غياب التفكير الإستراتيجي وطغيان السياسة والإيديولوجيا على قطاع التعليم من الأسباب المهمة التي ساهمت في تهالك مستوى المدرسة الجزائرية، إلى جانب ضعف المقترحات التي حاولت تشخيص الأمراض البيداغوجية المزمنة التي تعاني منها، والنأي أو الإبعاد المقصود للكفاءات المتخصصة التي تملك معرفة وخبرة في مناهج التعليم المتطورة وآليات تحديثها، وعدم إشراكهم في صياغة هذه المقترحات.وكنتيجة حتمية لهذه الأسباب، فقد أصبح التلاميذ حقل تجارب يخضعون للإرباك والضغط النفسي، مثلهم في ذلك مثل الرأي العام الجزائري، في كل مرة يأتي وزير جديد يحمل سياسة جديدة وإيديولوجيا ورؤية مختلفة عن سابقيه من الوزراء، في ظل تلاشي ثقافة الدولة وتخلخل أساسات الانتماء الحضاري لدى بعضهم.دارت “المقترحات المنقذة” للمدرسة الجزائرية في عهد الوزيرة بن غبريت في فلك اللغة وجدلية استعمال العامية في الطور الابتدائي بدلا من اللغة العربية، وكان الكثير منا سيبتلع المقترح لو لم يكن مصبوغا بصبغة إيديولوجية أفصحت عنها الوزيرة بتصريحات استفزازية تتهم لغة القرآن ومنتسبي الكتاتيب القرآنية بضعف المستوى، وهو تحامل صريح على انتمائنا وعمقنا الحضاري ليس له أي مبرر.كل الدول المتقدمة والحضارات المتطورة، كما أثبتت العديد من الدراسات الاجتماعية والأنتربولوجية، حققت رقيها العلمي والتقني باعتماد لغتنا الوطنية في التعليم، رغم وجود لغات هجينة (لهجات) في بعض هذه الدول، ولا توجد دولة واحدة فرضت لغة أجنبية أو لغة عامية في التعليم الابتدائي أو غيره من الأطوار، فهل سمعتم مثلا بأن أمريكا، وهي أكثر بلدان العالم تقدما علميا، اعتمدت على اللهجات الهجينة التي تزخر بها وفرضتها على تلاميذ المدارس من دون الإنجليزية؟ أو لنأخذ مثلا حتى فرنسا الأقرب إلى وجدان الكثير من أصحاب القرار، هل فعلت ذلك واستخدمت عاميتها؟ طبعا لا.إذن، المشكل ليس في اللغة، كما حاولت وزيرة التربية إفهامنا، فاللغة في نهاية المطاف ما هي سوى ناقل للمعرفة، ولعل أكبر مشكل تعاني منه المدرسة، التي بات حالها بائسا اليوم، هو مناهج التعليم التي تلقن للتلاميذ منذ السنة الأولى ابتدائي، فالطفل يتعلم أصلا بطريقة خاطئة تبعا لمناهج خاطئة تلقن له ولا تساعده في تحصيل أكبر قدر من المعرفة، وكان الأجدر بالقائمين على شؤون التربية التفكير في وضع مناهج تعليم تعزز ملكة التفكير لدى الناشئة وآليات تحصيل المعارف، دون أن يكونوا عبيدا لطرق بيداغوجية قديمة جدا وعتيقة، تجعل من التلميذ “كلب بافلوف”، ولا تعلمه، بدلا من ذلك، كيفية التفكير “خارج الصندوق”، ثم بعد ذلك يتدرج في تعلم أي لغة تساعده على تحصيل معارف الأمم الأخرى، وتمكنه في التعبير عن فكره، وإن كانت جدلية العلاقة بين اللغة وأسبقية أحدهما على الآخر محل خلاف فلسفي قديم.ما أدعو إليه، في هذا المقام، هو إخراج المدرسة من أتون الإيديولوجيا والانتماءات السياسية والولاءات العقدية التي يسير بها قطاع التعليم، وأن يتخلص سدنة هذا القطاع الإستراتيجي من عقدة المستعمر التي تلازمهم، وترك الإصلاح لمتخصصين جادين غير مؤدلجين ولا متسيسين، ينظرون نظرة شاملة لأمراض القطاع، نظرة الطبيب الحاذق الذي يذهب مباشرة إلى الجرح ويداويه بعلاجات شافية.عبد العالي زواغي- صحفي وباحث^ بؤس الاثنين، وقبلهما بؤس السياسة والسلطة التي تسوس البلاد بالسياسات “المسوّسة” في التعليم والاقتصاد[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات