رحم الله امرأ أهدى للحكومة أو السلطة عيوبها، ورحم الله حكومة وسلطة تتقبل النقد وتأخذ بالآراء الصائبة، تماما مثلما تفعل أنت يا عزيزي المحترم سعد مع السادة أعضاء الحكومة الموقرة، فالانتقاد البنّاء لأداء الحكومة (كأشخاص وممارسة) هو عمل وطني بامتياز، بل هو واجب مقدس ومطلوب من أجل بقاء الدولة وضمان قوتها، وتعزيز ضمني لصنّاع القرار وتنوير لهم، فهو، أي النقد البنّاء، يبصّر هذه الحكومة بعيوبها وأخطائها، ويزوّدها بأفكار ورؤى مغايرة لتلك التي تتبناها، والتي قد تكون صحيحة كما قد تكون خاطئة، ارتباطا بطبيعة البشر، مثل ما حدث مع مقترح تدريس العامية أو قضايا أخرى مماثلة، وهذا النقد تمارسه الصحافة المحترفة والأحزاب الجادة، في مناخ يتسم بالتسامح والحرية والوعي والوطنية، ولعل النقد الذي تمارسه الصحف في العالم المتحضر، واحد من أكبر حسنات الديمقراطية الغربية وأرقى مظهر من مظاهر حرية التعبير الهادفة، التي ساهمت في بناء دولة قوية ومجتمعات متحضرة تشارك في صناعة مصيرها جنبا إلى جنب مع صناع القرار.عندما تمارس النخب الحاكمة وحتى الدينية، الوصاية الفكرية، وتتوهم بأنها الوحيدة التي تمتلك الحق في احتكار المعرفة والشرائع والقوانين، فإن مناخ الحرية والإبداع يضيق وينحسر، فتحدث تصدعات وشروخ عميقة في المجتمعات، ويتراجع إنتاجها الفكري وإسهامها الحضاري، قبل أن تنهار أو يتقاتل أفرادها من أجل العيش، فشريعة “حمورابي” انهارت بعد أن طغى الكهنة واعتبروا الإبداع بدعة، كما أن الحضارة الرومانية تفككت بعد أن احتكرت النخبة القوانين واحتفظت بها لنفسها دون عامة الشعب، واستسلمت للبذخ والترف، في حين كان ازدهار عصر النهضة الأوروبية نتاجا لرفض الكنيسة التي حاربت العلوم والفلسفة واعتبرتها ضد مشيئة الرب.السلطة، أي سلطة في العالم، ليست في الواقع إلا قوة صرفة، تخضع في ممارستها لمصلحة أولئك الذين نجحوا في الاستيلاء عليها ويصعب عليهم التنازل عنها، وما السياسات التي يطبقونها سوى انعكاس صريح لمصالحهم والمنافع التي يرومونها، وإن تعارضت مع مصالح الشعب أو الوطن، لأنه أحيانا يلازم السلطة “عمى القوة”، فلا ترى ولا تتحرك إلا بمنطق القوة، وتلغي جميع الحلول والسياسات الخارجة عن ذلك النسق، والأمثلة كثيرة ومتعددة في وطننا العربي، وفي بلدان أخرى من العالم.الحق أني معجب كثيرا بدرجة الوعي التي يتسم بها الكثير من الصحفيين والكتاب الجزائريين، والنابع، بلا شك، من غيرتهم على البلاد ورغبتهم في رؤية الجزائر بلدا قويا آمنا، ينعم أهله بخيراته ومقدراته، يهابه القريب قبل البعيد، بالذود عنه إعلاميا وفكريا، حتى يبقى وطنا يطيب العيش فيه، كما تمناه أجدادنا، رغم أن جزءا من السلطة الرابعة عندنا، ولعدة أسباب معقدة، أصبحت مجرد حجر رخامي بارد وباهت، يؤثث المظهر العام للانفتاح الديمقراطي، بعد أن انتفت عنها ملكة صناعة الرأي العام وتنويره، وغاب لديها واجب نشر الوعي والفكر ومرافقة السياسة العامة للبلد بعقلانية.مع ذلك، الجزائر بخير مادامت هناك أقلام نزيهة وغيورة، تقول للحكومة في مواضع الغلط “أخطأت”، وتقول لها في مواضع الصواب “أحسنت”، وتنقل صورة مشرقة عن بلد المليون ونصف المليون شهيد.عبد العالي زواغي / كاتب صحفي
المرحوم محمد الشريف مساعدية قال لي: أنت الصحفي الذي ينبغي أن تقدر السلطة ما تكتبه، لأنك تخدمها بكتاباتك اللاذعة أكثر من الذين يمارسون مدحها صباح مساء. فأنت سلطوي أكثر من السلطة بما تكتبه!فقلت له: اترك هذا الفهم عندك ولا تعممه على رجال السلطة، لأن هذا يحرمني من الذي أدعي أنني انفرد به وهو استقلالي عن السلطة!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات