أطفال يضحون بالعطلة لتعلم اللغات الأجنبية

+ -

ينتظر الأطفال أكثر من غيرهم حلول العطلة الصيفية للاستمتاع بزرقة البحر بعيدا عن ضغط الدراسة وأجواء الامتحانات والفروض التي تثقل كاهلهم طيلة الموسم الدراسي، لكن منهم من تكون زيارة البحر استثناء في أجندته الصيفية لأن له برنامجا آخر، فالصيف فرصته ليمارس هواياته وكذا للمشاركة في دورات تعلم اللغات من أجل تقوية قدراته ومهارته رغبة منه في ذلك أو تحقيقا لحلم الأولياء. هم أطفال تتراوح أعمارهم بين ثماني إلى اثنتي عشرة سنة، يقضون عطلتهم الصيفية في تعلم اللغة الفرنسية، الإنجليزية وحتى الإسبانية، ناهيك عن دورات تعلم في الرسم والرقص والمسرح والغوص وكذا اكتشاف أبجديات الموسيقى بتعلم آلات العزف.. يعتبرون أن استغلال العطل في ممارسة هواية أو تعلم لغة جديدة هو استمتاع من نوع آخر واستثمار على المدى البعيد.سفيان تلميذ في المرحلة الابتدائية، يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة، سألناه عن سبب ارتياده مدرسة تعلم اللغات في هذا الجو الحار، ولماذا لم يختر الاستمتاع بالعطلة، خاصة أنها بضعة أشهر وعلى وشك أن تنتهي، أجابنا بثقة تفوق سنه بكثير، واعيا بما يريده، فقال: “أحب اللغة الإنجليزية كثيرا، منذ أن كنت في الرابعة وأقاربي المقيمون في إنجلترا دائما يغدقون علي بقصص جميلة، والأهم أنها باللغة الإنجليزية”. يواصل حديثه: “تعودت على حب هذه اللغة وبدأت أحل رموزها، لدرجة أنني أتقنتها فأصبحت أتحدث بها بطلاقة متفوقا بذلك على أقراني، ما شجع والدي على تسجيلي في مدرسة للغة الإنجليزية للحصول على شهادة معترف بها”.أما آية فهي فتاة في الحادية عشرة من عمرها، بادرناها بالسؤال مستوضحين عن الدافع لدراستها اللغة الفرنسية، فقالت: “في الواقع أنا مضطرة لمتابعة الدروس في فصل الصيف، مع أنني أشعر بالغيرة من صديقاتي اللائي يلعبن ويرتدن الشواطئ للسباحة، خاصة أن معاناتي كانت مضاعفة كوني صمت شهر رمضان هذا العام لأول مرة”. تواصل “في الفصل الأول من السنة الدراسية لم نحظ بأستاذة للغة الفرنسية، ما جعل مستوانا يتأخر عن باقي الأقسام، فاقترحت ماما هذه الدروس حتى لا تواجهني مشكلة في تحصيلي اللغوي مستقبلا، وأنا رحبت بالفكرة”.أنشطة ترفيهية موازيةأما أنيس على عكس أصدقائه، بادرنا بالحديث متحمسا ليخبرنا عن اللغة التي هو بصدد تعلمها، وأبدى تفاعله ليشاركنا الحديث رفقة أصدقائه، سألناه لماذا لم يزاول دراستها خلال السنة الدراسية، فأجابنا والابتسامة على محياه: “أكثر ما يعجبني في هذه المدرسة حصص الترفيه التي تمنحنا إياها، كذلك اللعب مع أصدقائي، فأنا لست مضطرا لرؤيتهم بعد ثلاثة أشهر”. باغتناه بالسؤال: “لهذا السبب فحسب؟”. فضحك كأنه اكتشف النية الحقيقية من وراء سؤالنا، وأجابنا وهو مسترسل بالضحك “من المؤكد ليس لهذا السبب فقط، لا أنكر أنني أستفيد من التعلم كثيرا، ولم أعد أجد صعوبة في اللغة الإنجليزية”.حمزة ذو 9 سنوات، لا يعتبر نفسه معاقبا أو محروما من نمط قضاء عطلته الصيفية، بل على العكس، فهو يعتبر هذه السنة دون سواها الأكثر متعة على الإطلاق. سألناه عن السبب فأجابنا قائلا: “استمتعت بالصيف بطريقة مغايرة عن ما اعتدت عليه، عدا عن أنني استفدت من تعلم بديهيات لغة كانت تشكل لي عائقا، تعرفت على نادي المسرح، وأدركت كم تقضي وقتا ممتعا وأنت ترتاد السينما، أيضا السباحة في المسبح شعور رائع يختلف عن البحر، فهو يمتاز بالجمال والصفاء”.ما عجز عنه الآباء يحققه الأبناءلم نكتف بأجوبة هؤلاء الأطفال مع أنهم كانوا رائعين في صياغة مشاعرهم وأهدافهم من وراء ارتيادهم مدارس اللغة، إلا أننا أردنا معرفة وجهة نظر آبائهم خلف تسجيلهم لهذه الدورات. التقينا السيدة جميلة التي رغم شدة الحرارة، إلا أنها كانت تنتظر في صبر موعد انتهاء الحصة، تقدمنا منها وسألناها عمن تنتظر، فقالت: “أنتظر ابنتي أريج عمرها 10 سنوات، سجلتها في دورة لتعلم الفرنسية، كان قراري منذ البداية أني حددت لها اللغة التي تدرسها”. استوضحناها عن الدافع وراء اختيارها لهذه اللغة بالذات، فأجابتنا والحسرة تطبق على صوتها “سأساند ابنتي حتى تتقنها”. تواصل: “لن أنسى معاناتي أبدا مع اللغة الفرنسية، تصوري أنني كنت طالبة في كلية الطب، وبسبب ضعفي الشديد في هذا المجال، وبالرغم من تفوقي في باقي المواد إلا أنني اضطررت للتخلي عن اختصاص كان منبع فخر لي ولعائلتي في يوم من الأيام، والتحقت بمعهد التكوين في الأشغال العمومية رغم أن قدراتي كانت أكبر بكثير”.كانت دوافع السيدة أسماء مختلفة تماما، فقد سجلت ابنها أنيس بمدرسة ليتعلم الإنجليزية، أضافت قائلة: “لا نملك المال الذي يخولنا للذهاب كعائلة في رحلة خارج الوطن، ولا حتى لقضاء العطلات في الولايات الساحلية، فارتأينا أن نسجل أنيس في مدرسة توفر له التعلم والترفيه، يتمثل في دروس المسرح والرسم، ناهيك عن تنظيم رحلات إلى المسبح والسينما، فلا أكون بذلك قد حرمته من الاستمتاع بالعطلة”.السيدة آسيا أرادت أن تجنب ابنتها المعيقات التي اعترضتها فقط لأنها لا تتقن الفرنسية، فصرحت لنا بأنها متحصلة على شهادة ليسانس في التجارة، ولم تستطع أن تحصل على عمل بسبب عدم إتقانها الفرنسية، ما جعلها تشعر بالإحراج عندما كانت متدربة في إحدى الشركات، وهو السبب الرئيسي الذي أدى بها إلى التخلي عن الوظيفة، في الوقت الذي يوجد من يفتقر للمؤهل العلمي وبسبب إتقانه لغة أجنبية تحصل على وظائف بمنتهى السهولة، على حد قولها.من جانب آخر، يعتبر الكثير من الأولياء تسجيل أبنائهم في دورات اللغات أمرا فرض نفسه ولم يكن أمامهم خيار، فأمام عجزهم عن الخروج في عطلة وغلق أغلبية دور الحضانة أبوابها، ناهيك عن رفض المربيات الاحتفاظ بالأطفال في بيوتهن صيفا بحجة ذهابهن في عطلة، لا يجد الأولياء خيارا أحسن من تسجيل الأبناء في دورات للغات، لأنها تشغل الطفل بأشياء مفيدة خلال فترة غياب الأولياء في العمل، فيكونون بذلك أكثر اطمئناناً بدل وجود الأطفال في المنزل بمفردهم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات