أهالي قطاع غزة يستقبلون العيد بأوجاع الفراق والحصار

38serv

+ -

لا شيء حاضر إلا صورة الحزن الذي يسكن حياة الكثير من الأسر الفلسطينية في أول أيام عيد الفطر السعيد، معه انتهى الصيام عن الطعام والشراب دون أن ينتهي الصيام عن فرحة صادرها الاحتلال من الفلسطينيين في حلهم وترحالهم وبدت الدموع أكثر سطوة من الكلام.بين أم ليست كأمهات الكون راحت تبحث عن نجلها في غياهب سجون الاحتلال، وزوجة تقرأ السلام على من اختار المستقر الأبدي وطفل يفتقر إلى حنان الأب في حضرة الغياب، تسلل العيد إلى الأراضي الفلسطينية، ولكل فيها حكايته.”والله يوم حزين أكيد، يوم العيد، يذكرنا فيه كيف بحب العيد، ويحب يلبس ملابس العيد، ويلعب مع أصحابه”، والدة طفل تجوح وتنوح على قبر ابنها في يوم العيد.“لنا عشر سنوات تقريبا ونحن نستقبل العيد وزوجي أسير وعندي أولادي، وهذه المرة أضرب عن الطعام، لكن رغم الألم والجراح استقبلنا العيد”.. لسان حال الجميع يردد.. عيدٌ بأيّ حالٍ عُدتَ يا عيدُ، بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ، عيد لا يحمل من التجديد سوى ذكريات رائحة الدم وبارود بني صهيون.دمعة يتيمتجلس أم محمد أمام صورة زوجها الشهيد، تسترجع ذكريات أجواء استقبال العيد في كل عام، رفقة أفراد عائلتها وهي التي حرمتها طائرات الاحتلال من زوجها حين استشهد بعد أن أصابه أحد صواريخها وهو مرابط على الثغور في حرب غزة الأخيرة.أخذت تحتضن أطفالها وتنظر إلى صورة زوجها بحسرة وكأنها تقلب شريط حياتها معه قبل استشهاده. “اعتدنا على شراء ملابس للأطفال قبل العيد بأيام قليلة”، قاطعتها طفلتها ضحى صاحبة الستة أعوام قائلة بكل براءة “كان بابا يحبني كثيرا ويعيدني”.لم تفارق وجهها علامات الحزن، تقول أم محمد: “حياتنا صعبة جدا بعد فراق زوجي، وقدوم العيد يعيد إلينا ذكريات الحزن والألم التي حلت بنا”. أجواء الحزن لم تخيم على هذه العائلة فحسب، بل إن عائلات كثيرة ذاقت مرارة الفراق، فما أن يحل ذكر العيد بين الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة حتى يحل رفقته الوجع وذكر الراحلين. تستذكر والدة أحد أطفال مجزرة “مرجيحة الأطفال” الهجوم الذي استشهد فيه أيامها 10 أطفال فلسطينيين، في قصف إسرائيلي استهدف منتزها في مخيم الشاطئ للاجئين، تقول الأم المكلومة بعد أن التقطت أنفاسها بصوت منخفض “أصعب شيء في الدنيا فراقا الابن لأمه”.جرحك يا أماه محزن حد الصمت الدامع في العيون والمقل، فكم من الأطفال حضروا عيدهم في الجنان، وكم من العائلات قضت نحبها تاركة خلفها الباكين، وكم من بيت طحن بآلات العدو من خلال طائراته.هذا الحزن التليد في يوم وليد، عاشته مدينة القدس المحتلة التي بدت وحيدة حين اقتصرت الصلاة على بعض أجزاء من المناطق الفلسطينية، هنا لم يجد الرئيس الفلسطيني من كلام سوى شد أزر شعبه إزاء موعد مؤجل مع حرية مأسورة “إن شاء الله يعيد علينا العيد القادم وقد تخلصنا من الاحتلال وانتهينا من الاستيطان وأقيمت الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ويعود الهدوء والأمن والأمان”.وحين يختزل الألم في حروف الكلمات تكبر الجراح ويشيخ معها الأمل في يوم ليس كأي يوم في حياة الفلسطينيين الذين ظلمتهم الجغرافيا، حين حالت دون التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة الذين باعد الاحتلال الإسرائيلي بينهم، فتعذر الكلام على الأنام.ومن بين زحمة الأحزان حل عيد الفطر السعيد على الأراضي الفلسطينية التي تعيش خصوصية جراء الاحتلال الذي صادر فرحة الفلسطينيين بصلاة العيد وزيارة أضرحة الشهداء، شق الفلسطينيون نهارهم في أول أيام العيد وقد بدت في القلب غصة.العيد بلا طعم ولا رائحةوعلى وقع رائحة الموت التي كانت تسكن هنا قبل عام، تبدو أجواء العيد في غزة بلا طعم وباهتة، فالإحساس بفرحة العيد تبدو غائبة عن هؤلاء الذين تقف خلف كواليس حياتهم مأساة يصعب وصفها، فكثير من الخذلان يستقبلون العيد الخجول، “احنا عيدنا، وين العيد؟!”، يقول مكلوم من غزة وهو يستذكر حربا ذبحت كل أفراد عائلته في يوم العيد.وأمام وجع تفاقم في يوم العيد الذي يزدحم بالذكريات لم يجد إسماعيل هنيه إلا بعض الكلمات التي هنأ بها أهل غزة وبشرهم بقرب فك حصارهم خلال إمامته بالمصلين في صلاة وخطبة العيد “إن قيادة حماس أمينة على دماء الشعب ومقاومته، وهي متمسكة بثوابت شعبنا، ولن تتنازل عن حقها في مقاومة الاحتلال، وغزة على مشارف إنهاء الحصار وبناء ميناء وإعادة الإعمار”.نكهات عيد الفطر السعيد والأجواء الاحتفالية فيه، وإن غيبت قسرا بفعل الحصار والحرب اللذين يحلان ضيوفا ثقالاً على غزة وأهلها، إلا أنها تبقى حاضرة في قلوب الناس “مهما كنا في حصار نحن في خير وثبات وقوة، وهذه بشرى للانتصار”، تقول أم فلسطينية.وبالنسبة للفلسطينيين في غزة، يمثل العيد رافعة جديدة لملامح عيشهم البائسة، فيعانقون الأمل ويتمسكون بأرفع خيوطه ويصنعون الفرح بأحلام بسيطة، فكثيرة هي الأسباب التي تعكر صفو العيد لدى الفلسطينيين وهم يطوون عيدا آخر من أيام أخر، وقد ظل الاحتلال الإسرائيلي المنغص الأكبر إلى جانب الانقسام الداخلي.. وكل عام وأنتم بخير.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات