تيمڤاد سيدة عجوز والمهرجان مسحوق تجميلها

38serv

+ -

"تيمڤاد عبارة عن سيدة عجوز طاعنة في السن فاقدة لجمالها، وما مهرجان تيمڤاد سوى مجموعة من مساحيق التجميل التي تمنحها جمالا مؤقتا يدوم ثمانية أيام، هي أيام المهرجان هذه السنة، لتعود إلى سابق عهدها خلال باقي أيام السنة، ولو أرادت أن تكون دائمة الجمال، فإن ذلك مرتبط باستفادتها من المشاريع التنموية الكبرى".

بهذه الفقرة استقبلنا أحد مواطني بلدية تيمڤاد الذي امتزج كلامه بين اليأس والحسرة على تضييع السلطات الوصية لهذه الجوهرة السياحية، الحضارية والتاريخية التي تعد رمزا من رموز السياحة الجزائرية والعالمية وعلامة أثرية ضاربة في عمق تاريخ المنطقة وجغرافيتها، إلا أن عدم الاهتمام بها حوّلها من منطقة سياحية يحج إليها جميع أجناس العالم بمختلف لغاتهم وأشكالهم وألوانهم، إلى مكان للتعليقات الساخرة من طرف السياح الأجانب، حيث ذكر لنا أحد المواطنين أن سائحا فرنسيا علّق على هذه المدينة بأنها “عبارة عن ورشة بناء”، بعد أن طرح عليه سؤال عن تيمڤاد، وهذا نتيجة لغياب الهياكل القاعدية بها والنقص الفادح بخصوص نقص مرافق الإيواء من جهة، وضعف مستوى الخدمات من جهة ثانية.متى تبعث المدينة من جديد؟وبعد اقتراب “الخبر” من سكان المنطقة لمعرفة رأيهم حول الفرق بين حالة المدينة أثناء المهرجان وبعده، أجمع كل من التقيناهم على فقدان المدينة لحيويتها ونشاطها التجاري والسياحي والاقتصادي مباشرة بعد المهرجان، بل نقص وضعف النشاط الاقتصادي لمهرجان تيمڤاد خلال الطبعات الأخيرة أيضا، داعين في الوقت نفسه السلطات المعنية إلى ضرورة تخصيص مشروع سياحي كبير يشمل مجموعة من الهياكل السياحية والخدماتية يتضمن مؤسسات فندقية بالإضافة إلى المساحات الخضراء كفضاء للاستراحة العائلية، وتخصيص مكان لاستقبال مختلف المعارض التقليدية واللوحات الفنية العاكسة للموروث الثقافي بالأوراس الكبير، وهي التي غابت عن المهرجان خلال الطبعات الأخيرة بعد أن كانت حاضرة في الطبعات الأولى منه، وفي هذا الصدد، قال بعض المهتمين بالمهرجان إن هذه المعارض التقليدية كانت أهم العناصر الجالبة للسياح.واشتكى المواطنون أيضا من عدم تهيئة جميع الطرقات والأحياء بالمدينة، وأعمال التهيئة المرتبطة بها، بالإضافة إلى انتشار الأوساخ عبر أحياء المنطقة، حيث تسبّبت في تذمّر المواطنين نتيجة الروائح الكريهة المنبعثة من هنا وهناك خصوصا مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة خلال موسم الصيف.واستغرب السكان من بقاء السلطات البلدية صامتة أمام بقاء البناءات الهشة، بل منها حتى الأكواخ الترابية المجاورة للمدينة الأثرية في منظر لا يمت للسياحة ببنت شفة، متسائلين إن كان التخطيط للترويج والثقافة السياحية للمدينة ينص على الإبقاء على مثل هذه الأكواخ التي أصبحت هي الأخرى مكانا لائقا لاستقبال العدد الهائل من أكياس القمامة بدل السياح.تيمڤاد لم تنل مكانتها الحقيقيةكما توجّهت “الخبر” لسبر آراء المواطنين المحليين والتعرف عن كثب عن يومياتهم، أين حدّثنا المواطن “ح.ب” 39 سنة عن الانعدام شبه الكلي للمؤسسات الفندقية بهذه المدينة، في الوقت الذي تعجز هذه المؤسسات عن الرقي لتطلعات المواطن والسائح، فضلا عن العدد المحدود جدا للمؤسسات الخاصة بإيواء السياح، حيث ذكر مواطن آخر أن أحد مؤسسات الإنتاج الإعلامي فوجئت بمستوى مراكز الإيواء أثناء قيامها بتصوير هذا الموروث، ليفضّل طاقهما التصويري المبيت داخل سيارتهم بدل المبيت بهذه المؤسسات، كما اعتبر ذات المتحدث أن المدينة الأثرية أصبحت مكانا للممارسات غير الأخلاقية وهو ما يتطلب وضع خطة دقيقة لذلك.وعن سبب عدم ذهابه لحضور سهرات وليالي تيمڤاد رغم أنه من أهل المنطقة، قال بأنه كان يحضر المهرجان سابقا تحت مسمى المسرح العائلي تيمڤاد، بسبب الاحترام المتبادل بين العائلة الحاضرة الذي كان يسوده حينها، أما الآن، فإنه لا يذهب تماما بسبب غياب مثل هذه السلوكيات.ولم يكن الأمر يختلف كثيرا عند السيد “ب. ص« الذي أشار إلى أن تيمڤاد بدل أن تكون مدينة جالبة للسياح، أصبحت طاردة حتى لسكان المنطقة الذين أصبحوا يفضلون التوجه إلى تونس وبعض الدول الأوروبية، نتيجة غياب أبسط الهياكل السياحية كالمساحات الخضراء، ولم يفوّت التطرق هو الآخر لمشكلة السكنات الهشة المحاذية للمنطقة الأثرية، مطالبا بإيجاد الحلول في أقرب وقت.التجار.. نريد محلات تليق بسمعة المكانوأكد الكثير من التجار الذين التقيناهم أن غياب التخطيط الدقيق لتسيير المهرجان من قبل السلطات المحلية سواء البلدية منها أو الولائية هو السبب في تراجع النشاط التجاري به، إذ يقول في هذاالصدد الفنان التشكيلي وبائع القطع التذكارية عمار زكري 40سنة، أنه ومن خلال عمله هذا منذ 15 سنة لاحظ مجموعة من الأسباب التي ساهمت بشكل أو بآخر في الحالة المزرية التي تعيشها المدينة، ومن بين أبرز هذه الأسباب ذكر قضية عدم ترميم الآثار المنتشرة بالمدينة الأثرية على مساحة 83 هكتارا، بالإضافة إلى غلق المتحف لمدة 21 سنة. داعيا في هذا السياق إلى ضرورة فتحه من أجل إطلاع السياح عليه، طالبا من السلطات المعنية ضرورة فتح محلات تجارية تكون مساعدة لممارسة النشاط التجاري وعدم تشويه صورة السياحة بالمنطقة. أما “خ.ح” والذي يعمل كتاجر مطعم متنقل، فقد أشار إلى أن النشاط الاقتصادي يكون فقط خلال أيام المهرجان، أما في غيره من الأيام فتكون الحركة التجارية به شبه منعدمة، وأضاف بأن النشاط التجاري خلال أيام المهرجان يكون فقط أثناء استضافة المطربين الكبار، مشيرا في ختام حديثه بأن الجانب الخدماتي بدأ يقلّ تدريجيا ويزداد ترديا يوما بعد يوم.القطرة التي أفاضت الكأساتفق سكان تيمڤاد على أن تغيير مكان سهرات تيمڤاد من المدينة الأثرية القديمة إلى الركح الجديد كان بمثابة إمضاء لشهادة وفاة المهرجان، حيث أن إحياء المهرجان في الركح القديم كان يملك خصوصيات مميزة وعوامل مستقطبة للسياح، إذ تكون الفرصة مواتية للجمهور بالاستمتاع ومشاهدة والتعرف عن الآثار عن قرب وكذا أخذ صور تذكارية، من خلال التجول قبل ساعة أو ساعتين من انطلاق السهرات التيمڤادية، وهو ما يسمح أيضا ببعث النشاط التجاري بالمكان، أما الآن فالعكس تماما. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن عدم تنظيم المعارض التقليدية التاريخية على هامش المهرجان بشكل مستمر خلال الطبعات الأخيرة كان بمثابة المنعرج الذي أفقد المهرجان نكهته الخاصة، أما القطرة التي أفاضت الكأس فهي تقليص أيام المهرجان إلى النصف، فبعد أن كان خلال سنوات مضت يقام على مدار نصف شهر، كان الموسم الماضي مبرمج لتسعة أيام وأصبح اليوم يدوم ثمانية أيام فقط، حيث يتم تقليص عدد أيامه كل سنة، وهنا تنبأ الكثير من إمكانية برمجته خلال السنوات القادمة إلى يوم واحد فقط أو تحويله من دولي إلى وطني أو حتى محلي وربما عدم برمجته تماما.في انتظار تجسيد مشروع "نازات"وكشف رئيس بلدية تيمڤاد في اتصال مع “الخبر”، عن تقديمه لمشروع منطقة توسع ثقافي أو ما أسماه بمشروع “نازات”، ويتربع هذا المشروع الذي هو قيد الدراسة الأولية على مساحة 70 هكتارا بمنطقة مُورِّي، مصمم على شكل مدينة أثرية، إذ يحوي مجموعة من المرافق السياحية أهمها مركب رياضي كبير ومسبح ومضمار لسباق الخيل ومؤسسة فندقية. وإن كان رئيس البلدية يعتبر هذا المشروع مكسبا كبيرا للمنطقة، فإن سكان المنطقة ينتظرون من الهيئات القائمة على هذا المشروع الإسراع في إنجازه من أجل ضخ دم جديد ونفس ثاني للجانب السياحي للمنطقة الذي أصبح يُحتضر، ويزداد تدهورا سنة بعد سنة، وأن لا يبقى حبرا على ورق أو كلاما للاستهلاك الشعبي والإعلامي لا أكثر ولا أقل. وردا عن قضية تهيئة الأحياء والطرق الفرعية، أكد ذات المتحدث عن انتهاء الأشغال من حي الأوراس، في الوقت الذي يبقى حي الزهور قيد الأشغال ضمن مشروع قطاعي، أما الطريق الرئيسي المؤدي لبلدية وادي طاقة “بوحمار” فذكر أن الطريق يشهد حالة أشغال وينتظر فقط الانتهاء منها لتعبيده وتهيئته فيما بعد.إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المهرجانأكد مدير الثقافة بولاية باتنة عن رغبته في إعادة المعارض التقليدية والمتضمنة عرض الموروث الثقافي بالمنطقة وعادات وتقاليد الأوراس الكبير وكذا إعطاء الفرصة لجميع فناني المنطقة في جميع الأصناف الثقافية الإبداعية على هامش المهرجان، مثلما كان الأمر عليه من قبل، داعيا إلى الاهتمام أكثر بالمنطقة الأثرية التي تعد المنطقة الجالبة للسياح، حسب نظره، كما قال بأنه لو خصص مبلغ 35 مليار سنتيم لترميم المنطقة الأثرية لكان أفضل من بناء الركح الجديد، مشيرا إلى نيته في رفع مجموعة من الاقتراحات خلال الاجتماعات المقبلة بوزارة الثقافة، لتبقى الأيام القليلة القادمة كافية لكشف ما ستتمخض عنه قرارات اجتماعات وزارة الثقافة بخصوص مهرجان تيمڤاد الذي يعتبر وبلا منازع عميد المهرجانات بالجزائر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات