الملايين صرفت والسينما الجزائرية لا تزال في”الإنعاش”

+ -

مرّت خمس سنوات كاملة على تجربة الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي في إنتاج الأفلام الجزائرية، تجربة مثيرة للجدل كانت بدايتها مع إنتاج فيلم ”الخارجون عن القانون” للمخرج رشيد بوشارب، سنة 2010، بداية ”جيدة” مقارنة لما حققه الفيلم من ”ضجة” وترويج وحضور في أهم المهرجانات العالمية منها ”كان”، لكن لقاء الجمهور بالأفلام الجزائرية ومستوى الإنتاج عاد ليشكل هاجسا كبيرا، ويطرح سؤالا جوهريا ”هل ستكون السينما الجزائرية بخير بعد سحب الإنتاج من تحت بساط الوكالة”؟    نجحت الوكالة الجزائرية من دخول عالم الإنتاج السينمائي سنتين فقط منذ تأسيسها، في تقديم أفلام استقبلت بإيجابية في عدة محافل سينمائية، بداية من عام 2012 مع تجربة فيلم ”قداش تحبني” للمخرجة فاطمة زهراء زعموم، ثم فيلم ”زبانا” للسعيد ولد خليفة. كما أنتجت الوكالة في ذات العام فيلم ”يما” لجميلة صحراوي، ”عطور الجزائر” لرشيد بلحاج، والتي يمكن اعتبارها الأفضل في مسار الخمس سنوات، لهذا كان عام 2012 مميزا، رغم تعثر إنتاج فيلم ”الأندلسي” للمخرج القدير محمد شويخ، بسبب الظروف الصحية.غير أن هذه الانطلاقة لم يكتب لها الاستمرار طويلا، لتتعثر بقوة عام 2013 وتجد السينما الجزائرية في ”قفص الاتهام” بـ«جريمة إنتاج أفلام بمبالغ خيالية لا تحظى باحترام الجمهور، ولا تقنع المهرجانات” وهي أفلام لا تزال في ”أدراج” الجهة المنتجة، على غرار فيلمي ”الكاذب” للمخرج علي موزاوي وفيلم ”البطلة” للمخرج بشير عڤون وفيلم ”تيتي” للمخرج خالد بركات، وكذا فيلم ”أيام من رماد” لعمار سي فوضيل، وحتى فيلم ”حراڤة بلوز” للمخرج الكبير موسى حداد، لم يحقق القفزة الحقيقية التي تستحقها السينما الجزائرية، وبهذا الشكل كانت سنة 2013 مسيرة باهتة للإنتاج السينمائي. يبدو جليا أن هذا الإخفاق، تطلّب استدعاء المخرج رشيد بوشارب الذي أنتج من خزينة الوكالة فيلم ”إيمني واي”، بمشاركة الممثل الأمريكي فورست ويتكر، حاول الإنتاج السينمائي الجزائري عام 2014 الرهان على المخرجين الكبار، ليستدعى في نفس السنة لخضر حامينة وكذا بلقاسم حجاج، في محاولة للرهان على العالمية، لكن السؤال الأكبر الذي ظل مطروحا ”أين ومتى وكيف تعرض وتسوّق الأفلام”، فحتى تجربة رشيد بوشارب مع فورست ويتكر لم تكلل بالنجاح الباهر، ولم تصل سقف التحديات التي تم رفعها، لم يعرض ”إيمين ومي” حتى في أمريكا البلد الذي تم تصوير الفيلم به، كما لم يلتق إلى غاية كتابة هذه الأسطر فيلم ”غروب الظلال” للمخرج لخضر حامينة الجمهور العريض، بينما منح مهرجان ”فيسباكو” واغادوغو تجربة الجزائر مع فيلم ”فاطمة نسومر” الجائزة الفضية للدورة الماضية، ورغم ذلك فالسينما الجزائرية لا تزال في غرفة الإنعاش، بعد خمس سنوات أنتجت فيها الوكالة أزيد من مائة فيلم، لا يقدم إلا ثلث الإنتاج في عروض خاصة ورسمية ومشاركات معظمها رمزية في مهرجانات كانت تجامل في الأساس ”اسم الجزائر”، بينما لم يستطع أحد من المسؤولين الذين تقلدوا هرم قطاع وزارة الثقافة، ردم الهوة بين الجمهور والأفلام.إنتاج 50 فيلما روائيأ عام 2014 .. من يصدّق ذلك؟من المستفيد من هذه الأفلام؟ بلا شك ليس الجمهور في ظل ما يشبه حالة ”التصحر” في حركة التوزيع والعروض السينمائية في الجزائر، فمعدل القاعات السينمائية الناشطة في الجزائر بشكل تجاري، لا يتجاوز قاعتين فقط، تقدم عروض أفلام قديمة، كما لا تعرض إلا قاعة واحدة بعض الأفلام التي تنتجها الوكالة في قاعة ”الموڤار”. ورغم ذلك فـ”كاتلوج” الإنتاج السينمائي الجزائري للسنوات الخمس الماضية، يزعم أنه في منتصف عام 2014، قدّم 100 فيلم، بينها أكثر من 50 فيلما طويلا، و12 فيلما قصيرا، و30 فيلما وثائقيا، لكن خلاصة المشهد لا تحمل 50 فيلما كما تزعم مقدمة ”الكاتلوج”، فالأفلام المنتجة لم تتجاوز 15 فيلما روائيا طويلا، ورغم ذلك يمكن القول أن عام 2014 قدّم أحسن الأفلام الجزائرية في السنوات الخمس الماضية، لاسيما فيلم ”الوهراني” للمخرج إلياس سالم، وتجربة الوكالة مع المخرجة الفلسطينية نجوى النجار في إنتاج فيلم ”عيون الحرامية”، بالإضافة إلى فيلم ”ألبئر” للمخرج لطفي بوشوشي، كما يحسب للوكالة خلال تلك السنة أنها أعادت إلى الواجهة المخرج الكبير لخضر حامينا بعد عقود من الغياب.من الإنتاج إلى ”الأدراج”.. والحديث عن ”الميزانية” و”المداخيل” .. خط أحمربشكل عام فالمعدل الفعلي لعروض الأفلام الجزائرية أو مشاركتها في المهرجانات ظل ”رمزي” جدا، فالأفلام المنتجة منذ عام 2010 لم تكن في مستوى الطموحات تقرب الإنتاج السينمائي من المخرجين، فبينما تتحاور الإنتاجات السينمائية العالمية بمنطق ”المداخيل” و«الميزانيات”، إلا أن الجهات التي تتعامل في الجزائر بإنتاج أفلام بأموال الشعب ومن الخزينة العمومية، ترفض في كثير من الأحيان الكشف عن المبالغ الحقيقية لإنتاج الفيلم، مثل المنتج بلقاسم حجاج الذي رفض الكشف عن ميزانية فيلم ”فاطمة نسومر”، وهو شأن عدة أفلام جزائرية انطلاقا من ”الخارجون عن القانون” الذي لا نعرف كم صرفت عليه الجزائر، هذا في وقت تتحدث فيه الوكالة أنه في منتصف عام 2013 دعمت الوكالة بـ 48 فيلما، بما في ذلك 42 من الأفلام الروائية و6 أفلام قصيرة، بالإضافة إلى 30 فيلما وثائقيا، أولى اهتماما خاصا لصناع الأفلام الشباب أو الجيل الجديد في السينما، لم تجد إلا المهرجانات لتحفظ ماء الوجه للإنتاج السينمائي الجزائري، ومع ذلك يبقى رقم المداخيل في حال صدّقنا بتلك الأرقام، غير أن الوكالة لم تتمكن سوى من دعم توزيع وترويج ثلاثة أفلام هي ”لوبياحمراء” لنريمان ماري، ”ثورة الزند” لطارق تقية، ”الدليل” للمخرج عمور حكار، ليبقى السؤال قائما ما هي أهمية ونتائج المشاركة في أسواق الأفلام بالمهرجانات الكبرى؟”غول” فيلم ”الأمير عبد القادر”لا يشير ”كاتلوج” الوكالة إلى فيلم ”الأمير عبد القادر”، هذا الفيلم الروائي الذي أثار كثيرا من الجدل، لما دار حوله من شكوك و”فضائح”، وصل مداها إلى قصر المرادية، ليتم إلغاء المشروع أو توقفه بأوامر فوقية، حمل حينها المخرج الأمريكي شارل برنات حقائبه عائدا إلى بلده، كما اختفى عن الأنظار المنتج الفرنسي فيليب دياز، وبهذا الشكل توقف المشروع، بينما أتى الغبار على الديكور الضخم الذي تم الشروع في بنائه لإنجاز هذا الفيلم، ويبدو أن هذا الفيلم بات يشكل ”غول” بالنسبة للجهة المنتجة، لتقرر تجاهل الحديث عنه في ”كاتلوج” السينما الجزائرية للخمس سنوات الماضية.هؤلاء استفادوا من ”الوكالة” مرتينحظي عدة مخرجين جزائريين، بفرصة إخراج فيلمين بدعم مباشر من الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، بعض المخرجين الذين لم يقدموا أعمالا هامة، بل تحسب تجارب الوكالة في التعامل معهم بـ”الكارثية” مقارنة بمستوى الفيلم الذي قدم، على غرار فيلم المخرج علي مزاوي، الذي ورغم ”الكذبة” السينمائية التي قدمها سنة 2013، إلا أن رهان الوكالة عليه ظل متواصلل، لنجد له مشروعا آخر عبارة عن فيلم وثائقي بعنوان ”صديقي توأمي”. ومن المخرجين الذين حملت السنوات الخمس الماضية مشروعين من إخراجهما، المخرج كمال يعيش، الذي قدّم الفيلم الطويل ”ميستا” والفيلم القصير ”الفراشة”، وأيضا المخرج عمار سيفوضيل الحاضر في برنامج الوكالة بفيلمين، الأول طويل يؤرخ لتجربة الوكالة في السنوات الأولى للإنتاج السينمائي بعنوان ”أيام من رماد” والثاني فيلم ”دم الذئاب”.15  فيلما قيد التحضير في أجندة الوكالة حاليا 15 فيلما قيد التحضير، هي ”الاتحاد الوطني للطلاب الجزائريين”، للمخرج محمد لطرش والفيلم الوثائقي ”بحرنا” للمخرجة عفيان فتيحة، وهي أفلام لم تتجاوز بعد مرحلة التحضير، بينما لا يزال فيلمين وثائقيين في مرحلة التصوير هما فيلم ”شهيد القبر المجهول” وفيلم ”الكاميرا والزناد” وفي حقيبة الوكالة أيضا سبعة أفلام وثائقية قيد الإنتاج، تضم القائمة الأفلام التالية: ”حرب الصور”، ”جزائريون بين الضفتين”، ”مثقف في الحرب”، ”سلاح مانديلا”، ”حنا برة”، ”تيديس والتاريخ”، ”على خطى رشيد قريشي”. وبالنسبة للأفلام القصيرة، فلم يتبق سوى فيلم واحد قيد التحضير و«وعدتك” لمحمد يرقي، وقد أنتجت ثلاثة أفلام سنة 2015 هي ”الآن يستطيعون القدوم” للمخرج سالم إبراهيمي وهذا الفيلم لم يعرض بعد، ويتوقع مشاركته في إحدى المهرجانات الهامة بكندا، كما أنتجت الوكالة هذا العام فيلم ”مصدق حلال” لمحمد زموري، الذي قدم العرض الشرفي له مؤخرا، وأيضا فيلم ”ليزانترو” للمخرج محمد حازورلي، من بين 18 فيلما روائيا طويلا، هي الحصيلة الأخيرة للإنتاج السينمائي للوكالة، حيث أعطت هذا العام إشارة تصوير أربعة أفلام هي ”العربي بن مهيدي” لبشير درايس، ”أسوار القلعة السبع” لأحمد راشدي، ”طيور السلام” لخالد بعوش و” نجوم الجزائر” لرشيد بلحاج. ودخلت مرحلة الإنتاج النهائي 12 فيلما، منها فيلمين عرضا مؤخرا، وتشمل القائمة النهائية الأفلام التالية، ”كان يا مكان في إحدى القرى” ربيع بن مختار، الذي ينتظر له أيضا فيلم ”من حكاية لأخرى”، ”يوميات قريتي” للمخرج كريم طرايدية، ”المهمة” لعمر شوشان”، ”الأب نزانو يحكي إفريقيا” للمخرج الكاميروني نرسيس يومبي، ”الجزائر ليلا” ليانيس كوسيم، ”حكايات بلا أجنحة” لعمار تريباش، ”ذاكرة الأحداث” لعبد الرحيم العلوي، ”الاعتراف” لسليم حمدي.التجربة الأولى لجعفر قاسم والثالثة لرشيد بوشاربتحمل أجندة الإنتاج السينمائي الأخير لوكالة الإشعاع الثقافي، عودة الرؤية الإخراجية للمخرج رشيد بوشارب”، وذلك عبر فيلم وثائقي تاريخي يتناول حكاية ”الولاية السابعة”، وبهذا الشكل يكون رشيد بوشارب أكثر المخرجين تعاملا مع الوكالة الجزائرية للاشعاع الثقافي، بمعدل إنتاج ثلاثة أفلام. من جهة ثانية، فقد وقّعت الوكالة السنة الماضية على عقد إنتاج وإخراج جعفر قاسم، لفيلم طويل يأتي إنتاجه في إطار احتفالات الجزائر بالذكرى الخمسين لاندلاع الثورة، ويحمل الفيلم عنوان ”الرجل الذي أحب الجزائر”، وهي التجربة الأولى والأخيرة لجعفر قاسم في التعامل مع الوكالة.”العربي بن مهيدي” ينتظر تدخل ڤايد صالحيبدو أن إخراج فيلم عن حياة الشهيد البطل ”العربي بن مهيدي” عملية صعبة، إلى درجة أنها باتت تستدعي تدخل نائب وزير الدفاع الفريق أحمد ڤايد صالح. فبعد عدة سنوات من الصراع بين مخرج الفيلم بشير درايس ووزارتي الثقافة والمجاهدين، وصلت إلى حد الحوار في أروقة المحاكم، ورغم أن المنتج المنفذ نجح قبل نحو ستة أشهر في افتكاك إشارة انطلاق تصوير الفيلم بفيلا ”سيزاني” وبحضور عدة وزراء، إلا أنه لا يزال يواجه مشاكل وعراقيل في الحصول على العتاد العسكري لتصوير الفيلم الذي تبلغ ميزانيته حوالي 10 ملايين أورو، وقد أرسل المخرج بشير درايس رسالة إلى نائب وزير الدفاع للاحتجاج على ما وصفه بـ”الحصار” الذي يتعرض له والذي يحول دون حصوله على العتاد اللازم لتصوير الفيلم.     

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات