+ -

ليالي وأيام صيفية ملهبة في غزة، وظلمة حالكة تحيط بوطن ممدد على خارطة من الأزمات التي لا تنتهي، حدث ولا حرج هنا غزة، في عتمة الإنسانية يعيش الناس تحت أسقف مهترئة محرقة تحت أشعة قاتلة بانتظار وعود الإعمار التي لطالما تحدّث عنها العالم.“قضية الكهرباء والإعمار بالنسبة لنا صارت حلما، حلما بعيد المنال على أرض الواقع لم نر أي تحرك احنا بنسمع أن مواد الإعمار متوفرة”، يقول مواطن فلسطيني وقد قدحت حرارة الشمس جسده. ويصرخ آخر “العالم كله قاعد في بيوت، وأحنا قاعدين في الشمس، لا كهرباء ولا بيت، حرام عليهم، يجوا يقعدوا ليلة عندنا، يحسوا بحياتنا، أقولك يقعد ساعة عندنا، يحس بحياتنا وحياة أولادنا إذا هو بيرضاها لنفسه”.يغرق قطاع غزة، منذ الأسبوع الماضي في ظلام دامس بعد توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل، بعد نفاد الوقود اللازم لتشغيلها. وزاد حر الصيف وارتفاع درجات الحرارة من معاناة السكان، إذ تحول نهارهم إلى فرن يصهر الأجساد.أم لأربعة أطفال تقول بنبرة غاضبة: “إلى متى سنبقى نعاني من أزمة الكهرباء، في الليل نغرق في الظلام وفي النهار نحترق”.والسبب في عودة أزمة الكهرباء وفقا لسلطة الطاقة في غزة، أنه بعد نفاد الوقود اللازم لتشغيلها نظرا لانتهاء آلية توريد الوقود المعمول بها منذ شهور، والتي تتضمن خصم حكومة التوافق الفلسطينية لجزء من الضرائب المفروضة على سعر الوقود”.ويقول نائب رئيس سلطة الطاقة فتحي الشيخ خليل “أزمة انقطاع التيار الكهربائي تفاقم من معاناة سكان قطاع غزة على كافة مناحي الحياة. وأضاف: “هناك كارثة إنسانية وبيئية وشيكة في حال استمرت أزمة انقطاع التيار الكهربائي، إذ ستتوقف مرافق المياه والصرف الصحي عن العمل”.لا يُفرّق سيف انقطاع الكهرباء بين غزوي وآخر، الكل تحت المقصلة في ظل ارتفاع درجات الحرارة ومعاناة بعض الغزويين من أمراض تستدعي توفر الكهرباء على مدار الساعة.وقضى محمود أحمد من غزة، ليلة أمس، محاولا إسكات صراخ أطفاله الأربعة: “لا مراوح ولا هواء ولا ماء بارد، كنت عاجزا عن فعل أي شيء لأولادي”. وتتعرض الأراضي الفلسطينية إلى موجة حارة تزداد حدتها خلال الأيام القادمة، تصاحبها رطوبة مرتفعة.محمد إسماعيل 21 عامًا من وسط قطاع غزة، ذو الوجه المُحمر من شدة أشعة الشمس، وقت الظهيرة، يقول: “الدنيا حر وجحيم ومن لديه مريض يحتاج إلى كهرباء”. هناك مرضى ليسوا كأي مرضى، جريح قطعت إسرائيل قدميه بأحد صواريخها يعاني من مرض الغرغرينا، وقد أجرى عملية لقص قدميه مؤخرًا، وهو ما يجعله أكثر عرضة للتأثر بانقطاع الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة.بكل مرارة وألم يقول والده قبل أيام، توجهت إلى أحد مرافق البيت ليلا، في ظل انقطاع الكهرباء، فإذا بي أسقط أرضًا نتيجة الظلام الدامس”، وتشرح والدة مريضة معاناة ابنتها في ظل انقطاع الكهرباء: “قاعدة على ظهرها الأربع وعشرين ساعة على الفرشة الهوائية على الاكسجين، فش كهرباء وتأثر وضعها أكثر وما احنا قادرين نجيب بنزين، ولا قادرين نجيب موتور الها، ما فيه اشي يتوفر، ونطالب من كل الدول يساعدونا بحل للكهرباء”.شدة الألم وحرارة الجو الملتهب لم يقطعا الأمل عند الغزاويين “نطمح إلى أن تكون الكهرباء متوفرة بشكل مستمر على غرار كل دول العالم، فعندما تنقطع الكهرباء لثوان يستقيل الوزير قبل أن يُحاكم.. نحن نعيش على بصيص الأمل” تقول والدة شهداء قضوا في حرب غزة الثانية.تعيش حنان، وهي طبيبة، المعاناة بكامل فصولها، جراء انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، إذ يؤثر ذلك على كافة مناحي حياتها لاسيما في عملها، مردفة: “حتى شحن الجوالات صار أمرا صعبا، والأمر الآخر الطلبة فأي إنسان لديه دراسة يتأثر بشكل كبير لعدم وجود الكهرباء، والطعام داخل الثلاجة يفسد، يعني الحياة صعبة جدا جدا، حياتنا قائمة على الكهرباء”.نداءات واستغاثات وتحذيرات، فقد حذرت مصلحة مياه بلديات الساحل من حدوث أزمة إنسانية وبيئية، جراء توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل.وذهبت المصلحة إلى أبعد من ذلك، وقالت: “ في ظل توقف محطة الكهرباء عن العمل، هناك كارثة إنسانية وبيئية تهدد حياة سكان قطاع غزة، بسبب عجزنا عن تشغيل مرافق المياه والصرف الصحي”.أحد المواطنين من قطاع غزة واسمه محمد صالح عرض فكرة وتمنى أن تصل إلى أصحاب القرار، فهو يطالب الجهات المختصة بدراسة إمكانية استخدام (توربينات أتش كلاس 8000 ) الألمانية التي تعمل بالغاز الطبيعي، ويمكن لـتوربين واحد أن يوفر احتياجات غزة من الكهرباء، هذه فكرة لا أدري مدى نجاعتها، ولكنها دليل على اهتمام المواطنين في غزة باكتشاف حل ووضع حد لأزمة الكهرباء التي تضاعف معاناة سكان القطاع.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات