وردة.. "قلوبنا ممتلئة بحضورك وأنت غائبة"

38serv

+ -

لم يكن الوالد محمد فتوكي يتوقّع أن يوم 22 جويلية 1939، سجل لحظة الحضن لابنته الصغيرة التي أطلت من باريس على العالم، وما سيغير تاريخ الفن والموسيقى العربية.. أطلق عليها اسم “وردة” وهو يحلم بأن تزهر حياته وتؤنس غربته بعيدا عن أرض الوطن، لكن تلك الوردة كانت حملت معها أريجا فنيا خاصا، عطره أبدي. “حكايتي مع الزمان”، هو عنوان إحدى الأغاني الجميلة التي أدتها وردة الجزائرية في مشوارها الفني الثري، وهي حكاية الأمكنة التي صنعت حياة وردة فتوكي منذ صغرها، لتكون محاطات بين مسقط رأسها باريس، وبلدها الأم الجزائر والقاهرة.. عشقها الأبدي التي ساهمت في صناعة مجدها الفني، وبيروت روحها الثانية لأصول والدتها اللبنانية.في مثل هذا الشهر ولد صوت عطره لا يزال يزكي الأمكنة، يهب قلوبنا إحساسا بحضور صاحبته رغم الغياب، كانت النجمة ستطفئ هذا الأسبوع الشمعة 76 لميلادها، لولا القدر الذي قرر أن يلاقي وردة الجزائر بربها يوم 17 ماي 2012 بالقاهرة عن عمر ناهز 72 سنة وتدفن وفق وصيتها في تراب بلدها الأم الجزائر.برزت موهبة الغناء لدى وردة الجزائرية في سن مبكرة، وما ساهم في صقل صوتها ومنحها الفرصة لتكون نجمة عابرة للقارات، هو امتلاك والدها محمد ابن مدينة سدراتة بسوق أهراس، لنادٍ بباريس كان يتردد عليه الجزائريون والعرب، وكانت وردة الطفلة تعيد أداء مختارات أغاني نجوم فن الزمن الجميل من أمثال أم كلثوم وأسمهان وعبد الحليم، وكان يشرف على تعليمها المغني الراحل التونسي الصادق ثريا.غير أن رحلتها إلى القاهرة عام 1960 بدعوة من المنتج والمخرج حلمي رفلة، كانت بمثابة تذكرة سفر نحو العالمية، فالقاهرة التي كانت في ذلك الوقت “أستوديو فني” كبير يحج إليه الباحثون عن النجومية، عرفت وردة كيف تحجز لنفسها مكانة فيه وبين قلوب المستمعين، إلى أن ذاع صيتها ووصل مداه إلى الرئيس جمال عبد الناصر الذي طلب بأن يضاف إليها مقطع في أوبريت “وطني الأكبر”، وقد صنعت مشاركتها في هذا الأوبرات العربية سنة 1960 بهجة كبيرة في قلب والدها محمد الذي لم يصدق نفسه من الفرحة وخاطبها قائلا: “اليوم فقط أنت فنانة”.لكن لكل نجاح ضريبة، وضريبة وردة كانت الشائعات التي سعت لتحطيمها، بعد أن انتشر خبر علاقة سرية بينها وبين المشير عبد الحكيم عامر رئيس المخابرات المصرية، في عهد عبد الناصر، ما أدى إلى صدور قرار بإبعادها خارج البلاد ومنعها من دخول مصر، ولم ترجع إلى مصر إلا في مطلع السبعينيات خلال حكم الرئيس السادات. مرت وردة في تلك المرحلة بظروف صعبة اعتزلت الغناء سنوات بعد زواجها، حتى طلبها الرئيس هواري بومدين كي تغني في عيد الاستقلال العاشر للجزائر عام 1972، ثم عادت إلى القاهرة وانطلقت مسيرتها من جديد وتزوجت الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي لتبدأ معه رحلة غنائية استمرت رغم طلاقها منه سنة 1979.توجت مسيرة وردة بإصدار 51 ألبوما غنائيا، تعاملت مع كبار الملحنين منهم رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد الموجي وسيد مكاوي وبليغ حمدي وكمال الطويل، وحلمي بكر ومؤخرا صلاح الشرنوبي، فغنت للوطن “بلادي أحبك”، لمصر “وحشتوني”، وغنت للحب والأمل وكانت الحياة وأيامها بحلوها ومرها كلمات آخر أغانيها “اللى ضاع من عمري” وأغنية “أيام” التي رحلت عنها وردة قبل أشهر من موعد تصوير الفيديو كليب.هي وردة ومن يحكي حكايتها مع التمثيل، سيحكي الغرام دون ابتذال، وهي التي رفضت أن تؤدي مشاهد قد يصفها البعض بالجريئة. لم تخرج ابنة مدينة سوق أهراس يوما من عباءة العادات والتقاليد، وقدمت أدوارا هامة في أفلام كان للإبداع الموسيقى حضورا قويا، وكان لدور الجسد خجلا وحياء، بلا ابتذال أو إسفاف، ظهرت لأول مرة ممثلة سينمائية مع فيلم “ألمظ وعبده الحامولي” سنة 1963، لتحكي رفقة الممثل المصري الراحل عادل مأمون قصة حقيقية حدثت في القرن التاسع عشر أيام الخديوي إسماعيل، لزوجين مطربين شكلا ثنائيا ناجحا هما ألمظ وعبده الحامولي. أدت وردة الجزائرية دور ألمظ، بينما أدى عادل مأمون دور عبده الحامولي، وقد قدمت وردة في السنة نفسها تجربة سينمائية غنائية ثانية مع المخرج نيازي مصطفى الذي اختار أن يقدم صوتها مع ألحان الموسيقار محمد الموجي في عمل سينمائي غنائي تاريخي بعنوان “أميرة العرب”.لم يكن شغفها بالتمثيل كبيرا، لهذا لم تقدم إلا أربعة أعمال في مسيرة غنية بالعطاء الموسيقي، ولم تقف أمام كاميرا السينما إلا بعد عشر سنوات من التجربة الأولى، لتحكي “قصة حب” رفقة الممثلين القديرين حسن يوسف وعماد حمدي برؤية إخراجية للعبقري حلمة رفلة سنة 1973، وفي العام نفسه قدمت مع الراحل رشدي أباظة رائعة “حكايتي مع الزمان”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات