سائقو سيارات أجرة بعقلية"كلونديستان" 

+ -

شركة تضع تحت تصرف سائقيها سيارات أجرة، لكن تطلب منهم تسديد مبالغ يصعب تحقيقها، فجعلتهم يكدّون في العمل ودفعت بالبعض منهم إلى استعمال حيل ومخالفة القانون سعيا لاحترام العقد المبرم مع المؤسسة. ”الخبر” تقمصت دور مواطن أغراه المشروع واقتربت من الطرفين لمعرفة خبايا نشاط دفعتهم على ممارسته ظروف قاسية. تبدو الأمور من الوهلة الأولى سهلة للغاية، وترى فيها فرصة عمل مربح براتب شهري يقدّر بـ 18 ألف دينار جزائري، إضافة إلى عائدات العمل بسيارة أجرة موضوعة تحت تصرفك على مدار 24 ساعة منذ إبرامك العقد.ومن أهم بنود العقد يدفع السائق مبلغ  2500  أو 3 آلاف دينار جزائري يوميا، حسب مقاعد السيارة، وإن سارت الأمور كما هو متفق عليه لـ 4 سنوات، يحق للمتعاقد مع الشركة امتلاك السيارة، غير أنه حين يجري عملية حسابية يجد أنه اشترى السيارة بأربعة أضعاف قيمتها الحقيقية،  أي بـ 452 مليون سنتيم، في حين أن سعرها لا يتعدى 100 مليون سنتيم جديدة. وتشير تعليمة معلقة بمدخل الشركة إلى أن كل تأخر في دفع مستحقات السيارة كل أسبوع للشركة ينجرّ عنه سحب السيارة ومنحها لسائق آخر، وهو الإجراء نفسه في حالة العطل المرضية او سحب رخص السياقة.تحريضتقمصنا دور مواطن أغراه المشروع وأراد إبرام صفقة مع شركة ”كيري كوم” للنقل الواقعة بالمنطقة الصناعية بالرويبة، واقتربنا من مكتب المكلفة باستقبال ودراسة الملفات، التي شرعت في شرح القانون وشروط العمل معهم، ملخّصة الأمر في ”الأهم في الصفقة هو الوفاء بتسديد المبلغ المطلوب منك كل أسبوع في موعده”. هكذا شرحت لنا المكلفة باستقبال الملفات طريقة العمل، والغريب أنها حرّضتنا على التحايل على الزبائن، وفي ردها على سؤال حول الطريقة المثلى لتحصيل مبلغ 3 آلاف دينار جزائري يوميا، قالت ”عندما نمنحك سيارة الأجرة من الأحسن الاستغناء عن العداد المتوفر داخل السيارة”، لأنه حسبها ”لا يوفر الكثير من المال”، وأضافت بصريح العبارة ”أخدم بالكورسات أحسن وتجنّب الطرق التي تشهد زحمة مرورية”. فاجأتنا المتحدثة بتلك الوصفة والنصائح التي تجعل منك سائق أجرة ”سفاح” يمتص جيوب المواطنين، وواصلت بشأن تأمين العمال ”لا تأمين للعمال إلا بعد 6 أشهر من العمل الجاد مع الشركة”. خرجنا من بهو ذلك المكتب والغموض يعصف بأذهاننا، وفضلنا النزول إلى الميدان والتكلم مع سائقي الأجرة، علنا نفك رموزا أكثر عن ذلك المشروع الغامض. أجور عالقة لأكثر من 9 أشهر“كاش جديد” هي كلمة السر بين سائقي الأجرة في إشارة إلى مشكل الأجور التي لا تزال عالقة منذ أكثر من 9 أشهر. بمجرد سماعه تلك العبارة استرسل يبوح لنا بكنوز أسراره ”ليس هناك أي جديد منذ 5 أشهر من الانطلاق في العمل معها” أما فيما يخص ديونه اتجاه الشركة، قال إنه ”يدفعها بانتظام” كل أسبوع، وفي رده عن كيفية توفيره لتلك المستحقات، كشف قائلا ”لا أخفي عليك، أعمل بالكورسات وبأسعار مرتفعة وناذرا ما أستعمل العداد،هدفي الأول توفير ما قيمته 2500 دينار جزائري يوميا زائد 500 دينار جزائري (تكلفة البنزين) بأي طريقة”. لم يعرف محدثنا الراحة منذ استلامه تلك السيارة، يعمل ليلا نهار يتنقل في كل الاتجاهات وسيارته لا تبرح مكانها. سائق آخر لا يختلف عن سابقه، كان هو الآخر كلونديستان قبل أن يلبس ثوب سائق الأجرة بانضمامه إلى صف الشركة، إلا أن عقلية الكلونديستان لا تزال راسخة في ذهنه وحتى أن مظهره لم يكن لائقا وهو يجر في خفه. كان في مهمة اصطياد إحدى زبائنه المفضلين بالقرب من ساحة أول ماي بالعاصمة، أما مساء فلديه زبائنه الخاصين به في مواقع مختلفة من العاصمة، كالحانات والملاهي الليلية وغيرها. على حد قوله. وفيما يخص تسديد ديونه أضاف: ”أنا أدفع ديوني كل شهر أو شهرين ولا أكلّف نفسي مشقة التنقل أسبوعيا إلى المديرية” وقال أيضا ”أدفع مبلغ 42 ألف دينار جزائري كل أربعة أسابيع”. فاستفسرنا عن مبلغ 1800 دينار جرائري المتبقية فأجاب قائلا ”هو مبلغ راتبي الشهري الذي أقتطعه مسبقا من الإجمالي”.       شروط تعجيزية تنتهي بمتابعات قضائية الجزائر العاصمة، البليدة، بومرداس وتيبازة، ممنوع تجاوز حدود هذه الولايات حسب قوانين الشركة، وإلا تدفع ضريبة بقيمة 30 ألف دينار جزائري. كما أنه لا يمكنك تغيير زيت السيارة ومستلزماتها، خارج الشركة التي تفرض عليك دفع مبلغ 5 آلاف و900 دينار جزائري بعد 10 آلاف كيلومتر الأولى من السير، و3ألاف و800 دينار جزائري للمرات الأخرى التي تليها، حسب ما أوضحنه لنا موظفات مكتب الاستقبال لورشة خدمات ما بعد البيع. ورغم أن العقد ينص على أن مصاريف التشحيم الأول للسيارة تتحمله الشركة، لكن على أرض الواقع عكس ذلك تماما، فالسائق يدفع الثمن من جيبه، ناهيك عن اليوم الذي يمضيه داخل الورشة من الصباح الباكر إلى المساء. دفعت تلك الشروط التعجيزية التي يصطدم بها السائقون، إلى التحايل على زبائنهم والخروج عن الأطر القانونية وتعليمات وزارة النقل. فبعد أن أصبح شغلهم الشاغل تحصيل المبلغ المستحق دفعه للشركة في المواعيد المحددة، بغض النظر عن الضرر الذي يطال الزبائن. على حد قول عيّنة ممن تحدثنا إليهم، الشيء الذي شوّه سمعتهم، بحكم عدم احترامها القانون وعدم انضباط بعض السائقين، فتجدهم خلال مهمتهم الصعبة في سباق مع الزمن، يفرطون في السرعة ويقومون ببعض التجاوزات على حساب زبائنهم، كما فضل بعضهم حذف الرقم المدوّن على سياراتهم والخاص بهم لكي لا يتم التبليغ عنهم في هذه الحالات من طرف الزبائن. من خلال تلك الجولة، اتضح لنا أن أغلب السائقين سبق لهم العمل في ظروف مماثلة كسائقي أجرة كلونديستان قبل التحاقهم بتلك الشركة، مما سهل عليهم التأقلم مع الوضع الجديد نظرا لتجربتهم الكبيرة في الميدان ومعرفتهم الجيدة لثنايا وأزقة العاصمة. أما من يجهل خبايا تلك المهنة ويعتمد أثناء نقله للزبائن على العداد فقط، سيستحيل عليه التوفيق في تلك المهمة الصعبة. حسب ما كشف عنه أحد السائقين.   سائقون رهائن للشركةونحن نهمّ بالخروج من المكتب، التقينا أحد السائقين الذين تنازلوا عن السيارة بعد استحالة عملهم في تلك الظروف، وبمجرد أن بادلناه أطراف الحديث، راح رب الأسرة يكشف عن علبة أسراره: ”عملت مع الشركة لمدة 4 أشهر” وبنبرات ندم يضيف ”كنت نخدم عليهم ولم أتقاض أي راتب، لست عاق الوالدين لكي أحتال على الزبائن، إضافة إلى ذلك حين تعطلت سيارتي أجبروني على ركنها في الحظيرة وأخذوا مني رخصة سياقتي”. وجد نفسه رهينة الشركة لمدة فاقت 3 أشهر، وضيّع أكثر من فرصة عمل بسبب حجز رخصة سياقته. يتنقل محدثنا يوميا عشرات الكيلومترات من دون سيارة للوصول إلى المكان المنعزل لاسترجاع رخصته، لكن من دون جدوى، ثمّ طالبوه بتسليمهم شيكا على بياض وتسديد ديون وهمية استحدثوها له، على حد قوله، لتيقّنهم أنه ينوي التخلي عن منصبه.رافقنا السائق إلى نفس المكتب للمطالبة بوضع حد للمعاناة التي أنهكت كاهل عائلته لمدة فاقت 3 أشهر من دون عمل ولا رخصة سياقة. أصر عبد القادر على رؤية أحد القائمين على شؤون الشركة يدعى ”الحاج” لكن موظفو المكتب أخبروه بأنه غائب، وبقينا ننتظر في المكتب، وفي لحظة غضب يثور مرافقنا بعد أن نفذ صبره، قبل أن يخرج ”الحاج” من مكتبه الزجاجي في محاولة منه لاحتواء الوضع وتهدئة الأعصاب، لنفاجئه بسؤال حول وضعية أجور السائقين التي لا تزال عالقة لمدة طويلة، فرد ”الحاج” قائلا بلهجة لا تخلو من الألفاظ المشينة: ”حقوقك ضاعت منك لأنك تخليت عن منصبك ولا تستلم رخصة سياقتك حتى تتقدم بشيك على بياض وتدفع مبلغ 4900 دينار جزائري نقدا”، ليعاتبه كمال قائلا أنه مدين للشركة بما قيمته 5400 دينار جزائري (رواتب 3 أشهر من العمل مع الشركة)، لكن المدير انصرف إلى مكتبه متحاشيا مواصلة الحديث معنا”.  صك بنكي على بياضمن بين تلك الشروط، اللامعقولة، إلزامية تسليم شيك على بياض للشركة قبل استلامك السيارة كضمان. استفسرنا من المسؤول عن الغرض من إدراج الشرط الجديد الذي يبدو غير معقول، فرد قائلا ”الكثير ممن استلموا السيارة لا يدفعون مستحقاتهم الأسبوعية، لهذا استحدثنا هذا الشرط كضمان”.  شرط يراه المحامي والناشط السياسي عمار خبابه مخالفة يعاقب عليها القانون، حيث أوضح في اتصال هاتفي مع ”الخبر” بأنه ”ينظر للشيك على أساس أداة دفع وليس ضمان”، وأضاف ”يعاقب القانون كلا الطرفين سواء المستفيد عليه والساحب”.الغريب في أمر الشركة، تفرقتها بين السائقين، فهناك من لم يدفع شيكا على بياض ولا يسدد ديونه بانتظام ولا يلتزم بصيانة سيارته داخل الشركة، بينما آخرون تفرض عليهم شروط فوق المستطاع وتجدهم يكدون في العمل من دون انقطاع خوفا من أن تسحب منهم السيارة.المدير العام لشركة ”كيري كوم” للنقل” لـ”الخبر””السائقون يستفيدون من أجرتهم بأثر رجعي” نفى المدير العام لشركة ”كيري كوم” للنقل، الذي رفض الإفصاح عن هويته، عدم استفادة عمال الشركة (السائقين) من أجورهم الشهرية، قائلا ”حسب ما ينص عليه العقد، يستفيد جميع العمال من أجورهم ابتداء من الشهر السابع من العمل بأثر رجعي”، وأضاف ”بعد ستة أشهر من العمل الجاد يتم تأمين العمال بصفة تلقائية”، ورغم أن جميع السائقين يجددون عقدهم كل 3 أشهر، إلا أن المدير الذي طلب منا أن نناديه ”الحاج”، فنّد الأمر قائلا إن ”العقد الممضي يدوم 4 سنوات”.كما لم ينكر المتحدث ذاته، أن بعض العمال الذين تم توظيفهم ارتكبوا عدة تجاوزات، ومنهم مثلا من اعتدى على الزبائن وسلبوا منهم ممتلكاتهم، وأضاف أن أغلب السائقين الذين تم قبول ملفاتهم من الفئات الهشة ولا يحوزون على أدنى مستوى تعليمي يمكّنهم من منصب عمل آخر يحفظ ماء الوجه، قائلا: ”لا نشترط شهادة علمية على المنتسبين لشركتنا، كما أنهم لا يخضعون إلى تكوين مدته 15 يوما مثلما هو معمول لدى باقي السائقين”، واصفا إياه بأنه مشروع لـ”السوسيال” وفرصة عمل بالنسبة للفقراء و”الزوالية”. أما المركبات التي تم وضعها قيد الخدمة تحاشى محدثنا الكشف عن عددها بحجة أن ”الإحصائيات ليست متوفرة”.أما فيما يخص شرط الصك البنكي الممضي وغير المشطوب، نفى مدير الشركة هذا الإجراء، رغم أنه لا يزال ساري المفعول ”ليس شرطا أن يكون غير مشطوب، إلا أنه يجب أن يكون ممضي”. وعن الهدف من إلزامية هذا الشرط صرح: ”الصك نستعمله كأداة ضمان، لأن هناك الكثير من العمال لا يلتزمون بدفع مستحقاتهم بانتظام”.وفي رده عن سؤال حول من يتكفل بدفع مصاريف صيانة السيارة، قال إن السيارة ملك للشركة، لكن السائق هو الذي يدفع مصاريف الصيانة بعد 20 ألف كيلومتر من السير”، قبل أن يبرّئ نفسه من الأمر قائلا ”نحن أيضا زبائن عند خدمة ما بعد البيع ولك أن تذهب إليهم وتسألهم”.أما عن السائقين الذين وجدوا صعوبات في العمل، رفض محدثنا الرد عن السؤال، ثم قال إنه يتم سحب السيارة منهم، ولا يصبح لهم أي حق على الشركة بما فيها المتعلقة بالأجور، بينما يتم ملاحقة الفئة التي لم تدفع ديونها.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات