"الخبزة"تدفع الجزائريين للذهاب إلى أطراف العالم

38serv

+ -

قطعوا آلاف الأميال برا وبحرا وجوا، واختاروا الهجرة على البقاء فريسة لمخالب البطالة والبؤس أو فضلوا السفر لاكتشاف عوالم أخرى وملكوت الخالق بقلوب مفعمة بالأمل باحثين عن حياة أفضل، فتوقف بهم المسير والرحيل بمدن لم يتخيلوا يوما أنها ستكون لهم مستقرا، غير أنهم لم يقطعوا حبال الوصال ولم ينسلخوا من هويتهم وظلوا مرتبطين مع ذويهم وأصدقاء الطفولة عبر تقنيات الشبكة العنكبوتية، ورووا لـ”الخبر” تجاربهم في أطراف الكوكب الأزرق الرحب.جزائري.. بأرخبيل اليابانساقت الأقدار أحد الجزائريين إلى مدينة فوكوكا شمال اليابان والمتاخمة للصين، ونسجت له الحياة دربا جديدا حين فضّل مواصلة دراسته العليا وتحضير شهادة الدكتوراه في الميدان التقني، لتتوالى الأيام عليه ويجد نفسه جزءا لا يتجزأ من مجتمع ياباني، الأكثر حركية ونشاطا في العالم، ليس بالانصهار فيه والانسلاخ من دينه وتقاليده، وإنما بتأسيس جمعية ذات بعد اجتماعي والاشتغال على مساعدة مسلميه وتلقينهم تعاليم الدين وثقافته، ليتسع نشاطه رفقة أعضاء الجمعية ويقوموا ببناء مركز إسلامي كبير يضم مسجدا أطلقوا عليه اسم “النور”، ليشرعوا في عملهم المجتمعي والخيري منذ 20 فيفري 2009.روى شقيق الرعية الجزائري لـ”الخبر” مفضلا التحفظ على لقب العائلة، أنه سافر إلى تلك البلاد وعاش سحرها، فالمرء حين تطأ قدماه ترابها، يخيّل له أنه في كوكب آخر خارج المجموعة الشمسية بعيدا عن الألم والبؤس الجاثم على الكثير من البلدان الإفريقية وحتى الآسيوية، وما هو إلا ثمرة عمل مخلص ناجم عن حب الوطن لا عن الكسل والاتكال.   وفوكوكا هي أكبر مدينة في جزيرة كيوشو، عدد سكانها 1.5 مليون نسمة في 2013 وتتربع على 340 كيلومتر مربع، يعيش عليها السكان عبر قواسم مشتركة كالإنسانية والعمل وحب الوطن.المواطن رأس مال بأمريكاطار عادل العاصمي إلى أمريكا ونفسه مفعمة برغبة قصوى في اكتشاف عوالم جديدة هربا من بؤس البطالة والفراغ حيث يئن آلاف الجزائريين، آملا من الحياة أن تغيّر من ملامحها وتهديه واقعا مغايرا، فاستجابت له وفتحت أحضانها معلنة عن بداية جديدة، بدل المكوث في الجزائر عبئا ودون عمل ودون تعريف.ووصف عادل، في اتصال عبر تقنية “السكايب”، نمط حياته قائلا: “سيرورة الحياة تمنح لك فرصة لصناعة الغد، واستعادة حياة خُطفت منك في يوم من الأيام. وبمجرد أن وضعت قدمي على أديم أرض عاصمة الولايات المتحدة نيويورك، حتى انقبض صدري لكنني واصلت مسيرتي رافضا العودة إلى حياة البؤس”. كانت المقارنة بين هنا وهناك خرافية أو عبثية، حين استرسل عادل مقدما حصيلة تجربته قائلا: “الاختلاف بين البلدين يكمن في طريقة المعاملة، إذ يحس المرء بأمريكا أنه محترم ويتمتع بقيمة كونه إنسانا”.وبشأن القدرة الشرائية، قال المتحدث إنه في أريحية وبإمكانه توفير كل حاجياته من مأكل وملبس ومسكن بكل سهولة دون الغرق في متاهات الوساطة أو البحث المرهق، مشيرا إلى أن الأمر المؤكد هو احترام القانون وحرية الآخرين، فالمواطن هو محور كل المعاملات الإدارية، والمادة الرمادية هي رأس المال وليس المادة المعدنية.في أقصى جنوب الصيناختار عبد النور الاستقرار بمدينة شنجن أقصى جنوب شرقي الصين، بوصفها قطبا اقتصاديا ساحليا تكثر فيه المعاملات العابرة للقارات، روى لـ”الخبر” أنه يعيش بتلك المدينة منذ فترة مشتغلا لحساب أحد الشركات المختصة في صناعة مواد خاصة بالأواني المنزلية، وقال إنه رغم الاختلاف الجذري عن الجزائر، إلا أن الكثير من الجزائريين يقيمون هنا، ووجدوا في هذه البلدة مصدرا للرزق خاصة أنها ذات بعد اقتصادي بامتياز وتعج بالشركات والمعاملات.لحن الجزائر في بلغرادوقادت الخطوات عماد إلى بلغراد عاصمة صربيا، فآثر أن يؤسس بها حياة جديدة تختلف جذريا عن تلك التي حياها في الجزائر، فخالط ثقافة أقصى شرق أوروبا وكانت عصارة تجربة جديرة بالاستحضار، فروى لـ”الخبر” أنه عاش بين الخوف من المجهول والأمل في المستقبل، قبل أن يقرر وضع خطاه على تراب بلغراد.واستطاع صاحبنا أن يتعايش في مدينة بلغراد معقل الفكر الأحمر، في حقبة الاتحاد السوفياتي، رغم الاختلاف والتباعد الكبير بين الثقافتين الجزائرية والصربية، غير أنه يبدو هنيئا في المدينة ومحيطه، وهو ما جعله يصر على مواصلة حياته هناك.كاليدونيا.. بعيدون  22 ألف كيلومتروهاجر عشرات الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة، بحكم أنها أرض سكنها أجدادهم الذين نفتهم فرنسا قبل عقود قصد اقتلاعهم من هويتهم وإفراغ الجزائر من سكانها الأصليين، فعاشوا في ديار بعيدة مفصولين عن وطنهم، وأنجبوا أبناء شهدوا المصائر ذاتها.غير أن هناك من اختار اللحاق بأجداده وفضل الإقامة هناك سواء باحثا عن جذوره أو مستمتعا بجنة عرضها التقاء البحار مع اليابسة، في منظر ساحر امتزج فيه الأزرق والأصفر والأخضر.تدرّس الراهبات بالأردنوتغيّرت حياة سارة غرومي جذريا، حين كانت في دورة تكوينية بالأردن لمدة 15 يوما بجامعة اليرموك سنة 1999، لتستفيق اليوم وتجد نفسها قضت 25 سنة بالأردن، مستقرة رفقة عائلتها الصغيرة بشمال العاصمة عمان بمحافظة أربد، مؤسسة حياة بأبعاد مختلفة خالطت فيها الشعب الأردني وعاشت تفاصيل حياته الدقيقة.روت سارة تجربتها لـ”الخبر” كمدرسة بمراكز تعليم اللغات وبمدرسة للراهبات الكاثوليك في دورها المخصصة لهن، روت في اتصال عبر خدمات تقنية “سكايب” بالشبكة العنكبوتية علاقتها معهن “مهما كانت درجة الاختلاف، تربطنا الإنسانية كقاسم مشترك، فهن ملتزمات ولا يحشرن أنفسهن في مواضيع جدلية ولا يتهمن الآخر بأنه على خطأ”.“فايسبوك”.. لمواجهة البيروقراطيةويتفاعل من رمت بهم الأقدار في بلدان بعيدة على صفحة “جزائريون في الغربة” الأكثر جذبا للمهاجرين، إذ يشترك فيها 52 ألف معجب، يطرحون عبرها انشغالاتهم ومشاكلهم مع الإدارة، محاولين تبادل الخبرات والنصح في الكثير من القضايا التي تخصّهم، مبدين تذمرا من ثقل الإجراءات الإدارية وهو ما يتجلى في تعاليقهم المتميزة بالتذمر وعدم الرضا.وهذا حال جزائرية من البليدة مقيمة في دبي، نشرت على جدار الصفحة أنها حامل وستنجب في البليدة بالجزائر ومحتارة في أمر جواز سفر ابنها لأخذه معها بعد قضاء عطلتها، وكتبت متذمرة من خدمات دائرة البليدة أن لا أحد قدم لها الإجراءات القانونية المطلوب اتباعها، وراحت تسأل الأعضاء المشاركين ممن لديهم التجربة ذاتها بعدما تقاذفها الإداريون هناك كل حسب أهوائه.وكتب جزائري آخر متسائلا عن إمكانية تجديد جواز سفره هنا بالجزائر، وهو الأمر غير المتاح لأنه مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية ولديه عنوان ويحوز بطاقة قنصلية، في حين يستدعي تجديده بأمريكا السفر إلى نيويورك ثلاث مرات، ما يكلفهم مصاريف إضافية هناك، لينصحه أحدهم في الصفحة ذاتها باللجوء إلى “المعريفة” باعتباره الحل الوحيد في الجزائر أثناء التعامل مع الإدارة.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات