سيدي الكريم: أنا لا أحكم على اللغات، فأي لغة في العالم تحمل في طياتها ميراثا تقافيا وحضاريا وسوسيولوجيا كبيرا، والأمر كذلك بالنسبة للغة العربية التي ربما لها امتياز زماني ومكاني تجلى واضحا في التطور الجمالي الذي شهده تاريخ الفن، خاصة للذين يعرفون ما معنى الانتقال من المدارس الكلاسيكية والرومانسية في التعبير الغنائي والشعري. عموما، عندما يتطور الفكر يدفع باللغة إلى الارتقاء، وأحسن الأحكام على اللغة العربية لا نجدها في هذا الوطن العربي البائس، بل في أمريكا أو في الدول الأوروبية، لأن الدراسات عندهم لا تتسم بالانزلاق العاطفي بل بالموضوعية والعلمية. هناك بعض اللغويين الذين يعتبرون وجود المفعول المطلق أو المفعول معه في اللغة العربية نوعا من الذكاء في التركيب الكلامي، وربما آخرون يعتبرون أن الجر والنصب والرفع المقتصر في إشارة كسر وفتح وضم هو اختصار أرقى من اللاتينة في الوضعيات نفسها، التي تستدعي لإحداث الجر مثلا إلصاق حرفين أو ثلاثة، خاصة في حالة المضاف والمضاف إليه. هذه موضوعية الحكم من خلال مثالين، والأمثلة عديدة؛ كلها بعيدة عن المكائد الإيديولوجية للذين هم مع أو ضد هذه اللغة.لكن سيدي الكريم هناك حقيقة لا بد أن تقال، وهي الوضعية الكارثية التي حلت بالعربية من خلال بعض التجار ومؤسساتهم والآلاف من متتبعيهم. وأنا أحيانا أقرأ كتاباتكم وأثمّن الحيوية الكامنة فيها، خاصة عندما تحاولون دفع القارئ بذكائكم لاقتياد الفكرة في نص مبدع.. تريدون، عبر مشهد السؤال والجواب والمقارنة والاستخلاص، إدخال النصيحة في قالب مضحك، توظفون فيه تجربة حياة. ولكن في الجزائر، وفي الشارع نفسه الذي ربما أنتم فيه، وكأن اللغة العربية ليست لها جماركها، فهي غير محمية وحتى أسوارها التقليدية حطمت وقلاعها هشمت وأصبحت كالمخيم الإسباني؛ الكل يأتي بوعائه ويفسد المكان. وكأننا بالكذب والركاكة والغباء نستطيع أن ندخل هذه اللغة ونبيع كل السلع الفاسدة.هي الحقيقة: نخبة من بعض المعربين هم الذين أفسدوا هذه اللغة وهجروا من التذوق، المفرنس وحتى الأعجمي؛ وأنا أتذكر في زمن ما أن المفرنسين من الجزائريين كانوا ينتظرون اللوائح المترجمة للغة العربية للاستمتاع بقوة الرنة والضغط الحلقي الجمالي على الحروف. زمان مضى وزمان أتى، وكل القامات الصحفية والفكرية التي كانت قادرة على إعلائها الثقافي والعلمي ماتت، وهمشت، ودمرت وعزلت، وما بقي فهو يتلقى صحافة ضربات المال الفاسد وزمرهم من الوصوليين.. شكرا لكم.زوايمية العربي/ جامعي وإعلاميبالإضافة إلى ما ذكرت من جر ونصب ومفعول به، هناك أيضا السحل العراقي والجلد السعودي والنحر الداعشي، ويوجد أيضا المرفوع لغياب الخافض، كما هو حال العديد من الوزراء، والمنصوب بنزع الخافض والمنصوب على الاختصاص، وتوجد أفعال المقاربة والرجاء، وهي الأفعال التي تستخدمها جمعيات الشيتة والتزلف للرئيس ومن معه.النحاة العرب أبدعوا في ابتكار تعابير نحوية نعيشها سياسيا اليوم في العمق، وكأنهم كانوا يتوقعون لنا ما نحن فيه الآن. آسف على الهربة بما كتبت من اللغة إلى السياسة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات