+ -

 تمكنت وكالات أوروبية تحترف الإشهار والترويج لمختلف التظاهرات الاقتصادية والرياضية والمناسبات الاجتماعية من تحقيق أرباح ضخمة من خلال تحويل استخدام أجيال السيارات القديمة إلى وسيلة أساسية أبقتها في أجندة الاستعمال البشري بالرغم من التطور الرهيب لتكنولوجيات صناعة السيارات، في مقابل الدخول في طي النسيان للتحف والسيارات القديمة في الجزائر بالرغم من محاولات تحاول الصمود أمام أعتى عواصف التجاهل لوزارة الثقافة أو الجهات الوصية الأخرى. ستجد نفسك تغوص في عمق التاريخ وأنت تدخل متحف عمي علوش الذهبي للسيارات القديمة وأغراض أخرى بحديقة التسلية تيفاست بتبسة. فهو اسم على مسمى لما يحتفظ به من ذاكرة غالية في محطات التاريخ تضاهي في قيمتها الحضارية القيم المادية للمعادن النفيسة. هو ابن مدينة تبسة، من مواليد سنة 1959، كان يستأجر محلا ضيقا قريبا من حي الحفرة قبل أن يتلقى مساعدة من والي تبسة قبل 5 سنوات وذلك بعد استرجاع حديقة التسلية من مخالب مافيا العقار، حيث خصصت له السلطات الولائية جناحا يستغله كمتحف على الهواء الطلق للأغراض القديمة التي نتصورها أو غابت عن ذاكرتنا ونعتقد خطأ بأن مكانها لا يتجاوز سلة المهملات.متحف عمي الذهبي بحديقة التسلية بتبسة يقاوم النسيانكتبت عنه “الخبر” في جانفي 2010 ليتلقى بعدها عروضا من فرنسا وألمانيا ودول عربية للتنازل عن هذا المتحف الفريد من نوعه في الجزائر. “الخبر” عاودت الدخول إلى متحف محطات التاريخ بحديقة التسلية بعدما ودّع تأجير المستودعات وتكديس التحف، فقد أبهرنا بتنظيم أغراض متعددة ومختلفة، ربما لا تمت بصلة لبعضها سوى أنها محطات تاريخية سجلتها بصمات الإنسان في سجلات عمي الذهبي.ونحن نتجول برفقته داخل المحل الذي يعد تحفة رائعة، ستكون إن لم تركز النظر والتمعن تائها في اختيار نقطة البداية لأن كل جناح له جمالية خاصة، وكل قطعة لها جاذبية ملهمة. ويذكر عمي الذهبي بأن “بعض السياح والمواطنين التونسيين والأوروبيين كانت لهم رغبة جامحة في شراء ما جمعت، غير أنني أحلم بترك هذا الإرث العظيم بين أيدي أبنائي ولشعب الجزائر في فضاء لائق يتطور مع الزمن. فقط كل ما أريده هو مساحة محترمة أعرض فيها ما أتوفر عليه، لقد ساعدني كثيرا مسؤول الهيئة التنفيذية وانتشلني من عزلة الأحياء إلى حديقة التسلية، ولا أخفي عنكم أن معاناة ضيق المساحة التي كنت أعمل فيها قبل ذلك كان عائقا حقيقيا لهذا المجهود الجبار، ثمرة سنوات من الجهد والبحث والصبر”.«سيمكا” و«ستريوان” و«بيجو” أضفت جمالية ساحرة للمتحفيقول عمي الذهبي: “أملك 6 سيارات قديمة، من نوع سيمكا 1962، والـ15 سيتروان 1951 والـ11 لينجر 1953 والـ11 نورمال والــدوفين 1962 و403 بيجو 1968”. ويضم المتحف أيضا أكثر من 10 آلات للتصوير القديمة، لازالت تحافظ على شكلها الجمالي الرائع؛ ومنها واحدة كان يستعملها أقدم مصور بولاية تبسة، عمي حفيظ التارزي، وتعود سنة صنعها إلى 1810. ويروي عمي الذهبي أن صاحب الآلة ذكر له بأنه استعملها في التصوير لفائدة المجاهدين بالجزائر العاصمة وتعرض للمطاردة والملاحقة من قِبل قوات المستعمِر من أجل ذلك.هواتف قديمة والرحى الحجرية وصناديق حلي الأثرياءوكل قطعة في المتحف تستوجب منا القراءة الصحيحة وإعطاء الحق في الوقوف عندها ما يكفي من الزمن، لما يحتوي عليه متحف عمي الذهبي من أغراض تعود بنا إلى عمق التاريخ؛ فهذه آلات هوائية للحدادة ومخطوطات شعرية ولوحات خشبية لطلبة القرآن الكريم، وقطع فضية من كل الأشكال كانت زينة للحرائر من نساء المنطقة بجانبها هواتف سلكية قديمة في غاية الجمال مصنوعة من النحاس والرخام، وآلات التصوير الصغيرة ومصابيح الفتيلة أو “الكانكي” النحاسية، والتي تعطي بريقها لرحى الحبوب الحجرية و«الخوابي” المستعملة في تخزين التمر وزيت الزيتون من عبق تاريخ جنوب تبسة ببلديتي نقرين وفركان، وحتى صناديق تخزين الحلي والمال والمؤونة تختلف من الأغنياء “المرفهين”، كما يطلق عليهم عمي الذهبي، إلى ميسوري الحال فتتنوع بين المرصعة بأقفال النحاس والجلد والفيلالي، وأخرى صنعت من الخشب فقط يستعملها الفقراء. وعند مدخل متحف المحل توجد آلة يدوية حديدية كانت تستعمل لتوظيب القطن بمستشفى تبسة القديم.أجنحة لبذلات عسكرية وأسطوانات “التورن ديسك”ونحن نتجول في هذا المحل، عايننا بذلات عسكرية لجيوش أوروبية من الحرب العالمية؛ منها خوذة جندي بلجيكي “1949”، كما أشار عمي الذهبي إلى بذلة عسكرية تابعة لجيش المملكة الأردنية كاملة لصاحبها “سواعي الشريف” حفظت بطريقة رائعة، وبجانبها آلة موسيقية يدوية تشتغل إلى غاية الساعة بطريقة ميكانيكية لتدوير أقراص أغان قديمة بشريط “كوروا” لفرق فنية قديمة محلية، وأخرى للمرحومين محمد راشدي والصادق حمدادو، وأسمعنا عمي الذهبي مقطعا من أغنية “يا الخاتم”.وتنوعت الأغراض القديمة بين أجهزة الراديو وصور خطاب الرئيس الراحل هواري بومدين أمام الأمم المتحدة وربطة عنقه. ولم يخلُ متحف عمي الذهبي من ألبومات الطوابع البريدية القديمة وزجاجات العطور الفاخرة وأوراق نقدية رومانية وكذا تونسية- جزائرية، من عهد كانت عملة واحدة يصدرها بنك الجزائر وتونس سنوات 1941 و1942 و1946. والأكيد أن أي شخص يزور هذا المحل يتعلق به، ويريد أن يقضي وقتا طويلا فيه، لأننا نعجز عن إحصاء ما يجمع هذا المواطن.وفضّل عمي الذهبي توجيه النداء لكل العائلات الجزائرية المهتمة والتي لديها كل قطعة قديمة بأن لا ترمى في مزبلة التاريخ بالقول: “نحن هنا، والمتحف مفتوح للزيارات، لأن الأمر يتعلق بذاكرة الشعب والجزائر ككل. وسأظل عند وعد قطعته على نفسي بأن يورّث هذا المتحف إلى كل جيل من أبنائي وأحفادي، ولن أستجيب لدعوات التنازل والبيع مهما كانت قيمة المال الزائل، بعدما وصلتني رسائل من وراء البحر تريد هذا. وأتوجه بالشكر لمثقفين جزائريين مغتربين وجهوا رسائل من الخارج للدعم المعنوي والمساندة والتحذير من فكرة التنازل أو البيع”.ويأمل عمي الذهبي، في ظل هذه الصعوبات والعراقيل، بأن تكون لجان ترقية الاستثمار عبر الولايات السند المرافق للأنشطة الاقتصادية الخدماتية المبدعة التي تتطلب المساعدة الدائمة لتحقيق الأهداف والعبور إلى بر الأمان والربح الاقتصادي، لأنه إذا كان النشاط الصناعي ينتج سلعا معينة ويروجها مباشرة فإن مثل هذه المتاحف تنطلق أولا من تاريخ الأمة وموروثها، كما يمكن لها أيضا أن تكون مدرة للربح وتمول ذاتها بعد الأخذ بيدها، من خلال تسهيل إجراءات التمويل البنكي للقروض وإقرار إجراءات خاصة لها بالتنسيق مع أصحاب الأفكار ووزارات ذات الصلة، مثل وزارات الثقافة والاتصال والشباب والرياضة والتجارة، فالشعوب الأخرى ليسوا بأكثر قدرة في الإبداع والتفوق، بدليل أن شركات عالمية تسيرها عقول جزائرية وأبدعت وتحقق نجاحات مستمرة محل مفخرة للعالم أجمع.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات