أمسيات للرواية العربية، أو ملتقيات للفلسفة العربية، فالثقافة العربية ليست شعرا فقط الذي هو جزء بسيط في متن الثقافة العربية الواسعة والمهمة”، يقول “لست ضد الطرب والغناء إن كان يستحق ذلك ويهتم به الجمهور فعلا، ولكني ضد مفاضلة نوع فني أو أدبي على البقية”، كما يتأسف لتواصل “السياسة الثقافية المعوجّة وغير القادرة على أن تكون في مستوى بلد كبير كالجزائر، وفي مستوى تطلعات أهل الثقافة الحقيقيين وليس المزيّفين، وقادرة على تلبية ما يحتاجه جمهور الثقافة”.  المنشد عبد الجليل آخروف“لا وجود لسوق ثقافية في الجزائر” يعتبر المنشد عبد الجليل آخروف من ولاية قسنطينة، أن المهرجانات تمثل تجمعات يعرض فيها العمل القاعدي، أي أنه يفترض أن نؤسس أولا لإنتاج الثقافة محليا وفق عمل قاعدي، ولكن هذه الغاية منها يراها مفقودة، لذلك فهو يقول “للأسف هو غير موجود على الإطلاق، لهذا تفشل كل تلك التجمعات أي المهرجانات، لأنها أصلا تعرض سلعة محلية ضعيفة تفتقر للصنعة، وهذا لغياب مشروع متكامل يؤسس لمرحلة نصنع فيها نحن الثقافة، صحيح الاحتكاك بالآخرين أي بالثقافات العالمية من شأنه أن يكسبنا مهارات ومعارف جديدة، وهذا في كل الفنون، ولكن ذلك لن يكون إذا كان المثقف الجزائري عديم الرؤية ولا يحمل مشروعا. كما يرى المنشد آخروف، أن السوق الثقافية لا وجود لها في الجزائر، لذا فأغلب المثقفين ينضوون تحت مريدي الريع تماما كما يحصل في باقي المجالات، وما دعا إليه وزير الثقافة من إعادة النظر في آليات المهرجانات والتجمعات الثقافية أمر جيد، على أن لا يحصر النقاش مع الإداريين في الوزارة والمثقفين الدائمين المعروفين في الفترينات الثقافية التي صنعتها المرحلة السابقة، لا بد وأن يوسّع النقاش للمثقفين بكل اتجاهاتهم، والبحث عن طريقة تمكّن لوزارة جمع بنك من الاقتراحات، وأن تفتح النقاش واسعا حتى تتفادى عودة سقوط الأمر في أيدي عصبة من المنتفعين”، كما يشير آخروف إلى أنه “لا يعني أن آلية المهرجانات كانت فاشلة تماما، فيوجد مهرجانات محترمة قدمت ثقافة نوعية للجزائريين، يجب أن تثمّن وتدعّم”. الإعلامي والكاتب سعيد خطيبي“تظاهرة قسنطينة حشدت لها المليارات ولم تخرج من القاعات” يقيّم الإعلامي سعيد خطيبي، الصيف الثقافي في الجزائر بأنه “كان وما زال فصل ركود والعطل والإجازات وتبرير “الأعطاب” التي تتوالى من شهر لآخر، كان يمكن أن يكون الصيف فصل التفاعل الثقافي بامتياز، أن يخرج المواطن من كسله، ويعيد مصالحته مع السينما والفن التشكيلي والمسرح، لكن الخيارات المنتهجة في تسيير القطاع تريد العكس، تواصل مخاصمتها لجمهور الثقافة، فعدا بعض المهرجانات الموسيقية، والتي صارت في السنوات القليلة الماضية تنظم في عجل، مع تكرار دائم للأسماء نفسها من الفنانين المدعوين، لا شيء آخر يتحرك، ورغم أن قسنطينة تحتضن، هذا العام، تظاهرة حشدت لها مليارات وكتائب من الموظفين، فلا يكاد حسيسها يخرج أبعد من القاعات التي تحتضن النشاطات المحتشمة، والتي تعجز عن إقناع الجمهور. كما يؤكد، على أن “المهرجانات هي نشاطات أساسية في أي حراك ثقافي في كل بلد يسعى لتحقيق الاستثناء، بتنظيم مهرجانات لها صدى وحضور وتأثير، والجزائر تمتلك قائمة مطولة من مهرجانات دولية ووطنية ومحلية، وهي مهرجانات نالت ما تستحق من أظرفة مالية، لكنها لم تحقّق في جلها المطلوب منها، والسبب واضح من البداية، هو عدم احترامها للخصوصيات الثقافية، سقوطها في الابتذال ونزعتها لـ “فلكلرة” العادات والتقاليد، وعدم استيعابها لحقيقة تغيّر الجماهير والأذواق والميول، فأفرغت المهرجانات من قيمتها، مثخنة بولاءاتها لمنظميها وعلى مستويات متعددة، ومبتعدة أكثر عن الجمهور الذي يعتبر الرقم الأهم في كل مهرجان، وفي الجزائر هو الرقم الأضعف، فهناك مهرجانات لا يسمع عنها حتى سكان المدينة التي تُقام فيها.حرروا القطاع من الجهويةطالب خطيبي، بتحرير المهرجانات من قبضة “الولاءات” وإعادة التفكير في جدواها بما يناسب خيارات الجمهور بتنوعاته”، يقول “من غير المعقول أن تستمر مؤسسة واحدة في تسيير ثلاث مهرجانات موسيقية كبرى في ثلاثة ولايات منذ سنوات، رغم عجزها على تحقيق إجماع وسط الجمهور”، ويرى أن المشهد الثقافي صار يعكس جزءا من الصورة العامة للبلد، من حيث تمكين شعراء فنانين ومخرجين لأن يسيّروا مهرجانات لهذه الأنواع، ويرى أن القطاع سيكون أفضل لو تحرر من انتماءاته الجهوية وتملقه المفرط للسياسي.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات