مصطفى أُختطف وقُتل ثم أُحرقت جثته..والسبب شكوك 

+ -

كان يهش بعصاه على غنمه وهو يتمشى في الغابة، يا إلهي يا إلهي.. قبضت أنفاسه وهو يشاهد على بعد أمتار من أمامه رأسا بشريا مفصولا عن جسده، كان الرأس لمصطفى، شاب عشريني اختطف وعذب حتى الموت، دفن ثم أحرقت جثته بعد قطع رأسه. بعدها بأيام تكشفت تفاصيل جريمة خطط لها ونفذها صديق للضحية ورب عمله من أجل سبب تافه، وهو شكوك حول سرقة سيارة. لا أدري، لا أدري.. لحظات وفارق الحياة، كانت هذه لتكون آخر الكلمات التي قالها الضحية الشاب مصطفى وهو يغادر الدنيا، لم ينتحر ولم يمت طريح الفراش، كما لم ينهش جسده مرض خبيث، كانت وفاته بالنسبة لعائلته لغزا محيرا، لم يعلم أحد من أقاربه إلى أين اتجه في تلك الليلة، ومضت الليالي ولا خبر عن مصطفى، لكنه عاد، عاد فقط برأسه مفصولا عن جسده، هذا ما عرف لاحقا من قِبل مصالح الشرطة، بعد إبلاغها من قِبل أحد المواطنين، وهو الراعي الذي اكتشف الرأس بينما كان يرعى غنمه في إحدى غابات ولاية المدية.البداية.. سرقة سيارةخلفيات القضية تعود لليلة 27 من شهر رمضان من سنة 2012، لما اصطحب المتهم الرئيسي في القضية “ب. ياسين”، الذي يملك مصنع بتاسلة المرجة، عاملا لديه “ب. مصطفى”، وهو ضحية الحال إلى المركز التجاري لباب الزوار، وذلك للقاء أحد معارفه، وعند وصولهما اقترح الضحية على رب العمل أن يركن سيارته خارج الحظيرة التي كانت مكتظة لتزامن الزيارة واقتراب عيد الفطر.وأثناء خروج الضحية والجاني فوجأوا باختفاء السيارة، ليتيقنا فيما بعد أن السيارة تعرضت للسرقة، ومنه وجه مالك السيارة وأشقاؤه أصابع الاتهام للضحية مصطفى صاحب 23 ربيعا، وهي التهمة التي قال مصطفى إنها مجرد تهمة باطلة لا أساس لها من الصحة، حيث أنكر الضحية أي علاقة له بسرقة السيارة، وهو الأمر الذي لم يقنع الشقاء الأربعة، بمن فيهم المتهم الرئيسي صاحب السيارة، الذين حاولوا أن ينتزعوا اعترافا من الضحية حول مكان السيارة، لكن الضحية الذي تشبث بالإنكار لم يكن يعلم أن هذه بداية نهايته، خصوصا أن الجاني كان مولعا بالمسلسلات التركية، وخاصة مسلسل وادي الذئاب وبطل المسلسل مراد علمدار، ليشرع في التخطيط لاختطاف مصطفى.على طريقة مراد علمداربعد مرور أيام من الحادثة، ومع نسج الجاني المولع بشخصية مراد علمدار بطل مسلسل وادي الذئاب التركي، على حد قوله لأصدقائه بأنه يرغب في أن يتقمص الشخصية على أرض الواقع، خطة لاختطاف الضحية، بمشاركة الأشقاء الأربعة المتهمين في قضية الحال وابني عمومتهم وبعض معارفهم من تجار المهلوسات، بحجة أن مصالح الأمن لم تفلح في الحصول على معلومات حول مكان السيارة من الضحية.الخطة التي أراد أن يجسد فيها الجاني دور البطولة تمحورت حول اختطاف مصطفى واستنطاقه بشتى أنواع التعذيب من أجل افتكاك اعتراف منه عن مكان السيارة. خطة اختطاف العامل الذي كان من أقرب المقربين من الجاني بحكم علاقة العمل والجوار لدرجة أن والدة الضحية هي من أعدّت الطعام في عرس المتهم الرئيسي “ب.ياسين”، بدأت باستدراج الضحية الذي كان يحضر حفل زفاف ابن عمه بتيزي وزو ليتصل به “ب. مراد” المكنى “النيڤرو”، وأخبره أنه لا داعي لأن يستقل الحافلة للعودة للعاصمة، وعليه الانتظار بالمحطة البرية لتيزي وزو حتى يقله هو و«الكلونديستان” الذي كان معه.وفي طريق العودة توقف الجميع لتناول العشاء بمنطقة الناصرية، وفي المطعم لاحظ صاحبه أن الضحية لم يكن في وعيه؛ وهو ما أكده الأخير لمصالح الأمن. شهادة صاحب المطعم كانت بعد أن أودعت أم الضحية بلاغا عن اختفاء ابنها، وصرحت الوالدة للشرطة أن آخر مكالمة للضحية معها كان في حدود الحادية عشر ليلا، حيث أخبرها أنه في منطقة الناصرية لتنقطع الأخبار عن مصطفى الذي كان له موعد مع القدر.اختطاف واستنطاقوأثناء نقل “الكلونديسان” للضحية والمختطفين فر “الكلوندسيتان” بعد اشتباهه بأن جريمة تدبّر في ليل، ليربط “النيڤرو” الاتصال بالمتهمين الآخرين الذين أحضروا سيارة رباعية الدفع لكي تقلهم إلى موقع الاختطاف والاستنطاق، وكانت الوجهة إلى مصنعهم الكائن بتسالة المرجة، وكان ذلك بتاريخ 20 سبتمبر، حيث شرع عناصر العصابة بتكبيل الضحية تحت مراقبة الحارس الذي لم يبلغ عن وجود شخص مختطف، وبحضور عنصرين من الضبطية القضائية الذين خانا بدورهما مهنتهما. عملية استنطاق الشاب من قِبل عناصر العصابة دامت من ليلة الخميس إلى ما بعد صلاة الجمعة من اليوم الموالي، حاول فيه العناصر افتكاك إجابة عن مكان تواجد السيارة التي سرقت من رب العمل، وبعد أن فشل أفراد العصابة في عملية الاستنطاق، قام أخ صاحب المصنع بخنقه إلى أن فارق مصطفى الحياة ووضع بالسيارة، ليتم نقل جثته إلى منطقة أولاد بريش ببلدية ميهوب دائرة تابلاط ولاية المدية، وقاموا بدفنه وعادوا بعدها، وكأن شيئا لم يحدث. وبعد يومين من تنفيذ الجريمة طلب القاتل من أحد الشركاء بتفقد قبر الضحية مصطفى حيث تفاجأ بوجود رجل الضحية ظاهرة للعيان، ليتم إعلامه بالوضعية ليكلف الجماعة نفسها بإعادة إخراج الضحية من قبره وأخذه على بعد 5 كلم، وهي منطقة نائية لا يتردد عليها السكان وأعادوا دفن الرجل، وبعد أيام طلب الجاني الرئيسي بحرق الجثة، ليقوموا بحفر القبر ليقوموا بإخراج الجثة مرة أخرى ولفها بمادة بلاستيكية واستعملوا المازوت وأحرقوها بعد أن قاموا بفصل الرأس عن الجسم ثم غادروا دون رجعة. رأس الضحية الذي عثر عليه أحد الرعاة قاد مصالح الأمن إلى تحديد هوية العصابة، حيث استندت مصالح الأمن في تحقيقاتها على تتبع المكالمات الهاتفية المسجلة للمتهمين وتحديد موقعهم بدقة أثناء كل الوقائع.المحاكمةجريمة اختطاف وقتل مصطفى، والتي شارك فيها 14 شخصا، فصلت فيها جنايات بومرداس، حيث استمرت المداولات للساعات الأولى من اليوم الموالي لانطلاق البت في المحاكمة، نطقت فيها هيئة المحكمة حكما بالمؤبد في حق “ب.ياسين”، عشريني، يعد المتهم الرئيسي في قتل الشاب “ب.مصطفى” ابن مدينة درڤانة.فيما أدانت المتهم “س.سفيان” ذو 19 ربيعا الذي قام باستدراج الضحية بـ20 سنة سجنا نافذا، لتتراوح أحكام باقي المتهمين البالغ عددهم 10 متهمين ما بين 3 و10 و15 سنة، وكذا عام موقوفة النفاذ عن جنحة عدم الإبلاغ لأعوان ضبطية قضائية بالعاصمة الذين لم يأدوا واجبهم تجاه الضحية إلى جانب أشقاء المتهم الرئيسي، مع تبرئة اثنين آخرين. لكن وخلال جلسة المحاكمة أصر كل واحد من المتهمين على إنكار التهم الموجهة إليه والإلقاء بروابطها على الآخر، في حين واجهتهم النيابة بالوقائع المتسلسلة والدلائل المستسقاة من التحقيقات المكثفة التي قامت بها عناصر الأمن وكذلك شهادة الشهود في القضية.صدمة العائلةخلفت جريمة موت مصطفى صدمة كبيرة لدى عائلته، خاصة والدته التي كانت تعتبر الجاني مثل ابنها، وكانت هي من أشرفت على إعداد طعام العشاء في عرسه، لكن لم يخطر في بالها يوما أن ذلك الشاب الذي فرحت بزواجه، وكانت تستقبله في بيتها مثل واحد من أبنائها سيقدم يوما على إزهاق روح فلذة كبدها، وبأي طريقة؛ اختطاف وتعذيب وذبح وحرق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات