الشريط الذي بثته التلفزة الجزائرية لم يكشف النقائص الهائلة التي يعرفها قطاع الصحة فقط.. بل كشف وفي العمق النقائص الكبيرة التي يعرفها قطاع الإعلام، وخاصة التلفزة الوطنية. فالعديد من الوزراء مروا على هذا القطاع، ولكن لا أحد منهم تجرأ وحرر هذا القطاع ليلعب دوره في الحياة الوطنية ويؤدي دوره في الرقابة على الأداء التنفيذي للمهام الحكومية على أكمل وجه.لا يمكن أن يقول قائل: إن السلطات المحلية في قسنطينة والسلطات العليا في الحكومة لم تكن على علم بالحالة الكارثية التي عليها قطاعا الصحة في هذه المدينة.. فالكل يعلم بالتدقيق ما يحدث في المستشفيات، ولكن لا أحد باستطاعته تحمّل مسؤولياته كاملة، وهذا يعني أن الرقابة الإدارية والبرلمانية والأمنية قد تكون في بعض الأحيان مشلولة ولا تؤدي دورها، فيلجأ الشعب إلى الرقابة الإعلامية التي تشكو الحكام إلى صاحب السلطة الفعلي، وهو الشعب، مثلما حدث في حكاية نشر التلفزة لشريط مستشفى ابن باديس بقسنطينة، حيث اشتكى الشعب إلى نفسه عبر الإعلام، وكانت الشكوى مسموعة وخلخلت أركان السلطات المحلية والوطنية التي كانت لا تحركها شكاوى المواطنين عبر التقارير الإدارية والأمنية.هذه الحادثة تدل على أن هناك قوة هائلة في الإعلام يمكن أن تستخدم بصورة إيجابية في تحسين الرقابة على التسيير العام للمرافق، وأن قطاع الإعلام هو الآن يعاني من فساد لا يقل عن الفساد الذي بثته التلفزة حول قطاع الصحة في قسنطينة.. فالحكومة عبر تسييرها للإعلام وبطريقة الإدارة والهاتف والفاكس وتحويل جهاز هام مثل التلفزة إلى ناشر لإعلام الرداءة والفساد والشيتة والمدح، وتخليه عن دوره في القيام بواجبه الإعلامي بالمساهمة في كشف النقائص وتحرير الطاقات لبناء البلد.ماذا لو حدثت المعجزة وأعطيت الحرية لجهاز الإعلام العمومي (التلفزة والإذاعة) فأصبح وسيلة من وسائل محاصرة الفساد والتقصير! بالصورة التي ظهرت به هذه الوسائل في قضية الصحة بقسنطينة، أليس ذلك أفضل؟ ماذا تستفيد الحكومة والرئيس من تلفزة تنشر رسائل تهاني وتعازي الرئيس لخلق الله في الداخل والخارج؟ ولا تهتم بما اهتمت به في قسنطينة في قطاع الصحة؟! أليس ذلك أفضل مئة مرة من زيارة الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء إلى هذه الولاية.القضية بينت فعلا أن هناك تعطيلا لقدرات الإعلام في القطاع العام لا يقل خطورة عن التعطيل الذي كشفه شريط التلفزة هذا.تمنيت أن يكون ما بثته التلفزة بداية لإنهاء حالة تعطيل قدرات البلاد في مجال الإعلام، والبدء فعلا في إطلاق الحريات المهنية للصحافيين للقيام بالمهنة وفق أصولها، بعيدا عن التسيير بهواتف الوزير والجنرال والمدير والرئيس، أي تحويل التلفزة الجزائرية من تلفزة حكومية إلى تلفزة عمومية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات