38serv

+ -

يرى كتاب ومثقفون أن النصوص الأدبية في الكتاب المدرسي الجزائري يجب أن تخضع لتصور يقوم على وضع التلميذ في بيئته المحلية حتى لا يشعر بالاغتراب والتمزق، وقالوا إن تلك النصوص يجب أن تستجيب لخلق ذوق جمالي وأدبي عبر الترويج لنصوص أدبية لكتاب جزائريين وعالميين، بغية تجاوز “حالة الاغتراب والاستلاب الحضاري التي يعيشها التلميذ”، وفق ما ذهب إليه الدكتور أمين الزاوي. ويرى الروائي والأستاذ الجامعي محمد ساري من جهته أنه حان الوقت لحذف النصوص الأدبية التي تتغنى بالمواعظ، واستبدالها بنصوص تمجد الجمال والحياة، وتكون رديفة لعربية الإبداع. أما الدكتور بشير بويجرة فيرى أنه يجب إدراج الإبداعية المحلية بما في ذلك النصوص الأدبية لمرحلة ما قبل الإسلام، من منطلق أنها نصوص جزائرية، في إشارة منه إلى كتابات أبوليوس وسان أوغسطين.بالمقابل يعتقد الدكتور ليامين بن تومي أن “غربة النص تساهم في خلق فوضى في تركيبة الفرد الجزائري”،في حين قال الروائي فيصل الأحمر إن “النصوص الأدبية الحالية حبيسة عقدة الأجنبي”.  الزاوي يرى أن عقدة “التمشرق” لا تزال مسيطرة “هناك نظرة احتقارية استصغارية للكاتب الجزائري” يرى أمين الزاوي أن المشرفين على إعداد الكتب المدرسية الجزائرية لا يزالون مصابين بعقدة “التمشرق”. فهم يعتقدون حسبه بأن اللغة العربية، باعتبار أنها وصلت مع وصول الفتوحات الإسلامية إلى إفريقيا البربرية، البحث عنها مثل الحج يجب الذهاب إليه في الحجاز. لذلك فاختيار النصوص المدرسية بالعربية تحكمها هذه العلاقة “التمشرق” و “الموعظة”.قال أمين الزاوي بخصوص مكانة النص الأدبي الجزائري في الكتاب المدرسي الجزائري “الغريب أن هذه العقدة غيبت شيئا فشيئا ملامح الجزائري والجزائرية في الصور المرافقة للنصوص الأدبية، فالتلميذ لا يرى أباه ولا أمه فيها، وهو في ذلك يعيش حالة اغتراب واستلاب جغرافي حضاري”.وبحسب الزاوي، فإن زمن الديماغوجيا في الكتب المدرسية، مهما كان نوعها سياسية أو دينية أو جهوية، قد انتهى. وإن البلاد لا تقوم لها قائمة إلا إذا استطاعت نخبها أن تقدم كتابا مدرسيا بنصوص أدبية قادرة على أن تعلم الطفل 3 أشياء: الإمتاع والعقل والمخيال المحلي بكل خصوصياته الإبداعية. فأكبر ثورة في صناعة الإنسان الجديد تتأسس على نوعية الكتاب المدرسي. وأضاف “في اختيار النصوص الأدبية في الكتاب المدرسي الجزائري، هناك خلط واضح وكبير وعميق ما بين مفهومي “الجميل” و “الوعظي”، فـ “الجميل” مؤسس على اللغة والخيال والتحرر، و “الموعظة” قائمة على الإصلاح والتحذير والتقييد. “لقد قتلت الموعظة كل تجديد في نصوص الكتاب المدرسي. إننا ما زلنا نبدأ العالم من الجاهلية”.وختم الزاوي رأيه في الموضوع قائلا “أعتقد على المستوى الفلسفي بأن هناك فرقا بين ما كان يتعلمه التلميذ في منتصف الثلاثينات من المدارس القرآنية، وما يتعلمه الطفل اليوم في المدرسة الجمهورية. حتى النصوص الجزائرية حينما تدخل الكتب المدرسية تخضع أساسا لفكرة الموعظة، أعتقد بأن زمن نصوص رضا حوحو قد ولّى، مع احترامي له كإرث أدبي مهم، وأن هناك كتابا جزائريين أصبحوا مكرسين في القراءة اليومية. أتصور أن المشرفين على النصوص الأدبية باللغة العربية، حين يفكرون في الاختيار مقياسهم (حتى ولو كان ذلك في اللاوعي) هي نصوص جمعية العلماء المسلمين. لم نتمكن بعد من الخروج من دائرة جمعية العلماء المسلمين، لأنها ظلت في الخطابات رديفة اللغة العربية، والتحفظ على اختيار نصوص أدباء معاصرين ومحدثين، وهم في غالبيتهم من حساسيات فكرية وجمالية حداثية، هو ناتج عن هذا التقوقع داخل خيار النصوص الإصلاحية. وإن الخوف أو التحفظ على إدراج نصوص جزائرية في الكتب المدرسية، ناتج عن عقدة التمشرق، وأيضا ناتج عن أن الذين يقومون باختيار النصوص لا يقرؤون النصوص الروائية والشعرية الجزائرية لأجيال ما بعد رضا حوحو، بل هناك نظرة احتقارية استصغارية للكاتب الجزائري”.

 الدكتور محمد بشير بويجرة “علينا أن ندرج نصوصا أدبية حتى لفترة ما قبل الإسلام”❊ استهل الدكتور محمد بشير بويجرة، أستاذ الأدب بجامعة وهران، حديثه عن مكانة النصوص الأدبية الجزائرية في المنظومة التربوية، بأن ما حدث أخيرا من نقاش حول ملف المنظومة التربوية والتعليم كان مفيدا في كثير من جوانبه، ويحمل وجهين هما: اللغة، والمضمون. وقال “إذا كان وجه اللغة قد استوفاه الكثيرون حقه خلال النقاش، فقد بقي وجه المحتوى والمضمون مع الأسف غائبا عن النقاش وعن الجدل على الرغم من أهميته وتقدمه في كثير من الحالات عن اللغة. وخاصة في الشق الأدبي والمعرفي الفكري. وهو الشق الذي يكتسب أهمية قصوى في تكوين شخصية الطفل والطالب معا، لأنه يشربهما حتى الثمالة، هويته وقدسية وطنه”.وبالتمعن في محتوى المنظومة التربوية، يرى الدكتور بويجرة أننا نجد فيها الأدب الجزائري محتشما أو منعدما، بالنظر إلى نوعية النصوص والموضوعات المقررة على الطالب في جميع أقسام الدراسة، حتى بتنا في الجامعة حين نسأل الطالب المتحصل على بكالوريا “أدبي” لا يعرف من الأدب الجزائري أكثر من اسم شاعر أو شاعرين، فما بالك بالتخصصات الأخرى، على الرغم من أن باع الجزائر في الآداب وفي الثقافة مشهود له بالسبق وبالفضل على مستوى المتوسط وعلى المستوين العربي والإسلامي.ولتدارك هذا النقص، يعتقد الأستاذ بويجرة أنه “يجب على أجهزة المنظومة التربوية المختلفة أن تقدر المسألة على النحو التالي: برمجة الموروث الأدبي والفكري الجزائريين على كثرته منذ العصور القديمة قبل فجر الإسلام واللغة العربية اللذين أكرم الله بهما هذه الأمة. وأن نتوقف جميعا عن اعتبار أن الجزائر، دولة ووطنا وهوية وكيانا أدبيا، لم تظهر إلا في العصور المتأخرة، بل يجب أن نكشف عن امتداد الجزائر قبل ذلك، الامتداد الذي نجده ممثلا في كثير من الأدباء الجزائريين الذين فرضت عليهم الظروف الاستدمارية الكتابة باللغات اليونانية والقرطاجية والرومانية مثل أدب لوكيوس، وما تزخر به كتابات أوغسطين وفرنتون وأوبتا وبيتيليانوس وغيرهم كثر، من حمولات أدبية وجمالية تتساوى مع ما أبدعه الرومان والإغريق، تماما كما يجب أن نكشف عن الكنوز الأدبية والفكرية التي عرفتها الجزائر بعد فجر الإسلام وتمكن اللغة العربية من قلوب سكان أبناء هذا الوطن، مثل ما أبدعه كل من المقري والوهراني والمسيلي وأبو حمو موسى الثاني وابن عمار وابن علي ومصطفى بن إبراهيم ولخضر بن خلوف والمنداسي وأبي مدين شعيب والأمير عبد القادر، وغيرهم كثر أيضا”.الدكتور فيصل الأحمر “علينا أن نتخلص من عقدة الأجنبي” يعتقد الدكتور فيصل الأحمر أن الحضور الأدبي الجزائري في السندات المدرسية يخضع لتخطيط أعم وأشمل، ويقصد بذلك التخطيط الثقافي والهندسة المجتمعية. وقال “إذا كنا لانعرف جيدا أية مدرسة نريد ولا أي ملمح للتلميذ الجزائري نريده، فإننا نسقط بالضرورة في اعتباطية الاختيارات النصية التي نرى أنها تصيب أحيانا دون قصد، وتخطئ كثيرا بلا نية سيئة”.وقال فيصل الأحمر “إن الكتب المدرسية الجزائرية امتلأت بالنصوص العربية الكلاسيكية، وهو أمر لا ضرر فيه. ثم أتخمت بنصوص المشارقة بلا سبب، خلا السبب التاريخي الذي هو الحضور القوي للمشارقة في مرحلة بناء البلاد. ثم تحولت هذه النصوص التي تسجل حضورها اليوم كذلك إلى عادة صعب التخلي عنها، ثم إلى قدر محتوم، من منطلق أن جبران أحسن من رضا حوحو، والزاوي خير من رمضان حمود، وتيمور غير قابل للمقارنة مع بن هدوقة.. ولو سألت أي شخص عن سبب هذا الحكم أو خلفيته فإنك لن تجد إجابة واضحة”. وأضاف “التغلب على هذه العقدة يستوجب العمل الجدي على تحديد ما نريده من مدرستنا، والملمح الذي نريده لتلميذنا اليوم الذي هو مواطن الغد”. وبحسب فيصل الأحمر، “نحتاج إلى فهم أن النص الأدبي الجزائري يحمل للجزائري فائض قيمة، لا يمكن أن نجده في مكان آخر. وهذه نقطة علينا أن نعيها جيدا، لكي ننجح في مهمتنا التربوية التي هي الخطوة الأولى لبناء مجتمع سليم، صلب البنية، قوي التكوين، متخلص من عقدة الأجنبي مشرقا ومغربا على تعدد العقائد والمواجد والنفسيات. بهذا الشكل يمكننا أن نقول إننا استثمرنا في إنسان جزائري قوي الشخصية، في مأمن من الرياح الأجنبية. واثق في نفسه معتز بهويته مكتف بتاريخه متصالح داخل مع خارجه”. محمد ساري “النصوص الأدبية الحالية لا تحبب الحياة والجمال” يعتقد محمد ساري أن اللغات تقترن دوما بأدبائها، فيقال لغة شكسبير ولغة دانتي ولغة بوشكين ولغة المتنبي أو الجاحظ. ما يعني أن تعلم اللغة والتحكم في أساليبها يقتضي قراءة نصوص هؤلاء الأدباء. وقال “أتذكر في مسارنا التعليمي نحن جيل الاستقلال، سواء في دروس العربية أو الفرنسية، أننا كنا نتلقى نصوص كبار الأدباء، ما زلت إلى يومنا هذا أحفظ خرافات لافونتين وأشعار فيكتور هيغو وشارل بودلير، وأتذكر المتعة الكبيرة التي أحسست بها وأنا أقرأ رواية جيرميال لزولا. وفي العربية كانت معلقات امرئ القيس وعنترة ومقامات الهمذاني وبخلاء الجاحظ ونصوص المنفلوطي وميخائيل نعيمة تصقل أساليبنا العربية. نصوص كبار الأدباء كانت مبرمجة من المراحل التعليمية من الابتدائي إلى الثانوي”.يعتقد ساري أن تأثير الإيديولوجيات الإسلاموية السلفية وبراغماتية وانتهازية السلطة التي عملت على إرضاء أصحابها حفاظا على مصالحها، وبقاؤها في السلطة أدى إلى حذف جميع هذه النصوص الأدبية الراقية التي تتغنى بالحياة والحب وجمال الطبيعة، واستبدلوها بخطب دينية وأشعار أخلاقية فارغة من الحياة ومن الأساليب الراقية، نصوص تتغنى بالموت والآخرة، فنفروا جيلا كاملا من اللغة العربية التي أصبحت في المنظومة التربوية عربية عذاب القبور والمواعظ الدينية، كما أدرجوا نصوصا بلا مؤلفين لكي يقطعوا الحبل مع كل قراءة أدبية أو فلسفية، فنشأ الأطفال من أجيال متتابعة بفكرة بائسة عن العربية، لغة بلا مؤلفين، مقترنة بحياة العهود البائدة، بلا روايات وأشعار تحبب الحياة، فأبعدوهم كلية عن حب القراءة. وأضاف “النتيجة أن المدرسة التي عربت لتعلم الجيل الجديد والأجيال الجديدة، اللغة العربية التي تغنت دوما بالحياة والحب والجمال، أفضت إلى نتيجة عكسية تماما، تنفر الجميع من هذه العربية الحزينة عربية المواعظ وعذاب القبر، فذهبت العربية الجميلة كما اندثرت الفرنسية الراقية لغة الأدباء والفلاسفة”.ويرى ساري أن ضرورة إدخال النصوص الأدبية الراقية لغة وفكريا وأسلوبا، وبالأخص الشعر، من امرئ القيس إلى أدونيس، والرواية من مقامات الهمذاني إلى روايات نجيب محفوظ وبن هدوقة وواسيني الاعرج وأحلام مستغانمي، مرورا بالإرث العالمي شعرا ونشرا وفلسفة (مترجمة إلى العربية)، هو وحده الكفيل بإرجاع رونق العربية، والحث على حبها وقراءة نصوصها المؤلفة والمترجمة إليها، لأن الأطفال والمراهقين والشباب سيتعلمون منها كيف يحبون الحياة، والعمل على تكريس قيم التعايش والتسامح والاختلاف الطبيعي للبشر، عوض قيم العنف وزرع الموت ونبذ الغير المختلف مثلما هو حالنا اليوم.الدكتور ليامين بن تومي “غربة النص تساهم في خلق فوضى في تركيبة الفرد” يرى الدكتور اليامين بن تومي، أستاذ النقد الأدبي بجامعة سطيف، أن الكتاب المدرسي يعتبر الواجهة الأولى للثقافة في أي بلد، لأنه يحمل داخله نبذة عن مفكري وأدباء وكُتَّاب ذلكالبلد، فهو بمثابة الموسوعة أو الأجندة السياحية لمعرفة مثقفي أي بلد. وتساءل قائلا “هل يعكس الكتاب المدرسي في الجزائر هذه الضرورة الحضارية التي تصنع مجد أية أمة من الأمم؟”.وقال الدكتور بن تومي بشأن مسألة النص الأدبي الجزائري في الكتاب المدرسي “من يطلع على الكتب المدرسية في الجزائر يجد شحا كبيرا في إيراد نصوص وسير وتراجم الكتاب الجزائريين، فينمو التلميذ وذاكرته تكاد تكون خالية تماما من نصوص وكتابات هؤلاء، بل حتى من معرفة سيرهم الذاتية، بل من معرفة أسمائهم، وهذا يعود لأسباب عديدة منها أن المدرسة ما بعد الاستقلال هيمنت عليها مركزية مشرقية، أثقلت الكتاب المدرسي بالنُّصوص المشرقية والزهد في نصوص الأدب الجزائري المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، وكأن هؤلاء يستحون من إدخال النص الجزائري للكتاب المدرسي”. وأضاف “هذا الأمر يجعلنا اليوم في حالة مربكة من وضعية الكتاب المدرسي الذي يقدم للجزائريين، ولكن يخاطبهم بنصوص خارجة عن تاريخهم وثقافتهم، نصوص لم تلد في البيئة الجزائرية، ولم تتخلَّق في المحيط الوطني، فالنص الفاعل، هو النص يكتب في جغرافيته ليخاطب أفراده الذين يشتركون معه في الهموم والانشغالات نفسها، لذلك تعد هذه المسألة حسَّاسة كثيرا عندنا، لأن غربة النص تساهم في خلق فوضى في تركيبة الفرد الذي ينتمي إلى محلية معينة، وأي نص خارج هذه المحلية تجعل منه كائنا مزوجا داخل الجغرافيا وخارجها، وهذا من الناحية النفسية يُكوِّن لنا تلميذا هجينا وغريبا ومزدوجا وبالجملة مغشوشا، تلميذ لديه القابلية لاحترام كل النُّصوص الأخرى، ولكنه يمتهن ويحتقر النصوص الوطنية.ويعتقد بن تومي أن هذه العقلية جعلت الجزائري يعشق كل ما هو خارجي ويحتقر كل ما هو داخلي وطني، نتيجة هذا التراكم الذي أفرزته المدرسية الجزائرية، وهذا ما يؤكد الفشل الذريع الذي لحق هذه المنظومة لعدم وجود مساهمة حقيقية لهؤلاء العلماء والأدباء والمثقفين في وضع هذه البرامج.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات