يرسم المقربون من الجنرال توفيق، أو الذين عملوا معه، صورة “إنسانية” لهذا المسؤول الغامض الذي نسجت من حوله “الأساطير”، سواء بمعناها الإيجابي عند أنصاره أو بمضمونها السلبي عند مناوئيه. ورغم أن المنصب الذي تولاه “توفيق” طيلة 25 سنة، كفيل بأن يجلب له الأعداء كما المحبين، إلا أن معظم الشهادات التي يقبل أصحابها التصريح بها علانية ترفض أن تنتقده أو تذكره بسوء، وكأن الذي كان يسميه كبار مسؤولي الدولة “الماجور” قد رحل لكن ظله لا يزال يسكنهم. “توفيق رجل بلا وجه، لا يرغب في أن تؤخذ له صورة أو يظهر على الملأ”، يقول أبو جرة سلطاني، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، الذي يسترسل قائلا: “اسمه أصغر بكثير من الأسطورة التي نسجت حوله، ربما لأنه اشتغل في مرحلة تقتضي أن يكون الأمني مهيمنا على السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، فصارت صلاحياته بلا حدود”. سلطاني: كانت له حياتانيعرف سلطاني توفيق على أن له حياتين. الأولى متعلقة بالمهنة وهي “غارقة في السرية والكتمان”. والثانية حياة شخصية عادية هو فيها “حريص على أن يأخذ حقه من الصلاة والعبادة”. وفي هذه يضيف أبو جرة: “رافقت الجنرال توفيق لأداء مناسك الحج ذات سنة ورأيت حرصه على العبادة”.أما الصفات الإنسانية في شخص توفيق، فيلخصها أبو جرة سلطاني في أنه “هادئ جدا لا يستثار ولا يستفز ولا ينفعل، كما أنه مستمع لبق قليل الكلام، ومتواضع في لباسه وأكله وجلوسه”. وينتهي أبو جرة إلى أن توفيق “كان ذكيا يتغابى”، أي أنه “لم يكن يشعر محدثه بأنه يملك المعلومة وينتظر سماعها منه”. ويروي سلطاني أنه التقى توفيق أول مرة عندما كان في مستشفى عين النعجة بعد محاولة اغتياله سنة 1994، وآخر مرة كانت سنة 2011. “زارني هو والوزير ڤيدوم سنة 94 واطمأن على صحتي، معتذرا لي أنه تأخر لليوم الثالث من استشفائي، وعلل ذلك بأنه لم يسمع الخبر، فمازحته قائلا: كيف ذلك وأنت إذا انكسر عود في الجزائر تسمع به؟ فرد علي بابتسامة”.بلعياط: لم يكن يشعر بالتفوقأما الوجه المعروف في الأفالان عبد الرحمن بلعياط، الذي تقلد مناصب وزارية سمحت له بالاحتكاك بالجنرال توفيق، يقول عنه: “كان يجعل مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات، سواء تعامل مع الأحزاب الوطنية أو الديمقراطية أو الإسلاميين، ليس له تحيز لأي كان ولا يشعر بالتفوق عندما يتحدث”. يضيف بلعياط: “أحفظ له أنه كان يقول إن البلاد لابد أن تتقوى بكل قواها السياسية، شرط أن نحافظ على مكاسبنا الثورية”. وحول ما إذا لمس عنده توجهات معينة في الأفكار والأيديولوجيات، يقول بلعياط: “لديه اعتزاز بكل مكونات الشخصية الوطنية، فهو يعتز بالعروبة والأصالة الأمازيغية وبجزائريته عموما”. مزراڤ: راسلته في 1994والتقيته في 2006ولمدني مزراڤ، أمير ما يسمى بالجيش الإسلامي للإنقاذ، الذي فاوضه جهاز المخابرات في الجبل للنزول، رأي أيضا في الجنرال توفيق. يقول مزراڤ: “توفيق رجل هادئ يحب الاستماع، متواضع ولم أجد فيه الصفات التي يتحدثون عنها، لكنه غامض أيضا ويخفي وراء عينيه أشياء”. يحكي مزراڤ أنه “تعامل مع توفيق بالمراسلة منذ سنة 1994، وبعد تكليف إسماعيل العماري بملف الجيش الإسلامي للإنقاذ صار هذا الأخير الحليف والصديق نهائيا”. ويقول: “بعد نزولنا من الجبل، التقيت توفيق سنة 2006، لأن الحاج (إسماعيل العماري) كان غائبا، وذكرني في الأيام التي تراسلنا فيها”. سيفي: “الهالة” صنعها مقربوه لقضاء مصالحهمويبدو مقداد سيفي، رئيس الحكومة سابقا، عند سؤاله عن الجنرال توفيق، متأثرا من العبرة التي يمكن استخلاصها من مشهد الرحيل. “في كلمة لي ألقيتها يوم 9 جانفي 1995، بمناسبة ندوة إعادة الهيكلة الصناعية، قلت إن المسؤولين سواء أولئك الذين يساهمون في صنع القرار أو أولئك الذين يشغلون مناصبهم لفترة معينة، عليهم أن يدركوا بأن قراراتهم والأخطاء المحتملة لها سيتحملها مواطن اليوم وأجيال المستقبل، لذا علينا أن نحرص على أن نترك للأجيال الصاعدة تراثا وإرثا سليما وواعدا”.ويقدم سيفي، الذي عاصر توفيق في أحلك ظرف مرت به الجزائر، قراءة لشخصيته فيقول: “لقد ذهب اليوم للتقاعد كحال كل الناس وسيحكم التاريخ على ما قدم للبلاد. أما على المستوى الإنساني فكان طيبا فعلا، ذكيا، لا يفرض رأيه على الآخرين”. ويستدرك: “أنا أصلا لم أكن أقبل أن يفرض علي أحد رأيا وإلا لكنت استقلت”.ويعتبر رئيس حكومة الرئيس زروال أن “الهالة المصنوعة حول توفيق، نسجها مقربون منه لقضاء مصالحهم، فهناك من حاول ربط علاقة معه وتخويف الآخرين بأنه يعرف “الماجور” (تسمية تطلق على توفيق). لكن الشهادات الإنسانية لا يمكن أن تلغي، حسب مقداد سيفي، حقيقة أن “النظام في الجزائر كان فاسدا. لا أقول ذلك اليوم ولكني نددت بذلك وأنا رئيس للحكومة”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات