قال رئيس تحرير أخبار راديو “بور آفام” بباريس، عبد الكريم برانين، لـ«الخبر” إن وضع الجالية المسلمة بفرنسا لم يتغير منذ وقت طويل، ولم يتغير إلا نسبيا: “فذلك الميول بالنسبة لوسائل الإعلام الفرنسية نحو إدانة المسلمين وتشويه صورتهم لم يتغير، فكلما قام مواطن فرنسي بارتكاب أي حادثة، سواء كانت من الأخبار المتفرقة أو غيرها، يشار إليه على أنه فرد من الانتماء الإسلامي، مع التركيز بطبيعة الحال على الأصول”. وأوضح المتحدث أنه لا يدري إذا كان ذلك الميول إراديا أو مقصودا، وإنما الأخبار تنقل على ذلك النحو. مشيرا إلى أن ذلك لا يقع في الإعلام فقط، بل تشارك فيه الخطابات السياسية لرجال الطبقة السياسية الفرنسية الذين يوجهون جملة من الأسئلة من خلال خطاباتهم إلى كافة أفراد الجالية المسلمة، حيث “تجد هذه الأخيرة نفسها محرجة وينتابها شعور وكأن عليها تقديم توضيحات عن أفعال اقترفتها أقلية من الفرنسيين هم في الحقيقة أبناء الوطن من الانتماء الإسلامي بمختلف أصولهم، من ذلك الذي ترعرع وسط عائلة مسلمة إلى غاية من كبر بلا ديانة له. فهناك بعض المفاهيم الخاطئة لدى المجتمع الفرنسي الذي يعتقد أن كل من هو من أصل عربي فهو بالضرورة مسلم”.مقترفو الأعمال الإجرامية من منتوج فرنسيويضيف عبد الكريم برانين أن مسلمي فرنسا اعتادوا على سماع تلك الأخبار عبر أثير الراديو أو مشاهدتها على شاشات التلفزيون أو قراءتها على الجرائد: “فبالأمس القريب كان تناول خبر ضرب مواطن فرنسي مسلم لزوجته من الأخبار المتفرقة لا يتم تضخيمه ولا يأخذ حجما أكبر من ذلك، لكن اليوم تبدلت المعطيات، خاصة بعد الهجمات الأخيرة بباريس والاعتداء على شارلي إيبدو، حيث أخذت تلك الهجمات طابعا إرهابيا، فمنذ ذلك اليوم أصبح مسلمو فرنسا يعيشون حالة من الخوف والقلق الدائم لما قد ينتج من عواقب في المستقبل، خاصة أمام تنامي أفعال الإسلاموفوبيا وكثرة الخطابات السياسية المعادية للإسلام، وتأتي بعدها وسائل الإعلام، لاسيما أن هناك قنوات تلفزيونية للبث المستمر للأخبار 24 ساعة على 24 ساعة تضفي لمسة بمذاق مر على الأخبار المتعلقة بالمسلمين، الأمر الذي يدفع أعضاء الجالية المسلمة إلى طرح جملة من الأسئلة لإعادة تنظيم أمورهم”، ويؤكد محدثنا على دور السلطات الفرنسية التي عليها طرح جملة من الأسئلة، تتعلق أساسا بمفهوم المواطن الفرنسي: “خاصة أنه لحد الآن كل من اقترف هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية هو ابن الوطن الفرنسي، ويجب طرح السؤال الحقيقي، لأن هؤلاء الأشخاص علاوة على تقتيلهم أناسا أبرياء باسم الإسلام إلا أنه يوجد لديهم نوع من العنف الشديد بداخلهم، فمن أين توّلد ذلك العنف؟”، معقبا أن وسائل الإعلام الفرنسية في هذه النقطة بالذات، وعند تناول هذه الأخبار، لا تطرح الأسئلة الحقيقية ولا تتعمق في جوهر الموضوع وأصل مصدره في غياب النقاش الصريح، “لكن المشكل الحقيقي يبقى دائما قائما حول إسلامية هؤلاء الأشخاص. وعندما نرى كل ما يحدث اليوم من مشاكل مستعصية في العالم، مثلا في بورما واضطهاد أقلية الروهينغا وكذلك المتطرفين الأرثوذكس وفي النرويج ومجزرة الولايات المتحدة الأخيرة داخل كنيسة، نتساءل عن علاقة أفعال هؤلاء بالإسلام”.ويقول عبد الكريم برانين: “واليوم تصب وسائل الإعلام اهتمامها في طرح سؤال لماذا المسلمون هم إرهابيون والعكس؟ وهذا من المفروض يجب أن يكون جزءا من النقاش للانتقال إلى مسألة جوهرية أخرى تتمحور حول قضية استضافة بعض القنوات التلفزيونية لأشخاص يتم تقديمهم على أنهم خبراء في الإسلام، وفي الواقع هؤلاء الضيوف ليسوا بخبراء مختصين في الإسلام وإنما أئمة فقط، وطبعا من الممكن الأخذ بالاعتبار رأي الإمام لكن لابد من رأي المختص في الإرهاب والإسلامولوجيا أيضا، كما لا يتم التطرق إطلاقا إلى مسؤولية المجتمع الفرنسي، وإذا تم تحليل شخصية مقترفي هذه الأفعال نجد بأنهم منتوج فرنسي وعلى هذا الأساس فالخطأ يكمن في المجتمع الفرنسي الذي يحاول التملص من مسؤوليته بخلقه وحوشا من هؤلاء الأطفال الذين تبنوا العنف، والمسلمون أيضا يتقاسمون هذه المسؤولية لأنهم جزء من المجتمع الفرنسي، ولا يمكن تحميلهم المسؤولية كاملة لأن ذلك خطأ كبير وكارثي، ولكن لديهم جزء منها”.أمنية مسلمي فرنسا عدم تسليط الضوء عليهمويعتقد رئيس تحرير أخبار “بور آف أم” أن أمنية مسلمي فرنسا اليوم تتجلى في التوقف عن التكلم عنهم في كل لحظة، وأن يتم تهميشهم إعلاميا وتركهم في مشاكلهم اليومية وعدم تسليط الأضواء عليهم، و«هم في قلق دائم إلى درجة أنهم أصبحوا اليوم يتمنون عند سماعهم لأي حدث في فرنسا أن لا يكون من أصولهم، لأنهم يعرفون بأن ذلك سيتسبب في إلقاء اللوم عليهم من جديد وتحميلهم عبء تلك الأخبار”، الأمر الذي يصفه متحدث “الخبر” بغير المعقول، “فحقيقة اليوم هناك خوف، وهو ما تؤكده أرقام أفعال الإسلاموفوبيا التي عرفت مؤخرا ارتفاعا بنسبة 281 في المائة في الفصل الأول من السنة الجارية، مست الاعتداءات على المساجد برمي رؤوس وبقايا الخنازير داخلها وزجاجات المولوتوف. وعلى السلطات الفرنسية أن تتخذ الإجراءات اللازمة لاسيما مع تأزم الوضع وخطورته، عندما وصل الأمر إلى مسألة الرمي بالرصاص، والحمد للّه لحد الآن لم يخلف ذلك ضحايا”، يقول عبد الكريم برانين: “خاصة أن فرنسا اليوم تعيش ضجة إعلامية وسياسية، والأشخاص الذين لم يكونوا معادين للإسلام سابقا أصبحوا اليوم كذلك، بل أصبحوا يعتدون على كل شخص يحمل لحية أو يرتدي الزي التقليدي”.وزن مسلمي فرنسا ثقيلوأضاف متحدث “الخبر” أن لمسلمي فرنسا وزنا ثقيلا من الناحية الاقتصادية، “فهناك بعض المدن الفرنسية تتحول إلى مدن أشباح لغلق هؤلاء محلاتهم التجارية يومي العيد دون وعي مسلمي فرنسا بذلك، بالإضافة إلى عديد الكفاءات والإطارات الشبابية التي لها شأن كبير داخل المجتمع الفرنسي، وهو ما بدل المعطيات اليوم عكس ما كان عليه سابقا الجيل الأول وأولياؤهم الأميون، وهذا ما يزيد أيضا من العنصرية والتمييز بفرنسا، خاصة وسط الطبقة العاملة الفرنسية البسيطة التي تعيش في هوس من المراتب التي وصل إليها مسلمو فرنسا ويدعم ذلك الهوس اليمين المتطرف”. ويختم محدثنا أنه “يجب اليوم فهم شرعية خوف مسلمي فرنسا من التصاعد الحاد للإسلاموفوبيا موازاة مع أخذ هؤلاء مكانتهم داخل المجتمع الفرنسي بأعلى المراكز. ولكن يبقى السؤال مطروحا هل سيستطيع مسلمو فرنسا الحد من الإسلاموفوبيا أم ستعرف هذه الأخيرة تناميا أكثر مما هي عليه؟”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات