شيء جميل أن يفطر العالم الإسلامي في العيد في يوم واحد ويصوم في يوم واحد.. والأجمل منه أن يصوم أو يفطر المسلمون من جاكرتا إلى طنجة في يوم واحد لرؤية هلال رمضان خاصة بعد أن غرس عليه الأمريكان علم أمريكا منذ 47 سنة تقريبا، لكن أن يأكل جزء من العالم الإسلامي رمضان في يوم أو يصومه بسبب اختلاف الرؤية فذاك ما لا يقبله عقل، خاصة عندما تكون أسباب رؤية الهلال في هذا البلد أو ذاك لها علاقة بالسياسة وبالظروف الخاصة، اقتصادية أو اجتماعية.فالسعودية مثلا لا يناسبها أن تكون الوقفة في عرفات يوم الجمعة لأسباب تخصها، ومنها مثلا أنها تتطير بعملية اقتران وقفة عرفات بيوم الجمعة مخافة أن تفقد العائلة المالكة في السعودية أحد أفرادها كما تقول الأسطورة، ولهذا تفضل السعودية إبعاد عيد الأضحى عن الجمعة حتى لو أدى الأمر إلى أكل يوم من رمضان.. ويأكل معها العالم الإسلامي هذا اليوم أيضا!كما أن اقتران الحج والوقفة تحديدا بالجمعة يفتح باب جهنم على المملكة السعودية بسبب زيادة تدفق الحجاج على الحج في السنة التي يقترن فيها الحج بالجمعة للاعتقاد السائد أن الحجة في يوم الجمعة تعادل 70 حجة في عداه من الأيام.. أي أن آلة غسيل الذنوب في الحج في حجة الجمعة تكون فعاليتها في مسح أدران المسلم الحاج مضاعفة بـ70 مرة! ولهذا يزيد عدد حجاج السعودية من شعب المملكة في حج الجمعة بصورة مضاعفة قد يربك موسم الحج. ومن أجل إنجاح الحج يجوز أكل يوم من رمضان.إنه البؤس بعينه حين تبقى مشكلة المسلمين مع هلال رمضان قائمة منذ 15 قرنا تقريبا.. تماما مثلما مشكلة المسلمين مع الخلافة قائمة هي أيضا منذ 14 قرنا.. منذ عهد الطلقاء وخلاف معاوية وعلي؟!واليوم جاءت مشكلة أخرى وهي مشكلة الجهاد الذي أصبح عند بعض المسلمين مرادفا للإرهاب.. وبات بعض الناس يتحدثون عن مراجعة التاريخ الإسلامي برمته بحيث تصبح الفتوحات الإسلامية “حروب إرهاب”!وحتى عندنا في الجزائر فإن لفظة مجاهد أصبحت مزعجة وتحيل الموصوف بها مباشرة على الإرهاب كما كانت تقول فرنسا “الفلاڤة”! وهذا هو السبب الذي جعل جريدة مثل جريدة “المجاهد” تتحول إلى صحيفة غير مرغوب فيها في العديد من البلدان، والصحفي المشتغل فيها كأنه يشتغل في داعش، أو القاعدة. ولفظة الجهاد أصبحت تعني الإرهاب.فعلا، ربع البشرية أصبح مهددا في صلب معتقداته التي عمرت معه 15 قرنا تقريبا، وبات حكامه وبعض رجالات فكره يطالبون بإعادة صياغة ما كان حتى عهد قريب يعد سبب قوة المسلمين ومناعتهم. إنها فعلا أكبر من أزمة تتجاوز حكاية إثارة النعرات العرفية داخل البلد الواحد وتتجاوز حكاية الإرهاب المعروف بالمفهوم الغربي والعربي والإسلامي.. إنها أزمة وجود.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات