"الهايشة".. "لم يعد على هذه الأرض ما يستحق البقاء"

+ -

اختار المخرج المسرحي محمد شرشال أن يمنح جمهور المسرح الوطني محي الدين بشطارزي تذكرة لعبور مشاعر المواطنين في عالم يسوده “الظلم”، كما يوحي عنوان المسرحية “الهايشة”، بحجم الألم الذي يدفع الإنسان ليختار ارتداء ثوب “الوحش” بعد أن صدت الأبواب وصفدت “الأحلام”.. حال المسرحية لمدة ساعة ونصف بين الجد والهزل يسرد واقع البيروقراطية والتهميش والبطالة التي عششت في الأوطان العربية. عرفت خشبة المسرح الوطني تجربة جديدة مع الاقتباس المسرحي من مسرحية “الرينوسيروس” 1959، للمسرحي الفرنسي الراحل روجين يونسكو “1931-1994” الذي عاش مهوسا بالبحث عن عوالم خارج نطاق الطبيعة مشككا في غاية الوجود الإنساني؛ هذا النوع من المسرح العبثي شد انتباه محمد شرشال الذي راهن على نصوص يونسكو من أجل أن يعود رفقة مجموعة من الممثلين الجزائريين: طارق بوعرعارة ووائل بوزبدة وعديلة سوالم وعبد الكريم ونضال عبد الرحمان اكاربوان وليلى توشي، ومجموعة من الراقصين الذين منحوا العرض نفسا خاصا يحاور الألوان والموسيقى التي صممها كل من الكوريغرافي سليمان حابس والسيتوغرافي يحي عبد المالك وصوفي عبد القادر، ليقف العرض فوق خشبة تحاور العنف والكراهية وحماقة البشر التي تصنع مشاهد ساخرة وأخرى حزينة بعد أن غابت العدالة واستقال “النظام”.يشدك الديكور الكبير الذي صمم خصيصا للعرض، وعرف المخرج كيف يستغله لأكثر من مشهد، فهو بيت المواطن البسيط الذي يعيش عزلته في قبو العمارة، يعيش مسافرا بأحلام العاشق الولهان والمواطن “التعبان”، وهو مكتب يجتمع فيه جحافل الموظفين تحت سقف الطاعة لمديرهم، وهو أيضا واجهة الهروب إلى عالم “الأشباح” عالم قرر فيه الجميع أن يكون “هايشة” كما يقول المثل الشعبي: “ما يشكر السوق غير لي يربح فيه”.لهذا كان عرض مسرحية “الهايشة” قاسيا أحيانا، ظريفا خفيف الظل أحيانا أخرى، يزاوج بين الأمل والخيبة، ويدفع الجمهور الذي كان حضوره متواضعا في العرض الأخير للمسرحية، ضمن سلسلة العروض التي قدمت على مدار شهرين، نحو متابعة المسرحية حتى النهاية، ثم يقف تصفيقا على أداء الممثلين الذين كان أداؤهم صادقا، حيث تشعر بأنهم حقيقيون على خشبة المسرح، كيف لا وواقع المسرح الوطني جزء لا يتجزأ من حالة الألم والعبث الذي يعيش فينا.تجنب العرض إرهاق المتابع للعرض بالمصطلحات واللغة المعقدة، حيث استعان بـ«العامية”، وقرب المشاهد من حوار يلتقيه في محطة القطار وفي البيت، ويستمع إليه يوميا في العمل، دون تكلف أو فرض “سلطوية” النص على المتابع. كانت المسرحية باللهجة الجزائرية المهذبة تستحق أن يقطع لها الجميع تذكرة بقيمة 200 دينار جزائري.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات