من العجب أو من سذاجة عقولنا أنّنا نريد النّصر على أعدائنا ونخطو خطواتهم، نريد أن يؤيّدنا اللّه بجُنده ونصره كما أيّد أسلافنا الصّالحين وسلوكنا مُخالف سلوكهم وكأنّنا ما قرأنا قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يُلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} الأنعام:65.إنّ الأمّة المحمّدية لا تعذّب كالأمم الغابرة بالخسف أو الصّواعق أو الصّيحات، وذلك تكريمًا عليها بفضل نبيّها الكريم سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، فهذا لا يعني أنّها تفلت من قبضة أخرى إن هي خرجت عن سواء السّبيل.. وهو العذاب المقيم الطّويل المديد الّذي يذوقونه بأيديهم ويجرعونه لأنفسهم، إذ يجعلهم شيَعًا وأحزابًا متداخلة لا يتميّز بعضها عن بعض ولا يفاصل بعضها بعض، فهي كذلك الآن ولن تزال في جدال وصراع وفي خصومة ونزاع وفي بلاء يصبه هذا الغريق على ذاك ولا أحد بصلح بين الاخوة المتخاصمين أو يقدم لها حلاً على أساس نهج اللّه ورسوله، وغفلت بالكليّة عن الحقيقة تلك الّذي قال عنها القرآن في سورة الرّعد: {إِنَّ اللّه لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرّعد:11، فاللّه تعالى يتعقّبهم بالحفظة الكرام من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم، فيرتّب اللّه عليه تصرّفه بهم، فإنّه لا يغيّر نعمة أو بؤس، ولا يغيّر عزًّا أو ذلّة، ولا يغيّر مكانة أو مهانة إلاّ أن يغيّر النّاس من مشاعرهم وأعمالهم، وواقع حياتهم فيغيّر اللّه ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم وإن كان اللّه يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون ولكن ما يقع عليهم يترتّب على ما يكون منهم، ويجيء لاحقًا له في الزّمان بالقياس إليهم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات