سجل تجاري مربح اسمه "الجمعيات"

38serv

+ -

بعضهم بطالون وكثير منهم فاشلون في حياتهم اختاروا أسلوب التطفل للاسترزاق دون بذل جهد أو تقديم منفعة للمجتمع، همهم الأكبر البحث عن مصادر المال والربح السريع بطرق أقل ما يقال عنها إنها طفيلية وإن كانت تحمل طابع الشرعية بعد أن احتال أصحابها على الدولة. مبدعون لشتى الكيفيات والوسائل القانونية للحصول على المال العام رغم أنهم في قرارة أنفسهم مقتنعون بأنهم يمارسون النهب والسطو المنظم بدعم من أحبابهم في غياب المتابعة والرقابة، الأمر الذي أساء إلى العمل التطوعي الجمعوي الحقيقي والجاد والهادف.اتخذ العديد من محترفي النهب المنظم من فكرة الجمعيات وسيلة لجمع المال والاسترزاق والعيش دون تقديم جهد يذكر للمجتمع، مستغلين في ذلك تشجيع الدولة للجمعيات الهادف إلى تنظيم المجتمع المدني وإشراكه في التسيير وتمكينه من المبادرة محليا ووطنيا، لكن الساهرين على متابعة ومراقبة نشاط هذه الجمعيات التي راح أصحابها يناورون في سبيل تحقيق مآربهم الشخصية، وقفوا عاجزين عن متابعة نشاط هذه التنظيمات الاجتماعية، وغابت الرقابة وتساهل الجميع مع هؤلاء، ما فسح المجال على مصراعيه أمام الطفيليين والمتسكعين لخلق جمعيات وهمية لا نشاط لها ولا برامج ولا هيكلة، فبمجرد أن تحصل على الاعتماد ينتهي كل شيء ولا يبقى لها نشاط سوى حساب الجمعية، الذي يتحول حينها إلى سجل تجاري ومورد مالي يقتات على فتاته من استبد بهم الطمع وأخذتهم نزوة النهب على مدار العام. فما أكثر الجمعيات التي لا يظهر لها أثر لأي نشاط ولا تقوم بأي مبادرة في مجالها ورغم ذلك تستمر في الوجود من دون أي محاسبة أو مراقبة. والغريب في الأمر أن هؤلاء يتمكنون من الاستفادة من إعانات الدولة وتجديد جمعياتهم ومن دون تقديم حصائلهم الأدبية والمالية ومن دون أي عائق، في ظل غياب الرقابة، ما يطرح تساؤلات عديدة عن الطريقة التي يحصل بها هؤلاء على الإعانات.جمعيات وهمية وضمائر غائبةكثيرا ما نسمع عن جمعيات لا أثر لها في الواقع، وكثيرا ما نقرأ أسماء جمعيات دون وجودها ميدانيا، وبحصيلة فارغة ورغم ذلك تستمر الجمعية أو بالأحرى اسمها يبقى ضمن قائمة الجمعيات التي تتمتع بالمال العام ولا أحد تحرك لتجميد مثل هذه الفطريات الضارة. والسؤال المطروح هنا: أين هي الرقابة والمتابعة السنوية لنشاط هذه الجمعيات؟ وكيف يتم تجديدها من دون تقديم حصيلة أو تقرير أدبي ومالي عند نهاية كل موسم طبقا لقانون الجمعيات؟ولعل ما يثير الاستغراب هو تلك الأموال المعتبرة التي تضخ في خزينة الجمعيات بشكل مبالغ فيه، حيث تتجاوز أحيانا الإعانات التي حددها القانون، فالمفروض أن النسبة المخصصة للجمعيات من صندوق الولاية لا تتعدى 7 بالمائة و3 بالمائة في البلديات، لكن هذه النسبة توزع بطرق تخلو من العدل والإنصاف، بل أحيانا، حسب بعض أصحاب الجمعيات ممن تحدثوا إلى “الخبر”، تحظى بعض الجمعيات بالأولوية وبحصة الأسد رغم أنها لا تنشط بشكل منتظم؛ ولنتصور أن المجلس الولائي ينفق على الجمعيات حوالي 6 مليارات سنتيم، بينما فاق المبلغ 40 مليارا خلال عامين في بعض البلديات، وهو ما يدعو للتساؤل. بولاية ميلة تجاوز عدد الجمعيات المعتمدة 1600 جمعية، منها 80 ذات طابع بلدي وفق آخر الإحصائيات المقدمة من مديرية التنظيم والشؤون العامة لولاية ميلة، وبحسب الإحصائيات ذاتها فإن عدد الجمعيات ذات الطابع الولائي يقدر بـ1574 جمعية، وهي جمعيات مختلفة، منها 330 جمعية ذات طابع ديني و200 ذات طابع رياضي، وهي الجمعيات التي قامت بمطابقة قوانينها الأساسية مع أحكام القانون 012/06 المؤرخ في 12/1/2012، في حين توجد الكثير من الجمعيات التي بقيت تنشط بطرق غير قانونية بعدما فشلت في مطابقة قوانينها الأساسية مع القانون الجديد المتعلق بالجمعيات، ورغم ذلك يواصل بعضها النشاط دون حسيب ولا رقيب. فإذا تم استثناء الجمعيات الرياضية المشكلة لفرق ونواد رياضية والتي تنشط على مدار السنة، وكذلك الجمعيات الدينية التي تسيّر المساجد، وهو ما يجعل الهيئات العمومية تعمل على مساعدة هذه الجمعيات على تسوية وضعياتها ومطابقتها للقانون الجديد، فإن الكثير من الجمعيات تبقى عاهة على المجتمع وتجتهد بشتى السبل لتحصيل الإعانات العمومية وتبتدع الطرق والأساليب التي تمكنها من استنزاف المال العام وتبذيره في وجهات مختلفة. ومن بين الجمعيات المعتمدة نجد 87 جمعية مهنية، و95 جمعية ثقافية وفنية و411 جمعية أحياء و12 بيئية واثنتان للمستهلك وجمعيتان علميتان بلديتان و47 خيرية و3 صحية وللمعاقين غير المؤهلين جمعية واحدة، ومثلها للمتقاعدين والمسنين. ويقدر عدد الجمعيات المعتمدة وطنيا ومحليا على المستوى الوطني بـ78 ألف جمعية و323 وطنية و77361 محلية سنة 2009.إن الحديث عن التنامي الرهيب للجمعيات الطفيلية لا ينكر حقيقة وجود جمعيات فعلية وجادة ومنضبطة وتحترم القوانين وتعمل وفق أهدافها المسطرة، وقد استطاعت أن تفرض وجودها بقوة في الساحة الولائية والبلدية من خلال كثافة برامجها وتنوعها، وكانت لها ثمار نشاطها، وفي كل المجالات الرياضية والخيرية والبيئية والمهنية، على الرغم من أنه كثيرا ما تعترضها صعوبات وتهميش وإقصاء من الإعانات العمومية، وقد يكون وراء ذلك خلفيات وحسابات بحسب بعض منشطي هذه الجمعيات، لكن يبقى عدد مثل هذه الجمعيات قليل ويكاد يعد على أصابع اليد، لأن أغلب الجمعيات التي تحترف “التسول” الاجتماعي إن صح التعبير لا يهمها سوى جمع الأموال والانتفاع به على المستوى الشخصي أو على مستوى ضيق دون تقديم فائدة تذكر.والغريب في الأمر أن ثمة جمعيات وهمية لا توجد سوى على الورق ولا وجود لها في الميدان ولكن تتحين الفرص وتعمل على تجديد اعتمادها في كل مرة، في ظل وجود حديث عن تواطؤات مع أصحاب هذه الجمعيات وخصهم بإعانات معتبرة دون أي نشاط بالمقابل، كما أن البعض يصطاد أحسن الفرص للانقضاض على أموال الدولة ومن دون أي مساهمة.جمعيات تحترف الشيتة والتملق لضمان بقائها ونيل الحظوةما أكثر أولئك الذين يؤسسون جمعيات ويتسللون في صمت ويتسلقون في سلم التملق بحثا عن التموقع وافتكاك مكان تحت الشمس لتقع عليهم أعين المسؤولين صباح مساء، ظنا من بعضهم أنها أمثل وسيلة لبلوغ المراتب والمراكز، لكن الأيام سرعان ما ترفع الستار عنهم وتكشفهم ونواياهم.لم يعد العمل الجمعوي ذو الطابع التطوعي يتم وفق تلك الأطر الأخلاقية والاجتماعية المعروفة، بل تحول إلى مطية لتحقيق مآرب وخدمة أهداف شخصية ونزوات فردية. وهو ما أفقده قيمته ومكانته بين أفراد المجتمع، ولم يعد هناك من يثق في العمل الجمعوي. لقد ساهمت مثل هذه السلوكات المنحرفة في إفراغ العمل الجمعوي من محتواه وأفقدته قيمته، وبالتالي لم يعد هناك من ينخرط في هذا النشاط الاجتماعي والمهني إلا القليل. مثل هذه الجمعيات التي تنمو بسرعة أثناء المناسبات الانتخابية والاستحقاقات، وتتحول إلى لجان مساندة لهذا الحزب أو ذاك دون الالتزام بمهامها القانونية وبقائها بعيدا عن التحزب.“ناس الخير” موضة جديدة حلّت محل الجمعيات قبل أن يفككها الانتهازيونظاهرة جديدة طفت على السطح محليا ووطنيا خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفضل الوسائل التكنولوجية الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” و«تويتر”، وهي ظاهرة ما يعرف بـ«ناس الخير” التي انتشرت عبر ربوع الوطن وفرضت وجودها بسرعة واحتلت مكانة مرموقة بين الشباب وفي قلوب المواطنين، وقامت بمبادرات خيرية واجتماعية عالية المستوى، وتجاوز نشاطها نشاط تلك الجمعيات التي تنهب المال العام على مدار السنة ودون أن ترى لها ثمار، عكس “ناس الخير” التي كانت لها عديد المبادرات في كل الولايات تقريبا، واستبشر بها الناس كثيرا، وقد أسال نجاحها لعاب الانتهازيين من الذين تعودوا على الاصطياد في المياه العكرة فراحوا يتسللون إليها قصد الاستفادة من نجاحها ما عجل بموت بعضها. هذه التنظيمات التي تأسست افتراضيا قبل أن تقف على أرجلها في الواقع لم تستفد من أموال عمومية ولم تنهب وإنما قدمت أفكار ومبادرات عادت بالفائدة على المجتمع قبل أن تلوثها الأيادي غير النظيفة وتعبث بأهدافها. ومن أبرز جمعيات “ناس الخير” التي حجزت لنفسها مكانا تحت الشمس بميلة “ناس الخير شلغوم العيد” و”ناس الخير رجاص” و«ناس الخير باينان”، وهي تنظيمات فاسبوكية استطاعت في ظرف قياسي أن تقوم بمبادرات رائدة واستحقت بذلك كل التقدير.والمطلوب حسب بعض الناشطين في المجال الجمعوي هو غلق أبواب الاسترزاق أمام الجمعيات الفاشلة وفتح تحقيقات حول بعضها، مع تشجيع تلك التي أثبتت وجودها كشريك اجتماعي فعال في الساحة المحلية. وبلغة الأرقام نستعرض آخر الإعانات التي خصصتها الولاية حسب خلية الاتصال لـ62 جمعية، منها 48 رياضية و15 ثقافية، منها جمعيات لا نشاط لها، في حين تم تغييب جمعيات أخرى فرضت وجودها بنشاطها المستمر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات