الأخطاء السبعة في مشروع أوبرا الجزائر

+ -

يحمل الطريق إلى بلدية أولاد فايت بالعاصمة مفاجأة ثقافية هامة، صرحٌ كبير خرج من عدم، بعد أن كانت المنطقة ”مفرغة للنفايات” تشكل مصدر إزعاج لعابري الطريق وسكان المنطقة. لم يعد اليوم لهذا المشهد ”المؤلم” أي وجود، فقد تحولت الأرض الجرداء إلى مشروع ثقافي ضخم يحمل معه تباشير إنشاء أول ”دار أوبرا” في الجزائر والمغرب العربي. تبنى ”دار أوبرا الجزائر” بسواعد الصينيين، وقدمت هدية للجزائر في إطار علاقات الصداقة بين البلدين، ومن المقرر أن ترى النور نهائيا آخر شهر أكتوبر القادم، بعد أن وصلت الأشغال إلى 95 في المائة في أقلمن 22 شهرا من أعمال الحفر والتشييد، ولسان حال المشهد يقول: ”كم هو جميل أن تشيد الجزائر ”أوبرا” في وقت تهدم ”داعش” صروح الحضارة وتبني قلاع الجهل وتحارب الإبداع”. عمال الصين في ”عرض أوبرالي” لبناء أول ”أوبرا في المغرب العربي”كانت جولتنا الميدانية إلى ”دار أوبرا الجزائر” رفقة المهندس محمد روان ، رئيس مشروع الأوبرا، من الجهة الجزائرية الممثلة في الوكالة الوطنية لتسيير إنجازات المشاريع الكبرى للثقافة، حيث شرح أبرز الخطوط العريضة للمشروع الذي أنجز على مساحة 4 هكتارات، وتم اختيار المكان بقرار سياسي هو الآن في المرحلة الأخيرة تقريبا، ولم يتبق إلا تهيئة السور الخارجي وموقف السيارات، بالإضافة إلى تركيب السلالم الكهربائية وتهيئة الإنارة. ويقول المهندس روان إن المشروع سيتم تسليمه في أجله المحدد يوم 13 أكتوبر 2015، وإن مهلة الشهرين المتبقيتين كافية لإتمام ما تبقى من المشروع.الأولى في المغرب العربي والثالثة عربيايقول المهندس: ”أصبح من حق أي جزائري أن يفتخر اليوم بأن بالجزائر دار أوبرا.. الجزائر ثالث دولة عربية بعد مصر وسوريا تنجز أوبرا، كما أنها أول دولة في المغرب العربي تشيد ”أوبرا”، لتحتضن هذا الفن الذي يمتد جذوره إلى القرن الـ16، من إيطاليا وعبر أكبر المدن في العالم”. بات مشروع ”دار أوبرا الجزائر” أكثر وضوحا اليوم، فبمجرد الاقتراب من مدخل بلدية ”أولاد فايت” من الجهة الشمالية، بمحاذاة الطريق الوطني الرابط بين تيبازة العاصمة، تطل البناية التي كتب في أعلاها باللون الأخضر”أوبرا الجزائر”، وقد بدأت تتضح ملامحها، التي تحمل عبق الفن وتلاقي الحضارات عبر موسيقى وعروض فن ”الأوبرا” الذي سيصدح لأول مرة في تاريخ الجزائر قريبا، في مهمة إعادة الروح لاسم ”أوبرا الجزائر”، التي افتتحت لأول مرة في الجزائر عام 1885، وهي التي تعرف اليوم بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، حيث كانت في ذلك الوقت صرحا فنيا بأهداف ”استعمارية”، عندما أنشأها الحاكم العام الفرنسي للجزائر كلوزال للمعمرين، واستقدمت أهم العروض الموسيقية في ذلك الوقت: حفلات ”كراستني” الباريسية وأوبرا ”كلوش دو كورنوفيل” للموسيقي الفرنسي ”روبرت بلانكات”، قبل أن تتعرض ”أوبرا الجزائر” للتلف بسبب الحريق، ويتم إعادة بنائها بالشكل الذي عليه المسرح الوطني بساحة بور سعيد.1400  مقعد وجدران من الرخاملمس فريق ”الخبر” بين الزيارة الأولى قبل نحو ستة أشهر، رفقة مسؤولي الولاية لتفقد مدى تقدم المشروع، وبين زيارة نهاية الأسبوع الماضي تقدما كبيرا في وتيرة الإنجاز، حيث وصل المشروع إلى تعليق ”الثريات” الكبرى في بهو ”الأوبرا”، وهي ثلاثة تستقبل الجمهور في المدخل الأساسي للمبنى، وتنير طريقه نحو العروض، ما يجعل من الوقوف في البهو أشبه بالحلم، ليدفعك الإحساس للقول: ”أخيرا للجزائر أوبرا”، وقد بدا حرص فريق الإنجاز كبيرا جدا على وضع أحدث المعدات وضمان أن يكون شكل ”دار أوبرا الجزائر” مزيجا بين الشكل المعماري الحديث مع لمسات فنية تقليدية، لهذا تم نقش جدران الأعمدة الأساسية ”يدويا” بصور باقات ورود أهدتها أنامل الصينيين للجزائر، في تلاقٍ حضاري مشرقي يعكسه نحت ”الأرابيسكا” الإسلامي الذي يزين الجدران، كما أن المساحة الكبيرة للبهو والسلالم ”الملفوفة” بطريقة فنية تجعل من المبنى ”تحفة” أنيقة لا مثيل لها.تشتمل ”دار أوبرا الجزائر” على طابقين، بالإضافة إلى مدرجات الطابق السفلي المخصص للجمهور، فهناك طابقان أعلاهما مخصص لكبار الضيوف، بسعة 1400 مقعد، يمكّن الحضور من متابعة العروض بوضوح من كل الزوايا، كما أن ”خشبة” العرض تعتبر من الأحدث في العالم، فهي خشبة متحركة باتجاه الأعلى والأسفل على مسافة تسعة أمتار، تجعل من إمكانية تغيير ديكور العرض ممكنا في ثوانٍ باستخدام المحركات الكهربائية، ومنظر الأوبرا بالإضافة إلى حجم ”الرخام” الذي يزين الجدران والبلاط يؤكد أن المشروع حالم وقد تم دراسته بعمق.عمال الصين..  7/7 و14 ساعة يومياتعكس وتيرة تقدم المشروع من قِبل العمال الصينيين المعنى اللغوي الحقيقي لكلمة ”أوبرا”، فالجهد الذي يتضافر بين العازفين والجوق، لتقديم عرض ”الأوبرا”، لمسناه فعلا لدى الصينيين الذين يعملون من أجل إنجاز ”دار أوبرا الجزائر”. لم يكن أحد من العمال يدخن سيجارة، ولم يكن أحد يدردش، كان الهدوء يعم المكان وكأن العرض الأوبيرالي قد انطلق قبل الأوان، حيث يعزف العمال سيمفونية إنجاز ”دار أوبرا الجزائر”، حتى دقت الساعة الثانية عشرة بالتمام والكمال، لنلاحظ كيف بدأ العمال الصينيون في مغادرة المكان بانتظام نحو مكان إقامتهم. وعند سؤال مرافقنا مسؤول الإعلام بالوكالة الوطنية لتسيير إنجازات المشاريع الكبرى، فيصل بوصبع: لماذا توقفوا عن العمل بهذه الطريقة؟ قال: إنهم يحترمون الوقت وقد حان موعد راحتهم لمدة ساعة ونصف ساعة، وبالضبط فقد عاد العامل إلى المشروع عند حدود الساعة الواحدة والنصف.عدد الفريق الصيني الذي يشرف على المشروع حوالي 400 عامل، لا أحد منهم يتحدث إلا لغة العمل والمثابرة. لم يكن تواصلنا معهم سهلا، لأنهم لا يتقنون اللغة العربية ولا حتى الفرنسية. وفي ظل غياب فريق المترجمين عن الموقع، لم نتمكن من إجراء حوار مع أحدهم، لكن مرافقنا المهندس محمد روان، أكد لنا أن العمال قدموا إلى الجزائر بدفعات مختلفة في مجالات بناء متعددة، يعملون على مدار الأسبوع بلا توقف، إلى حين انتهاء عقد عملهم ومغادرة الجزائر. يقيم العمال الصينيون على بعد أمتار عن مشروع الأوبرا، ولا يغادرون موقع العمل إلا نادرا، كما تضبط إشارة الانطلاق في العمل يوميا في الساعة الثامنة صباحا ويستمر العمال إلى وقت متأخر من الليل قد يصل حتى الساعة الحادية عشرة ليلا، وقد قدموا من عدة مدن صينية من شنغهاي، بكين، هونغ كونغ وغيرها التي تحمل معها أجمل صروح المباني المعمارية وأكثرها حداثة في العالم.الأخطاء الـ71 ـ   أوبرا فشل التخطيط السياسي قدرت القيمة المالية لـ«دار أوبرا الجزائر” الهبة التي قدمتها الصين للجزائر بحوالي 300 مليار سنتيم، قدرها اليوم أن تكون في مرمى البيروقراطية، وحالها يراقب صدى صوت ”أوبرا فشل التخطيط السياسي” الذي أراد أن يفك العزلة عن منطقة ”أولاد فايت” بإطلاق مشروع قطب ثقافي يشمل إنجاز قاعة للعروض بسعة حوالي 12 ألف مقعد، مركز تجاري وموقف للسيارات، كل هذه الأحلام التي تبخرت في زحمة ”سياسة التقشف” التي لم يعمل لها النظام حسابا، تضع ”أوبرا” الجزائر في عزلة كبيرة وحيرة أكبر.2 ـ أسلاك كهربائية عالية التدفق تحيط بالمبنى يرصد الزائر إلى ”دار أوبرا الجزائر”، والأشغال على وشك الانتهاء مع اقتراب موعد التسليم، ما لا يقل عن سبعة أخطاء لا يتحمل الجانب الصيني وزرها. لكن الأمر يتعلق بالمرافق التي يعود أمر تشييدها إلى السلطات الجزائرية، وأول الأخطاء هو الموقع الذي تم اختياره، ليس لعزلته وإنما لصورة ”أسلاك الكهرباء” التي تحيط بالمساحة ”دار الأبرا”، فعملية نقل هذه الأسلاك الكهربائية وإخراجها من محيط دار الأوبرا لفتح منافذ وطرق الوصول إلى ”دار أوبرا الجزائر” جد مكلفة، بالإضافة إلى العمليات التقنية التي تقتضي فصل الكهرباء عن مناطق بأكملها وعزلها عن الطاقة لمدة طويلة إلى حين.3 ـ  لا مدخل رئيس إلى غاية الآن أين الطريق إلى ”دار أوبرا الجزائر”؟ من أهم الأخطاء التي يمكن رصدها مدخل ”دار أوبرا الجزائر”، إذ لم يتم إلى غاية كتابة هذه الأسطر تهيئة الطريق المؤدي إلى ”دار أوبرا الجزائر”، وفتح منافذ من الطريق الوطني السريع باتجاهها. خاضت الولاية ووزارة الثقافة مفاوضات طويلة مع وزارة الأشغال العمومية في هذا الإطار، وتمت الموافقة على أن يكون الطريق منفذا من الجهة اليسرى للطريق السريع، لكن لم يتم إلى غاية الآن القيام بأي خطوة في الاتجاه، ما جعل ”دار أوبرا الجزائر” قصرا بلا أبواب إلى حين حل مشكلة ”الأسلاك الكهربائية”.4 ـ  العزلة على ”الطريق السريع” يُلاحظ أنه رغم ما تتمتع به الجزائر من واجهة بحرية واسعة، إلا أن اختيار أرضية مشروع ”دار أوبرا الجزائر” على ”الطريق السريع” جعلها في عزلة كبيرة عن نسيم البحر وعن المناظر البحرية الخلابة التي ستزيدها حسنا وجمالا وتجعل من ”دار أوبرا الجزائر” جوهرة حقيقة يمكن الافتخار بها عالميا، تنافس أعرق المراكز الفنية والمسرحية في العالم، فمثلا دار الأوبرا في سيدني بنيت من قبل المهندس المعماري يورن أوتسون على مرسى البحر، لتعكس صورة سفينة شراعية ضخمة.5 ـ  المحيط صوت نشاز في الأوبرا يبدو أن ”دار أوبرا الجزائر” ستدفع ثمن ضريبة سياسة التقشف غاليا، إذ لم تتقدم مشاريع تهيئة محيطها، وستكون العزلة هي الميزة الأساسية لهذا الصرح المعماري الكبير لو لم يتم تدارك الأمر، وإعطاء إشارة استغلال المساحة ”الجرداء” للأرض الخالية والمحيطة به التي تشوه منظره العام ويصبح كالصوت النشاز في الأوبرا..6 ـ   إطلاق مشروع التكوين بعد انتهاء أشغال البناء حسب خارطة الإنجاز التي رسمتها شركتا ”بي يو سي جي” و«س او أو دي” الصينيتان، فإن الانتهاء رسميا من أشغال البناء على مدار 23 شهرا من العمل سيكون آخر شهر أكتوبر القادم، وقد اقترحت الوكالة الوطنية لتسيير وإنجازات المشاريع الكبرى للثقافة أن ينطلق بعدها الجانب الصيني في برنامج يستمر لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، لتكوين خبراء جزائريين مختصين في تسيير ”دار أوبرا الجزائر”. وإلى حين إنجاز المشروع، لم يتم تحديد قائمة الفريق الذي سيدير الإنجاز، كما لم تنطلق أي مشاريع تكوينية، ما سيجعل ”دار أوبرا الجزائر” غير جاهزة للعروض إلا بحلول العام 2016، هذا إن لم تتأخر إلى ما بعد ذلك.7 ـ  أوبرا حيزية للافتتاح.. ولا تحضيرات سارع المسؤولون خلال زيارتهم التفقدية في عهد وزيرة الثقافة السابقة إلى الإعلان عن افتتاح ”دار أوبرا الجزائر” بعرض ”حيزية”، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر لم يعلن عن أي جهة أو فريق فني يشرف على إنجاز هذه الأوبرا، كما قالت الوزيرة السابقة إن عرضها سيكون شهر أكتوبر 2015، ليبقى الأمر غامضا وغير مؤكد، ولا يوجد أي مؤشر  إلى غاية الآن على تكليف فرق فنية بالإعداد للعرض. فهل ستقود وزارة الثقافة ”ملحمة قسنطينة الكبرى” إلى دار الأوبرا؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات