بطالون بـ”خمسة نجوم” فقدوا بوصلة طريقهم

+ -

ها هو رمضان المبارك ينتهي ويودع المسلمين في جميع ربوع المعمورة، بعد أن حل ضيفا خفيفا على قلوبهم. يرحل حاملا معه فرص ضيّعها الكثير من الشباب العاطل عن العمل، ممن استسلموا لكسلهم واكتفوا بالعيش ليلا، تحت ضوء قمر ليالي رمضانية. استوقفت “الخبر” بعضهم لجسّ النبض والوقوف عند الأسباب التي جعلتهم يختفون عن الأنظار نهارا. “من المرمى إلى المرمى” عبارة لا تدل على مباراة كرة قدم، بل شوط يقطعه شباب بطّال بـ”5 نجوم”، من شروق الشمس إلى غروبها، فوق فراش تحت رحمة المكيف هوائي وراحة التكنولوجيا الحديثة، بعيدا عن لفح الشمس الحارة وظمأ العطش الشديد وعنان الجوع. وبحلول الظلام تجدهم ينقبون عن بقايا تلك النكهة الخاصة بالشهر الكريم، ويبحثون عن تعويضها ليلا بعد أن استسلموا لنومهم نهارا.عكس أفراد العائلةحالهم كحال أمين، خريج جامعة، دفعته البطالة لأن يستسلم لكسله، بعد أن فقد بوصلة طريقه وأصبح تائها في خارطة ليله من نهاره، وبمجرد أن فاتحناه في الموضوع استرسل يقول مبتسما: “لا أخفي عليكم؛ أقضي أغلب ساعات الصيام نائما، أفراد العائلة هم من يوقظنني قبل موعد الإفطار، وأنا بدوري أقوم بتنبيههم حين يحل موعد السحور”.ورغم أن شهر رمضان هو شهر الجد والعمل والعبادة، إلا أن نمط حياة أمين يتغير خلال الشهر الكريم عن باقي أفراد أسرته، ويفتقد نكهة صوم الشهر الكريم: “لحسن الحظ أن مائدة الطعام تجمعني بأفراد عائلتي”، يضيف متحسرا: “كل صباح ألمح أفراد عائلتي يهمّون بالخروج من المنزل للالتحاق بمناصب عملهم، أما أنا فأكون حينها أغازل الفراش للخلود للنوم، بعد سهرة رمضانية طويلة فوق طاولة الدومينو”.ليالٍ ساحرةسحر هذه الليالي قد يمتد عند بعضهم حتى ساعات متقدمة من صباح اليوم الموالي، على غرار كمال، شاب في الثلاثينات، ينقلب ليله نهارا ونهاره ليلا بحلول شهر العبادة والغفران. كشف لنا خلال حديثه أن “سهرته تنطلق بعد الانتهاء من صلاة التراويح إلى غاية صباح اليوم الموالي”. دفعنا فضولنا لمعرفة تفاصيل أكثر عن برنامج هذه الليالي البيضاء التي يعيشها محدثنا، فرد قائلا بلهجة ساخرة “رمضان الماضي كنت أنام حتى صلاة العصر، أما هذه السنة بعدما اشتريت مكيفا هوائيا أصبحت أنهض بعد الأذان”. وعن البرنامج الذي يملأ أمسياته يضيف محدثنا: “أدخل المنزل في حدود الساعة الثانية صباحا، أشاهد مباريات كأس أمريكا الجنوبية إلى غاية موعد السحور. بعدها أذهب لأتصفح بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وبشروق الشمس أذهب للتسوق لشراء جميع مستلزمات الطبخ لتفادي إزعاجي أثناء نومي، ومن ثم أعود للمنزل لكي أخلد للنوم حتى موعد الإفطار”.أسير الظلام“أخاف أن أستيقظ من النوم في وقت مبكر قبل أذان المغرب” كانت كلمات طفق بها شاب آخر ممن يفضلون التخلص من عناء الجوع والعطش بالخلود إلى النوم. مصطفى البالغ 26 سنة متحصل على شهادة ليسانس، إلا أن الحظ لم يسعفه في نيل منصب عمل فراح يبحث عن حلول بديلة لسد الفراغ القاتل في انتظار اليوم الموعود. يقول: “أنام خلال النهار قدر المستطاع، وإن حدث واستيقظت قبل المغرب أبقى ماكثا في الفراش حتى موعد الإفطار. أحاول أن لا أبذل جهدا كبيرا، وطبعا المكيف الهوائي لا يتوقف”. يدخل محدثنا في سبات طيلة أيام شهر رمضان، يخرج ليلا ويختبئ نهارا خوفا من أن يلحقه الجوع والعطش، وفي هذا الصدد قال: “أذكر السنة الماضية لم أتجرأ على الخروج نهارا طيلة 28 يوما من رمضان، وعندما قررت الخروج في اليوم 29 فاجأني نور الشمس الساطع، ما جعلني أشعر كأنني كنت أسيرا داخل كهف حالك الظلام”.وحتى وإن استطاعوا التخلص من عناء الجوع والعطش بالخلود إلى النوم طيلة النهار تحت انتعاش المكيف الهوائي، إلا أن جميعهم أجمعوا على فقدان نكهة الصيام في شهر يضاعف فيه الأجر، وحتى شهية الأكل باتت غائبة أمام مائدة مملوءة بكل ما طاب ولذ من طعام، على حد قول أحدهم الذي قال: “رحمة اللّه واسعة”، في إشارة منه إلى الأمل القائم خلال شهر شوال  لتعويض ما فاته من فرص لم يحسن اغتنامها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات