كلما خرجت المعارضة إلى الشارع، جاءت رسالة من الرئيس يعد فيها بإصلاحات عميقة قادمة. وكلما زادت المعارضة من مستوى الضغط، انفلتت أعصاب أحزاب الموالاة لتدخل في هستيريا نعت المعارضين بأسوأ الصفات، هي في الغالب، صفات تحملها أحزاب الموالاة. التطور الذي تشهده قضية “سوناطراك 2” هو من بين المواضيع التي يتم بها اختبار صدق نوايا السلطات في مسعاها القائل بتمرير إصلاحات عميقة. والحال أننا نسجل بأن الملف يتطور في إيطاليا، في اتجاه تضييق الخناق على مسؤولين جزائريين، وعلى رأسهم وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، وابن أخ وزير الخارجية الأسبق بجاوي. في حين هناك من يعمل في الجزائر على تقديم شكيب خليل في صورة الإطار النزيه، ضحية حملة مغرضة وصراعات سياسية. وهي نظرية لا ترفضها أحزاب الموالاة. هل يمكن تصور إصلاحات جدية من دون ضمان أدنى شروط سمو القانون والعدالة؟ يقول مدير عام سوناطراك الأسبق محمد مزيان إنه في ملف “سوناطراك 1” يتعرض إلى ظلم وتصفية حسابات. ويتساءل، كيف يتقدم ملف بـ4 ملايين دولار على قضية بـ200مليون دولار عمولات؟ ويقصد بها قضية “سوناطراك 2”. والتساؤل مشروع، لأنه يتعلق بأعراض ناس، ومكانة سوناطراك كمحرك للاقتصاد وضامنة للأمن القومي. فوضعها تحت الضغط أمر يتجاوز الحديث عن مجرد رغبة في فتح سوق المحروقات أمام المنافسة. يتجاوزه ويتعداه إلى محاولات كسر قائم يرتكز عليه بلد. ويمكن ملاحظة أنه منذ بروز مشروع قانون تعديل المحروقات عام 2004، وسوناطراك عرضة لاعتداءات مركزة. ولم يأت اعتداء تيقنتورين في جانفي 2013 إلا ليزيد من المتاعب. وكأن المقصود من العملية هو تفريغ قواعد إنتاج النفط والغاز في الصحراء من التقنيين والعمال. وتعطيل مسار عمليات الاستكشاف. ففي ذلك الوقت لم نكن نتحدث عن الطاقة الصخرية، ولا عن برميل نفط بأقل من 70 دولارا. والملاحظة الثانية أن ذلك الاعتداء، مع تزايد تعقيدات الوضع الأمني على الحدود الجنوبية، خلق وضعا بتحديات جديدة لم تكن لتنتظر التأقلم معها، سواء من ناحية إعادة انتشار الجيش، أو على مستوى ترتيب أولويات توجيه المال والاهتمام بما لم يكن ضمن الأولويات. وهذا التشتيت في القدرات وفي معالجة ما يعتبر تحديات، يشكل أحد العوائق المستخدمة في تبرير تأجيل البت في قضايا مصيرية. ليتم عكس المعادلة من ضرورة رفع الحجاب عن ملف “سوناطراك 2”، إلى التركيز على “سوناطراك 1”. ومن الحديث عن أولوية الإسراع في تفكيك ألغام التوتر السياسي والاجتماعي الداخلي، عن طريق إصلاحات عميقة وتوافقية تدفن التزوير الانتخابي وتلغيه من العمل السياسي، إلى عودة الحديث عن التريث وعن الاهتمام بمتغيرات أمنية وسياسية، هي في الأساس لا تتوقف عن التطور. بل وتتغذى من الأزمة السياسية الداخلية منذ مؤتمر طرابلس 1962.
هناك أمور، بقدر ما تدفعنا إلى التشاؤم، تجعلنا نبتسم. ليس لأن الموضوع مضحك أو مفرح. إنما نبتسم لهذه الأقدار المجتمعة التي تسمح لأناس بالحديث عن خط أحمر، عندما يدافعون عن واقع توزيع “كوطة” التمثيل في المؤسسات المنتخبة. نبتسم لأن ما يتحدثون عنه هو وليد التزوير ونتيجة له. أن يصدق المستفيد كذبة صنعتها أيادٍ ليلا وفجرا، فذلك أمر. لكن أن يصدقوا أننا سنصدقهم فذلك هو العبث. هناك اليوم شيء اسمه أمر واقع. يتمثل في وجود مؤسسات منتخبة، وتوزيع بين أحزاب الموالاة، قائم على وقائع غير واقعية. المطلوب هو الانتقال من الأمر الواقع إلى الواقع بتوفير إصلاحات تخدم القانون وتحترمه. لا إصلاحات تكون فوق القانون وخارجة عنه. بعد سنة تقريبا من وعود حملة العهدة الرابعة، أسئلة تطرح عن وعود الرئيس. لكن، هل فعلا توجد وعود والتزامات بإصلاح جدي وعميق؟ انتظرنا الكثير بعد تقرير الأستاذ بن يسعد واقتراحه إصلاحات أساسية. لكن تم قبر التقرير قبل انتقال الأستاذ إلى جوار ربه. وأكدتها حسابات وأطماع تعديل الدستور عام 2008، عندما تم اختصار العملية في عنوان واحد، وهو رئاسة أبدية من دون حساب ومن دون اقتراع. نحن نعيش تحت ظل شرعية الأمر الواقع مؤجلين التعامل مع الواقع. السلطة متخوفة من صعود قوة التطرف في المعادلة السياسية. لكن هروبها وابتعادها عن الشرعية الشعبية هو ما يزيد من عناصر تقوية التطرف باسم الدين، أو باسم المصالح. وليس من الغرابة اليوم أن نشاهد فصولا جديدة من تغول المال الفاسد، وعدم تردده في الظهور بمظهر الملتزم بقيم المنافسة والعدالة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات