الوالي السابق، بشير فريك، نبهني، مشكورا، إلى الظروف التي ظهر فيها صندوق التقاعد الخاص بالإطارات. فالصندوق المذكور ظهر سنة 1982، وكان ظهوره بمثابة أول مؤسسة فسادية تجمع بين الفساد السياسي والفساد المالي.. حيث تفتقت عبقرية المحيطين بالرئيس الشاذلي آنذاك فاقترحوا عليه إنشاء هذا الصندوق وتخصيصه لتمويل عملية التصفية السياسية للسياسيين وإطارات الدولة الذين كانوا ضد تولي الشاذلي الرئاسة، وإحالتهم على التقاعد المسبق! ولما كانت أجور التقاعد التي يوفرها صندوق التقاعد العادي لا تسمح لهؤلاء بالتقاعد المريح، قرر الشاذلي وجماعته إنشاء هذا الصندوق الخاص، لصرف تقاعد مريح لهؤلاء، نظير عدم احتجاجهم على ما يقوم به الشاذلي ورجال الشاذلي من عبث بمؤسسات الدولة. فكان هذا الصندوق أول عملية فساد سياسي في شراء الذمم عرفتها البلاد!المؤسف أن الصندوق أنشئ بمرسوم رئاسي وليس بقانون، رغم أنه في مضمونه يعد مخالفا للدستور وروحه في المساواة بين المواطنين، حيث يجعل هذا المرسوم من المواطن المسؤول حالة متميزة عن المواطن العادي أمام التقاعد والاستفادة من التقاعد.والمؤسف أكثر أن هذا الحق غير الدستوري أصبح بحكم الأمر الواقع “قانونا”.. وبالتالي جرت له العديد من التعديلات اللاحقة.. مثل التعديل الذي أدخل على هذا المرسوم وأصبح بموجبه الوزراء المتقاعدون يحصلون على نفس الامتيازات والزيادات التي يحصل عليها الوزراء العاملون! كما استفاد أيضا النواب وحتى أعضاء المجالس الانتخابية المعيّنين في الأزمات، استفادوا هم أيضا من خدمات هذا الصندوق الخاص، والذي يموّل من خزينة الدولة وليس من اشتراكات أعضائه، على غير العادة في مسائل التقاعد!المؤسف أكثر من هذا كله أن أعضاء اللجنة المركزية للأفالان تم إلحاقهم بهذا الصندوق في التقاعد.. وقد تمت عمليات الالتحاق بالصندوق بحوالي 40 عضوا في اللجنة المركزية للأفالان في عهد زروال، وتمت العملية بصورة انتخابية وخلال عملية المؤامرة العلمية التي تمت ضد مهري.. وقد كانت إدارة (D.R.S) تتفاوض مع المستفيدين من الصندوق اسما باسم، وبناء على مواقفهم من الإطاحة بمهري!ولو تقوم الصحافة بنشر أسماء المستفيدين من الصندوق لبانت كوارث قد لا نعرفها الآن.. ولكن لها علاقة بممارسات فسادية في شراء الذمم بالمال العام لأسباب سياسية. ولا يستبعد الملاحظون أن تكون هناك استفادات لأشخاص قد تمت بوكالات وترخيصات من مسؤولين سامين!في البلاد لا يوجد قانون ولا يوجد برلمان ولا يوجد تشريع بالمعنى الحقيقي للتشريع، فأغلب القوانين الصادرة عن المجلس تعددها الحكومة وتلغمها بحكاية إحالة موادها الحساسة على التنظيم كي تطبق.. والإحالة على التنظيم تعني التطبيق بمراسيم.. والمراسيم هي عملية تشريعية لا تخضع لمراقبة النواب.. فقانون الولاية مثلا فيه 120 مادة وفيه 48 مادة أساسية في القانون يحال تطبيقها على التنظيم، وهذا يعني المراسيم الرئاسية التي هي بمثابة الآيات الإلهية لا تناقش من طرف النواب!لا يوجد تشريع في البلاد ولا توجد مؤسسات دستورية ولا يوجد قانون بالمعنى الحرفي للقانون، وبالتالي نحن نعيش في ظل دولة تم بناؤها فوضويا (قصدير) ولابد من إزالتها وإقامة دولة أخرى حقيقية وعصرية، ولا نعتقد أن دستورا يعده مزراڤ وأويحيى وبن صالح وبوتفليقة يمكن أن يؤسس لدولة غير دولة الكارتون الموجودة حاليا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات