سفاح آيت عمروس الذي أفنى عائلته بسبب الإشاعة

+ -

لم يتبادر إلى ذهن أحد من زملائه عمال الصيانة بالمدرسة الابتدائية بقرية آيت عمروس بولاية بجاية، حيث يشتغل كعامل صيانة، ولا حتى من المعلمين والتلاميذ، أن هذا الرجل النحيف، الضعيف، قصير القامة، وقليل الكلام، أن يتحول بين عشية وضحاها إلى “أكبر بطل” في القرية، لما قرر ارتكاب مجزرة لم يسبقه إلى مثلها أي من سكان المنطقة، ليفني بذلك كل عائلته. كانت الصدمة لا توصف في نفوس أبناء قرية آيت عمروس الذين أصبحوا خلال ذاك اليوم المشؤوم على خبر إقدام الطاهر البالغ من العمر 46 سنة على ذبح زوجته التي تبلغ من العمر 41 سنة واثنين من أبنائه، بطريقة مروعة جدا، يصعب حتى على أكبر المجرمين ارتكاب مثلها.وقبل البدء في دفن الضحايا امتلأت سماء القرية بتساؤلات الناس وعلامات الاستفهام حول الدوافع الحقيقية التي تقف وراء المجزرة المروعة، وغياب الأسباب الحقيقية ترك الإشاعة تنتشر كالنار في الهشيم حيث كان لكل شخص رأي حول أسباب الجريمة، وبلغ مداها بلدان ما وراء البحر، وبدأت الروايات تسقط واحدة تلو الأخرى، وتحدث الناس عن دافع الشرف، وأن الجاني ذهب ضحية خيانة زوجية، وأن أبناءه الثلاثة ليسوا من صلبه، وهي رواية لم تقنع الكثير، خاصة أقرب الناس الى العائلة، وقال آخرون إنه لا يوجد دافع آخر يبرر فظاعة الجريمة والطريقة البشعة التي نفذت بها.أحد معارفه شك يقينا أن يكون الطاهر هو موقّع الجريمة النكراء، حيث يقول إنه ضعيف البنية وقصير القامة وعاطفي جدا ورحيم مع الناس، وليس بمقدوره إلحاق ضرر بحشرة صغيرة فكيف يقدم على ذبح زوجته قوية البنية حيث تمثل ضعفه في الوزن والقامة.. أسئلة كثيرة طرحها السكان ولا أحد منهم وصل إلى الحقيقة المنشودة.تفاصيل الجريمة بدأت مع تباشير الصبح لما سمع شقيق المجرم أصواتا غير عادية بالقرب من بيت أخيه، حيث خرج مسرعا الخطى نحو بيت أخيه الذي يبعد عن بيته ببضعة أمتار، وأول ما شاهده هو صورة للمجرم وجسمه كاملا ملطخ بالدماء، وقطرات الدم لا تزال ملتصقة بيديه ووجهه ولما سأله عما حدث أجابه بكل بساطة “خلاص استعدت شرفي”. ودون أن يفهم أكثر أزاحه عن طريقه واقتحم البيت ليجد الزوجة تتخبط في بركة من دمائها، ليخرج إلى الشارع وينذر الجيران الذين اتصلوا بمصالح الأمن الذين وصلوا بعد حوالي نصف ساعة رفقة فريق من الحماية المدنية، ليجدوا عددا من القرويين ضربوا حصارا على البيت لمنع أي شخص من الدخول قبل المحققين، ولما كادوا يلجون البيت وصلهم خبر صعود المجرم فوق عمود كهربائي قصد الانتحار، ليتحول فريق من المواطنين ورجال الأمن والحماية المدنية إلى مكان تواجد المجرم، حيث تمكنوا من إقناعه بالنزول بعد أن أكدوا له استعدادهم لتصديق ما سيكشف عنه، ليتم تقييده واقتياده إلى سيارة الأمن مثل الكبش المطواع دون إبداء أي مقاومة.وحسب شهادات رجال الحماية والأمن الذين كانوا من بين الأوائل الذين وقفوا على الصور الرهيبة، فإن أقواهم لم يتحمل رؤية ما تتسع له عيناه، ففي غرفة النوم الضيقة توجد جثة امرأة كبيرة ملقية على الأرض رأسها يكاد ينفصل عن جسدها، وعيناها موجهتان إلى سقف الغرفة وفمها مفتوح بشكل مثير للخوف، والكل يسبح في بركة من الدم المتجلط وحولها بقع من الدم منتشرة في أكثر من زاوية. وإن كان رجال الأمن قد منعوا أي شخص من دخول البيت إلا أن شقيق المجرم أصر على البحث عن أبناء شقيقه، وكم كانت الصدمة كبيرة لما تحول رجال الأمن إلى المهد الصغير للبحث عن الرضيع فوجدوه مذبوحا، رغم أن عمره لا يتعدى سبعة أشهر، وبالغرفة نفسها شاهدوا قطرات دم خلف سرير مرمي جانبا ملفوف بأغطية النوم، ولما أخذوها عثروا على جثة أخرى لطفلة لا يتعدى عمرها تسع سنوات، وبحثوا عن الطفل الثالث إلا أنهم لم يعثروا على أثر له، ليتبين بعدها أنه تمكن من الفرار والتوجه نحو الغابة المجاورة، حيث اختفى بها إلى أن تم العثور عليه.ولما وصل الصحفيون إلى موقع الجريمة وجدوا كل شيء قد انتهى، والجثث تم نقلها عن طريق سيارات الحماية المدنية، وحتى رجال الأمن غادروا المكان تاركين سكان القرية لوحدهم يواجهون تبعات مجزرة لم يعيشوا مثلها أبدا.شقيق الضحية قال إن أخاه كان عاديا كالعادة بعد أدائه لصلاة العشاء، وقال إنه سريع النرفزة ويعاني من اضطرابات عصبية، لكنه ليس من النوع الذي يمكن أن يوقّع مجزرة بهذا الحجم، ويجمع بذلك سكان القرية أن الدافع الأول لارتكاب الجريمة هي الإشاعة. همسات الأذن وراء الجريمة المروعةنظرا لهول الجريمة وحجمها وجدت مصالح الأمن نفسها مضطرة لاستغلال كل المعلومات والإشاعات، ولم تستثني حتى تعاليق الفايسبوك، حيث تريد الوصول إلى الحقيقة بأية طريقة، وإلى جانب الدوافع المسلّم بها مثل الرغبة في الانتقام لشرفه والاضطرابات العصبية وغيرها، فإن الدوافع الهامشية قد تكشف السبيل الأمثل لفك لغز الجريمة، وهو ما جعل المحققين مضطرين لاستجواب أغلب أفراد العائلة والجيران، خاصة بعد أن انتشرت إشاعات تورط أطراف في القضية، حيث تقول إشاعة إن أحدهم همس في أذن المجرم ليعلمه أن أبناءه ليسوا من صلبه، وأخرى تقول إن امرأة حسودة على الزوجة تقف وراء الإشاعة التي لم يتقبلها الجاني الذي لم يتقبل كذلك أن يتحول إلى موضوع سكان القرية، الذين كثيرا ما يتبادلون همسات الأذن فيما بينهم بمجرد مشاهدته في الطريق. دخل مكتب قاضي التحقيق مبتسمابعد مرور أيام قليلة على الجريمة كان رجال الأمن قد أنهوا التحقيقات مع الجاني، وبالتالي تم تقديمه إلى وكيل الجمهورية الذي أحاله بدوره على قاضي التحقيق للفصل في قضيته. وخلال اقتياده من قِبل رجال الأمن مكبل اليدين شوهد من قِبل معارفه وهو مبتسم، ولم يتردد في توجيه نظرات الرضا لبعض معارفه قبل أن يختفي بدخوله المكتب. سلاح الجريمة بين تساؤلات الفضوليين وأجوبة المتوقعينلم يفهم الكثير من سكان القرية كيف استطاع رجل لا تتعدى قامته متر ونصف متر ولا يتجاوز وزنه 58 كلغ أن يذبح زوجته التي يتعدى وزنها 98 كلغ وتتجاوز قامتها مترا وثمانون سنتيمترا، ويرد عليهم البعض أن السفاح قد ذبحها وهي نائمة ولم تقدر على المقاومة، والتساؤل الآخر متعلق بسلاح الجريمة الذي كثر الحديث عنه دون العثور عليه، وجواب المتوقعين أنه مسروق من قِبل شخص ما لأسباب قد يكشف عنها التحقيق الأمني، بينما تتحدث مصادر أخرى عن توصل مصالح الأمن إلى حجزه خلال عمليات التحقيق الهامشية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات