باعة العقال من النخب التي تَسأل قبل أن تقول، وتُهمز قبل أن تغمز، وجزء من الحشو والتضليل الإعلامي الذي رافق خبر تنحية مدين من على رأس جهاز المخابرات، كان يحاول بقصد، رسم صورة نهاية حكم العسكرتارية وبدء التوجه إلى الدولة المدنية.وحدهم باعة في سوق الطحطاحة من يحاولون إقناع الناس بأن الزعتر دواء للصرع، تغيير مسمى لا يُبرئ البلد من حكم العسكر والشخص الواحد. وإذا كان تغيير قائد جهاز المخابرات، يصبح عنوانا للدولة المدنية، فذلك يعني أن العنوان نفسه يصرف حين سلم يزيد زرهوني قيادة المخابرات إلى لكحل عياط، وحين سلّم الأخير قيادة الجهاز إلى محمد بتشين، وحين سلّم بتشين الجهاز إلى توفيق. وإذا كان تغيير الرئيس لمدير الجهاز يعني أن الأخير لم يعد نافذا في المشهد السياسي، فهل كان ذلك صحيحا حين نحى الرئيس الراحل الشاذلي قاصدي مرباح وعيّنه وزيرا للفلاحة، وحين نحى محمد بتشين وعيّن مدين؟نحن بصدد سلطة تعرض الديمقراطية وأدواتها على واجهة دكاكينها، لكنها ترفض من يبتاع منها في الوقت نفسه. البلد بصدد مرحلة انتقالية تستكمل فترات الانتقال إلى الانتقال ليس إلا، والأزمة التي تسحقنا تدفعنا إلى انتقال من دولة العنفوان الثوري بكل ما لها من مجمل ومحمل، إلى شخصنة الدولة، والمأزق الذي يجرنا إلى الرجعانية، ينقلنا من شهقة حكم الأضلاع، إلى زفير حكم الضلع الواحد .لا يمكن أن يؤسس الحكم الفرداني للمدنية بأي حال من الأحوال، ليس في التجارب التي تلمّسنا، ولا في تلك التي نقرأ ما يقر بذلك، الدولة المدنية تتأسس عبر دستور مدني يصار إليه بتوافق جدي، يضمن للبرلمان سلطة، ويخضع الحكومة للمساءلة، ويؤسس لاستقلالية العدالة، ويطلق سراح وحرية الصحافة، ويضع أجهزة المخابرات والأمن تحت زأرة القانون، ويضع أدوات التغيير الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة برسم الواقع.. ليس في الواقع السياسي ملمح واحد مما سبق. لا نذكر تجربة تركيا وماليزيا، فبعض من يتحسسون من الأسماء يلقون الحبل مبتلا، لكن الرسم عن ألفونسين في الأرجنتين الذي أخرج البلد من حكم العسكر قد يفي بذلك.. وعن سيدة الشيلي باتشليه، التي نقلت البلد من الدكتاتورية إلى المدنية، وعن ليخ فاليسا في بولندا التي كانت تحكمها المخابرات، بولندا بلد تقاسمنا معه تجربة الاشتراكية، وتقاسمنا التاريخ أيضا، بدأنا التحوّل في اللحظة نفسها عام 1989، صرفت بولندا 26 مليار أورو لإعادة نقل اقتصادها من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد ناجح في ظرف 13 سنة، وفي مثلها من الزمن صرفنا 700 مليار دولار وغرقنا في وحل النفط أكثر. نجحت بولندا في إصلاح الأجهزة الأمنية ونقلها من خدمة الحزب والعصبة، إلى خدمة الدولة، ونجحنا في نقل الأجهزة الأمنية من عصبة إلى عصبة.. نجحت بولندا في طرح أدوات الدولة المدنية، والشفافية في إدارة المال العام، حيث في قلب وارسو شاشة عملاقة تكتب كل لحظة أرقام الدَّين العام الداخلي والخارجي، ونجحنا في تجديد أدوات التزوير ومصادرة الاقتراع الحر .إلى أين انتقل البلد إذن في تجربة حكم العهدات الأربع وبأي كلفة.. كل منا يتحسس حيه ومستوصفه ومدرسة نجله، إن كان أحدكم سعيدا بما رأى... فليرفع يده .الجزائر: عثمان لحيانييا عثمان.. يشرّفني أن تفعل بي في هذا العمود ما فعل بوتفليقة برفيقه في الحكم توفيق بعد 16 سنة من الصحبة الخالصة..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات