أطفال يضحون بالبحر من أجل لقمة العيش

38serv

+ -

في الطريق إلى شواطئ الجهة الغربية للعاصمة، حيث تزدحم الطرقات بسيارات المصطافين وتمتلئ محلات المثلجات بالزبائن، جلست مجموعة من الأطفال يتناولون المثلجات مع عائلاتهم مستمتعين بعطلتهم،وغير بعيد عنهم افترش براعم في نفس عمرهم الأرض عارضين سلعا تدر عليهم دريهماتتساهم في اقتناء حاجيات الدخول المدرسي القادم، وسط العوز الذي تشكو منه عائلاتهم.

سهام، منى، سمير وأمين مجموعة أطفال قابلناهم على قارعة الطريق المؤدي إلى شواطئ منطقة سيدي فرج الساحلية بالجزائر العاصمة، اقتربوا منا وهم يتزاحمون كل يريد بيع سلعته التي تنوعت من علب المناديل الورقية إلى واقيات الشمس الخاصة بالسيارات.. ناهيك عن “خبز الطاجين” وبعض الفواكه الموسمية مثل التين الشوكي.أعمارهم لا تتعدى السنوات العشر.. لا يتذكرون أنهم تمتعوا ولو مرة خلالها بعطلتهم الصيفية مثلما هي العادة عند غيرهم من الأطفال، فنهارهم يبدأ يوميا بالاستيقاظ مبكرا والسير على الأقدام مسافات طويلة من المداشر المحاذية لشواطئ سيدي فرج التي يقصدونها في هذه الفترة من السنة بسبب الإقبال الكبير عليها، آملين أن يربحوا بعض المال مقابل ما يعرضونه من سلع بسيطة.وعن سير نشاط العمل، أكد لنا سمير وهو بائع صغير عرض أشكالا مختلفة من واقيات الشمس الخاصة بزجاج السيارات، أنه اختارها بعدما لاحظ أن الكثير من المصطافين يتعمّدون وضع مناشف على زجاج سياراتهم لتفادي أشعة الشمس، مشيرا إلى أنه يصطحب يوميا أكثر من 20 غطاء واقيا يبيعها بسهولة بدليل نفادها يوميا، كما شهدت سهام ذات العينين العسليتين أو كما يحلو لزملائها مناداتها بالـ”روجية” على أن كمية خبز الطاجين التي تعرضها يوميا للبيع تنفد قبل بداية الظهيرة، مشيرة إلى أن زبائنها هم عادة من الشبان الذين يقصدون شواطئ المنطقة للاستجمام، حيث يقتنون خبزها الذي عادة ما يتناولونه على شكل ساندويتشات.“البحر ليس لأمثالنا”يتدخل أمين ويقطع كلام سهام قائلا إن ما يعرضه من فاكهة يقتنى كذلك من طرف ذات الزبائن، وكان حينها يعرض التين الموسمي “الباكور” داخل سلل صغيرة، ليضيف قائلا: “لولا إصرار والدي على بيع ما جاد به حقله ما قصدت هذا المكان تحت أشعة شمس هذه الصائفة”.سألنا أمين عما إذا قصد شاطئ البحر ولو لمرة خلال هذه الصائفة، فرد بالنفي قائلا: “شواطئهم لم تخلق لمثلنا يا “مدام” خلينالهم كلوب دي بان وموريتي و«طالاسو” يتمتعوا بيها وما بقالنا غير لوتو روت والشميسة..”، كلام أمين عن العطلة التي لا تطاله لأنه وببساطة ينتمي لعائلة نخرها الفقر يكدّ معيلها لتوفير الضروريات فكيف بالكماليات.شهيناز هي الأخرى إحدى البائعات الصغيرات في السوق ذاته، عمرها لم يتجاوز 12 سنة، أحرقتها أشعة الشمس بحرارتها، قالت إنها تعيش عند جدتها التي لم تعد تقوى على السير، فوالدها توفاه الله منذ كان عمرها أربع سنوات ووالدتها التي انفصلت عنه قبل وفاته تزوجت برجل آخر وتركت أطفالها الأربعة دون معيل أو رقيب لا تراهم إلا نادرا وفي أوقات متفاوتة، حقوق الطفل تعني بالنسبة إليها أن يكون معها نقود تكفي لشراء ما يلزمها وبالتالي أضحى لزاما عليها اعتماد البيع أو حتى اللجوء إلى التسول إن لم تجد ما تبيعه طالما أنه ليس هناك من يهتم برعايتها وتوفير حاجياتها.. ما تتمناه هذه الصغيرة لخّصته في عبارة قائلة: “أتمنى أن أنعم ولو بفترة لا تتجاوز يوما واحدا بما ينعم به باقي الأطفال.. أرتدي حذاء جديدا ولباسا جميلا مستوردا، أتمنى كذلك الحصول على حقيبة مليئة بالحلوى والعصائر أجلبها معي للمسبح أو الشاطئ وأتمنى أن أحس بوجود والدتي معي، فمنذ سنوات لم أعد أراها إلا ساعات كل شهر وفي الغالب يكون لقائي معها في الشارع الذي أرتاده طوال أيام الصيف”.المسابح والشاطئ للمحظوظينوعلى شاطئ “طالاسو” بسيدي فرج، صادفتني فئة أخرى من الأطفال كانوا رفقة عائلاتهم أمام طاولات صففت بها مختلف المأكولات، يستمتعون تحت مظلات واقية بالاستجمام على شاطئ البحر، اقتربنا من بعضهم واستفسرنا عن كيفية تمضيتهم العطلة الصيفية ومن بينهم ليديا ذات التسع سنوات التي كانت تجيد وبمهارة تكلم الفرنسية، كلمتنا بتلعثم صغير أضفى نكهة على كلامها عن برنامج عطلتها الصيفية وأخويها الاثنين قائلة إنه بحكم عمل والديها فإنهما يسعيان إلى أخذهم يوما بعد يوم إلى بعض مسابح الجزائر العاصمة، على أن يلجأوا خلال نهاية الأسبوع إلى هذا الشاطئ، لتنتهي أمسية الخميس بأكلة شواء أو بيتزا، لتتدخل الأم مضيفة أنها ارتأت وزوجها عدم حرمان أطفالهما من التمتع بعطلتهم الصيفية، ووجدا في بعض مسابح العاصمة أمانا وراحة بال، إذ يضعان أطفالهما هنالك صباحا ويسترجعانهم مساء مقابل مبلغ من المال، في انتظار حلول عطلتهما السنوية منتصف شهر أوت والتي حضرا لها برنامجا آخر.هذه عينات مختلفة لأطفال الجزائر الذين اختلفوا في تمضية عطلتهم، مثلما اختلفت بقية فئات المجتمع في مستويات العيش وربح القوت اليومي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات