صينيون يحوّلون ورشات العمل إلى مزارع

38serv

+ -

لجأوا إلى الجزائر بالآلاف بحثا عن منصب عمل مربح يوفر لهم راتبا أحسن مما يتقاضونه في الصين، يكدّون في العمل داخل مشاريع البناء ويخلدون للنوم في شاليات ذات مواصفات بدائية. لكن بالمقابل أبوا إلا أن يحافظوا على تقاليدهم الغذائية ونمط حياتهم بتحويل أماكن إقامتهم وورشات العمل إلى مزارع، تمكّنهم من ترشيد مصاريفهم على قلتها. ”الخبر” تسللت إلى مراقد ”الشناوة” بالعاصمة ونقلت نمط حياتهم. كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة زوالا عندما وطأت أقدامنا مركز إقامة العمال الآسيويين الذين يشتغلون في مشروع بناء ”جامع الجزائر الأعظم” بالمحمدية بالعاصمة. وما كدنا نتقدم داخله حتى اصطدمنا بظروف حياة جد قاسية .. رائحة كريهة تكتم الأنفاس كلما تقدمنا نحو غرف النوم، غبار يتطاير في كل أرجاء المكان، شمس حارقة تلفح أسطح تلك الغرف الساخنة، قاذورات منتشرة هنا وهناك وواد فضلات يشق طريقه وسط الإقامة ليرمي فضلاته في البحر. وما إن اقتربنا أكثر قابلتنا مساحات خضراء استحدثها ”الشناوة” ليس لتزيين الفضاء وإنما حولوها لمزارع صغيرة لإنتاج مختلف الخضروات.مشتلة أم إقامة للعمالوجوه عابسة من مختلف الأعمار تنحدر من شتى الجنسيات الآسيوية، اختاروا الاستقرار في الجزائر والعمل فيها لحصد المال الذي يحفظ لهم ماء الوجه عند العودة إلى ديارهم، فأبوا إلا أن يكرسوا تقاليدهم وعاداتهم الصينية، ليخيّل للزائر بمجرد ولوجه تلك الإقامة بأنه في الصين. لم يتركوا مساحة أو زاوية داخل ذلك المكان تصلح لغرس الخضر والأعشاب الصينية إلا واستغلوها، وكأنك في مشتلة لإنتاج مختلف المنتجات الزراعية ولست داخل إقامة عمال. والغريب في الأمر أن جل الخضر والنباتات التي تم غرسها نادرة وليس لها أثر في الجزائر، بيد أنها قادمة من الصين، رغم أن البعض منها تشبه بعض منتجاتنا المحلية، على غرار طماطم المتناهية الصغر أو اليقطين الصينية الغريبة الشكل ذات الحجم الضخم واللون الأخضر القاتم، والقرع والخيار والبصل وبعض الحشاوش التي لم نستطع معرفة اسمها والفلفل الصغير الحجم ذو اللون الأحمر والأسود، أما النعناع أخذ حصة الأسد من تلك المساحات الخضراء المنبسطة تحت شاليات إقامتهم.حاولنا الاقتراب من أحدهم عله يكشف لنا عن سبب غياب الورود والأزهار التي تزين المكان أو اسم بعض النباتات التي ظلت غامضة في ذهننا، إلا أن جميعهم تحاشوا الحديث معنا واستعصى التواصل معهم، ولحسن حظنا كان بينهم جزائري يعمل داخل الإقامة فبادرناه بالحديث فاسترسل يصف لنا طقوسهم الغريبة قائلا: ”جميع النباتات المغروسة هنا يتم أكلها ولا حاجة لهم لزرع الورود” وقال أيضا: ”يرمون القاذورات داخل الإقامة بشكل متعمد، كي يستدرجوا بها الفئران والثعابين والضفادع” التي تعتبر أكلة مفضلة بالنسبة إليهم، ”وإلا سيضطرون إلى شرائها بأسعار زهيدة”. وأضاف ”أسعار زهيدة بالنسبة إلينا (الجزائريين) بما أنها لا تفوق 600 دينار جزائري، لكنها ليست كذلك بالنسبة إلى الصينيين الذين يحبذون المصاريف الإضافية”.تجارة موازيةهذه المنتجات الزراعية لا يتم غرسها بغرض الاستهلاك فقط، بل هناك البعض منهم اتخذ منها مصدر قوت إضافي يوفر له البعض من المال، ببيعه لتلك المنتجات إلى باقي أقرانه، والبالغ عددهم 3500 عامل صيني داخل تلك الإقامة فقط حسب ما كشفه لنا العامل الجزائري.ويستعمل الصينيون تلك الخضروات في إعداد أطباق صينية خاصة، لعل أحدها يشبه ”الشكشوكة الجزائرية” أو الحساء من حيث التركيبة، حيث يقومون بطحن جميع الخضر من خيار وبصل ويقطين وقرع ونعناع وفلفل وطماطم ويضيفون لها بعض التوابل الصينية والبيض وبعض النباتات ويضعونها تطبخ على نار هادئة.ونحن نهمّ بالخروج من المكان شاهدنا أحد العمال الصينيون يغسل ملابسه باستعمال مياه البحر، لنكتشف أن الإقامة تفتقد لبالوعات ومجار، بل جل الفضلات يتم إلقاؤها في البحر مباشرة.أما في مدخل الإقامة، كانت هناك شاليات من نوع آخر تبدو أحسن حالا من الأولى مخصصة للمسؤولين وبعض الإطارات كونها تتوفر على شروط الحياة المريحة، على غرار المكيفات الهوائية، ورغم أنهم بدوا ميسوري الحال مقارنة بباقي العمال الآخرين، إلا أنهم لم يفرطوا في استغلال الأرض المحيطة بهم لزرع مختلف المحاصيل الزراعية الصينية، حتى بدا المكان كأنه قرية بإحدى المناطق الصينية وليس في الجزائر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات