القوى العالميـة متفقـة على أن تظـل القضيـة الصحراويـة عالقة

+ -

بداية، كيف جاءتك فكرة كتابة مؤلف عن الصحراء الغربية الذي يحمل عنوان “قصة رحلة وإن طال السفر”؟ الفكرة جاءتني بعدما زرت الصحراء الغربية بدعوة من دار النشر “لامارتان” التي تديرها الشاعرة نانا رشيد، وكنت – والحمد لله - لوحدي أنظر بطريقة مختلفة بيني وبين نفسي وأسمع صوت ضميري، عندما وصلت إلى الجزائر توجهت أولا إلى متحف المجاهد، رفقة محمد العشي ومليكة إحدادن، وقمنا بجولة سريعة في العاصمة، وعند منتصف الليل توجهنا إلى قاعة الخطوط الداخلية الجزائرية، هناك شممت رائحة الصحراء، والنساء ملتحفات بالملحفة بمختلف الألوان، ووجدت الكثير من الأجانب متجهين إلى تندوف، وعرفت أنهم يزورون مخيمات اللاجئين بانتظام وأغلبهم من الفرنسيين والإسبان، وكنت طوال الوقت أرتشف القهوة وأشرب سجائر حتى لا أنام من تعب السفر، عيوني تمسح المكان وفي دماغي هذه القضية التي بدأت تقريبا سنة 1960 أو 1962 في أروقة الأمم المتحدة تحت عنوان تصفية الاستعمار، وكانت وكالات الأنباء ترصد أخبارا حولها عندما تم تشكيل جبهة البوليساريو والجمهورية الديمقراطية الصحراوية، وكذا المسيرة الخضراء التي عملها الحسن الثاني، وفجأة كل هذا اختفى وكأنه تم إسدال ستائر النسيان على هذه القضية.ولماذا تم إسدال ستائر النسيان على هذه القضية كما قلت؟ القوى العالمية فيما يبدو لا ترغب في ظهور دولة جديدة، بالرغم من أنها سمحت من قبل بقيام تيمور الشرقية، وهي جزء من إندونيسيا، وسلخوا جزءا من السودان وأقاموا دولة في الجنوب، لكن يبدو أن هناك اتفاقا على أن تظل هذه القضية عالقة.. نشطت الذاكرة مرة أخرى بالقراءة في مذكراتي عن القضية وبدايتها، ومنها قرار محكمة العدل الدولية سنة 1975 لما لجأ المغرب وموريتانيا لها بدعوى أن المغرب قدم مستندات تقول إن هناك خلال التاريخ اتفاقيات بين المغرب وشيوخ المنطقة، وهذه الاتفاقيات تؤكد ملكية المغرب للصحراء الغربية، وموريتانيا وقتها قالت إن عادات وتقاليد الشعب الصحراوي تتشابه تماما مع تقاليد الشعب الموريتاني، وبالتالي لهم الأحقية في الأراضي، والمعروف أن محكمة العدل الدولية قراراتها استشارية غير ملزمة، أصدرت قرارا لم تعترف به بكافة المستندات التي تقدم بها المغرب، وقالت إنها لا تؤكد أن المغرب كان يوما ما يمتلك هذه الأرض، وموريتانيا كذلك، وبعد حكم المحكمة سمعنا عن حكاية المسيرة الخضراء، قوامها 350 ألف شخص زحفوا نحو الصحراء ناحية الشمال وموريتانيا أخذت الجنوب، بعدها موريتانيا انسحبت وبقي المغرب، والمعروف عبر التاريخ أن القوى الاستعمارية لا تنسحب من مكان إلا وتترك “مسمار جحا”، ففي مصر الاستعمار الإنجليزي وضع حدودا بيننا وبين السودان وحلايب وشلاتين، وعمل أيضا مشاكل بين قطر والبحرين فيما يتعلق بـ«جزر حوار”، أما في الصحراء الغربية فالوضع كان مختلفا، فإسبانيا خرجت وتركت المغرب ورفعت يدها تماما، لكنها بقيت مستفيدة من هذا الوضع بطريقة أو بأخرى، هناك مثلا منجم الفوسفات في منطقة بوكراع، هذا المنجم إذا عمل بكامل طاقته سيجعل المنطقة الصحراوية كويت أخرى، وهذا الكلام قاله الرئيس بوتفليقة عندما كان وزيرا للخارجية عام 1975، خلال لقائه بكيسنجر (وزير الخارجية الأمريكي آنذاك) بالسفارة الألمانية بباريس، هذه الجزئية تبين ثبات الموقف الجزائري خلال 40 سنة، الجزائر تقول إن القضية ليست قضيتها، وأن من يقرر الصحراويون ونحن معهم، وهذا المنجم يجعل الجمهورية الصحراوية ثالث منتج للفوسفات على مستوى العالم بعد أمريكا والمغرب، كما أنه لا توجد أرقام تكشف مدى استفادة الرباط من هذا المنجم المدار بشراكة إسبانية مغربية، لكن إسبانيا تقول إن دخلها من المنجم 660 مليون دولار سنويا، أضف إلى ذلك أن الجمهورية الصحراوية تطل على المحيط وجزر الكناري، ودائما الممرات المائية تكثر فيها الأسماك بمختلف أنواعها، ويوجد بالمنطقة 200 نوع من الأسماك، أهمها السردين والتونة، وإسبانيا والمغرب مستفيدان، ويعطيان تصاريح صيد في هذه المنطقة، وقد أصبحت مراكب الصيد بها مصانع تصطاد السمك في المحيط ويتم تعليبها وبيعها للأسواق مباشرة، وبالتالي أصبحت الصحراء الغربية مطمعا للمغرب وإسبانيا.وهل وجدت صعوبة في نشر وطباعة مؤلفك؟❊في الحقيقة، أنا طبعت الكتاب على نفقتي الخاصة، إذ لا يوجد ناشر سينجزه بالسرعة ولا الجودة التي خرج بها، ثم إن الناشر يريد أن يخفف التكلفة زيادة عن اللزوم، كما أنه لا يوجد ناشر حكومي ينشر هذا الكلام، والخاص يكون غاليا، فاضطررت لتحمل تكاليفه وخفضت عدد الصفحات.ألم تكن متخوفا من المضايقات المحتملة من النظام المغربي، خاصة بعد تهجمه على الوفد المصري الأخير الذي زار الأراضي الصحراوية؟ أنا لست صحفيا صغيرا وأعمل بالمهنة منذ 40 سنة، ولا أبالي بهذه المضايقات السخيفة، وطوال حياتي المهنية لم أكن أصبو إلى منصب ما، وتم ترقيتي طبيعيا إلى أن أصبحت نائب رئيس تحرير جريدة “المساء”، وبلغت سن التقاعد وأصبحت كاتبا متفرغا أكتب عمودا أسبوعيا اسمه “عين الطائر”، أنا أعلم المخاطر التي من الممكن أن أواجهها قبل أو بعد الرحلة، وقد سافرت إلى عدة بلدان ومناطق فيها نزاعات، وكنت من أكثر الصحفيين المصريين الذين كتبوا عن الأكراد أيام صدام حسين، وأنا قنوع بأنه لن يصيبني إلا ما قدر الله لي، والصحفيون الذين زاروا الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، لأن هذا المسمى يتعب بعض الناس، زاروها بصفتهم الشخصية، ولم تبعثهم الدولة أو مؤسساتهم، هؤلاء ذهبوا إلى هناك للوقوف على معاناة الشعب الصحراوي وحياتهم، وينقلون ما رأوه، أحيانا السارق يخشى من أي أحد يحوم حول ما سرق، ويريد ألا يرى أي شخص ما سرق، أنا رأيت هناك شعبا وأرضا، وهنا أنا لا أريد مهاجمة المغرب، هؤلاء الناس لديهم الحق في تقرير المصير، والاستعمار أصبح الآن موضة قديمة، لا نسمع إلا عن الاحتلال الإسرائيلي، وصحفي في سني صعب أن يخاف، من خلال تجاربي وتاريخي المهني، وأنا لم أكتب الكتاب للاسترزاق منه، وإنما باقتناع تام بأن هؤلاء الناس أصحاب قضية، ولا يهمني غضب المغرب، أنا كتبت بحرية، وحرية الرأي والتعبير تضمنها المواثيق الدولية.المتتبع للقضية الصحراوية يلاحظ بأن القضية لاتزال جامدة بين أروقة الأمم المتحدة، ألا تعتقد أن الأوان قد حان لتحويل الملف إلى جامعة الدول العربية، لحل القضية؟ بالفعل.. أعتقد أنه لو تعرضت الجامعة العربية للقضية ربما تكون أفضل من الأمم المتحدة، حيث إن آخر المحاولات كانت مقترحات جيمس بيكر الشهيرة الأربعة المعروفة، إنما لو تدخلت الجامعة العربية وأفهموا المغرب أن هؤلاء الناس لهم حق تقرير المصير، لتغير مسار القضية، لكن الجامعة مشغولة وأجنداتها غريبة الشكل، تهتم دائما بالأماكن الملتهبة، وكأنها تعمل دور رجل إطفاء حريق، في اليمن وليبيا وغيرهما من المناطق الملتهبة، بينما الصحراء نائمة الآن، هذه المشكلة، وعليه يجب أن يكون هناك مساع مع المغرب من الممكن أن تصل لحل.ولماذا لم تأخذ القضية الصحراوية حيز الاهتمام على غرار قضايا وأزمات مشابهة؟ في وقت من الأوقات كان مسلطا عليها الضوء، والناس هناك تكافح على جميع الأصعدة، والاتحاد الإفريقي يعترف بها ولديها ممثلون في لجان الاتحاد، ربما لأن إفريقيا أكثر الدول إحساسا بمعاناة المحتلين، ووقفت بطريقة ما مع الجمهورية الصحراوية، لكن هناك حديث عن أن الأمم المتحدة ستنظر مرة أخرى للقضية، وفعلا لو تدخلت الجامعة ممكن تحل المشكلة وتضع لها نهاية، الشعب الصحراوي الآن يعيش بمساعدات من الاتحاد الأوروبي، على أمل أن تصبح لديهم يوما ما جمهورية يعترف بها العالم، هو عنده هذا الاصرار ولابد أن يتحقق هذا الكلام.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات