قال مدير معهد الدراسات والبحوث الجيو إستيراتيجية للعالم العربي بباريس، الدكتور أحمد البرقاوي، لـ«الخبر”، إن مسلمي فرنسا هم بصدد إقصاء أنفسهم باستعمالهم لمصطلح الجالية، في الوقت الذي هم فيه مواطنون مسلمون فرنسيون، مشددا على أنه: “يجب التفريق بين من يسمون جالية ومازالت قضاياهم تعالج على أنهم مهاجرون وبين الشق الآخر المتعلق بالفرنسيين من الديانة المسلمة ومعالجة قضاياهم بشكل آخر. ويجب أن يُفهم بأن هناك اختلافا بين المهاجرين ومسلمي فرنسا مثل أولادنا. ولا يزال الساسة الفرنسيون يتعاملون معهم على أنهم مهاجرون وليسوا فرنسيين”. مضيفا: “واليوم هناك خوف، ولا يرغب الفرد في التهويل؛ وإنما بالنظر إلى الوضع فيخشى الفرنسيون من حصول سيناريو البوسنة والهرسك في فرنسا لو لم يتحكم مسلمو فرنسا في زمام الأمور”.وتناول متحدث “الخبر” الموضوع من جهتين: “بداية من الشق المتعلق بالفرنسيين الذين لديهم جنسية فرنسية من أصول عربية أو إسلامية، والشق الثاني المتعلق بالمهاجرين الحائزين على بطاقة إقامة تسمح لهم بالمكوث بفرنسا وكذا العمل على أراضيها، وهذه الهجرة بدأ تاريخها منذ استعمار فرنسا للجزائر، وكان أغلبهم يدا عاملة ثم أصبحت مستوطنة وأصبح لها أبناء في الجامعات ولهم مراتب متقدمة في الإدارة الفرنسية وفي مناصب مؤثرة وحساسة جدا، واعترضتها بعض العقبات والعوامل إن صح القول تتعلق الأولى بمسألة إدماجهم في المجتمع الفرنسي”، الذي أخفق في ذلك، يقول الدكتور، خاصة فيما يخص المسلمين من الجذور المغاربية، “وربما هناك تعمد إقاء من قِبل الساسة الفرنسيين لهذه الشريحة مسلمة، مبررين ذلك باختلاف الدين واللغة، مقدمين بعض التقارير التي تكشف ضرورة إدماجم المسلمين، خاصة من الأصول المغاربية، بالتخلي عن تراثهم وتاريخهم واللغة العربية، وهو ما يدعو إليه بعض الساسة من اليمين الفرنسي المتطرف”، ويشير الدكتور البرقاوي إلى أنه منذ مجيء فرانسوا ميتيران إلى الحكم، ومما هو ملاحظ في فترة حكم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، فإن هناك جهودا لإدماج المسلمين مثل بعض الشرائح في المجتمع الفرنسي كالإسبان والبرتغاليين والبولونيين، الذين استطاعوا أن يندمجوا وأن تكون لهم مواقع تأثير سياسية، وهم ممثلون في البرلمان الفرنسي ولهم علاقات بل هناك جسور قوية جدا مع بلدانهم الأصلية، “ولكن، وفي حالة المسلمين، لحد الآن لم يسمح الساسة الفرنسيون للجالية المسلمة أن تكون لها جسور مع جمهورها الواسع في بلدان آبائهم وأجدادهم من الأصول العربية والإفريقية”. وأضاف الدكتور أحمد البرقاوي بأن “العديد من الساسة الفرنسيين يعرقلون ذلك ولا يريدون الإدماج، وإنما يريدون مسح الجذور وطمس الهوية الإسلامية، ما قد يخلف انفصاما في الشخصية للمواطن الفرنسي من الجذور العربية والانتماء المسلم، والمسلمون لن يقبلوا بذلك”، مشيرا إلى النموذج الأمريكي والأسترالي في التعامل مع المسلمين، حيث نجحت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا في إدماج مسلميها في المجتمع، وبإمكان هذا النموذج أن ينجح في فرنسا، حسبه، وتصبح الجالية المسلمة من الجذور العربية فاعلة في المجتمع بالنظر للأعداد الهائلة للطلبة الذين تضمهم الجامعات الفرنسية اليوم من أبناء هذه الجالية، لأنهم متألقون وأصبحت لهم مواقع حساسة في البلديات والإدارات والوزارات، لكن، يضيف الدكتور: “لم تتم رؤية لحد الآن تمثيلا حقيقيا في البرلمان لهذه الجالية، وهي مهمشة في هذا الجانب، وحتى من ناحية الإشهار على القنوات التلفزيونية مقارنة بالأفارقة، فهناك إقصاء متعمد لأبناء الجالية من الأصول العربية، خاصة في هذه الفترة”.ويشير الدكتور البرقاوي إلى أن هذه الجالية المسلمة أصبحت لها مقومات سوسيولوجية قوية في فرنسا وكذلك في الجانب الاقتصادي، حيث أثبتت بعض الإحصائيات أن رقم الأعمال يتضاعف فيما يخص المواد التقليدية ذات الصلة بالجالية المسلمة، لاسيما في شهر رمضان وبعد الأعياد، و«المختصون في الاقتصاد يقولون بأن الجالية المسلمة تساهم بقدر كبير في إنعاش الاقتصاد الفرنسي، وأبناء الجالية اليوم يدافعون عن فرنسا وعن أمنها واستقرارها كما فعله أجدادهم أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن للأسف الساسة الفرنسيون لا يحاولون رد الاعتبار لهم، واليوم بعد ثورات الربيع العربي وما آلت إليه الأوضاع في المنطقة العربية في العراق وسوريا واليمن فهناك خشية من أن يتأثر أبناء الجالية في فرنسا بما يحدث في تلك المنطقة، خاصة وأن بعضهم يعتبر نفسه خارج الحدود الفرنسية ولا يتمتع بكل حقوقه ولهذا يسافرون للجهاد”. كما تأسف الدكتور البرقاوي من التشخيص الإعلامي المشوه للجالية المسلمة بفرنسا: “فبعد أحداث شارلي إيبدو زاد من تضخيم المسألة ما يدل على مؤشر خطير، لأن أعضاء الجالية المسلمة اليوم يحسون بالخوف المستمر، لأن السياسة الفرنسية لم تسطع توفير حق الأمان والاستقرار لهم”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات