هل ينجح التجمع الطلابي في منح المتشرد حياة جديدة؟

+ -

اجتمع عدد من الطلبة الجامعيين من مختلف التخصصات حول مائدة إفطار، في مبادرة هي الأولى من نوعها، ليس بهدف توثيق لحظات الصداقة ونسج الذكريات، إنما من أجل تقديم نموذج ومثال لتجنب تبذير الطعام، من خلال استغلال بقايا المواد الغذائية الصالحة للأكل، الذي يكثر خاصة في شهر رمضان، والذي أصبح عادة سيئة تتميز بها العديد من العائلات. فكرة فمبادرة، فتجسيدها على أرض الواقع.. وعيهم بحجم التبذير الذي عشعش في البيوت الجزائرية، في الوقت الذي يعاني العديد من المواطنين الجوع ويُحرَمون من رغيف خبز يسدون به رمقهم، جعلهم ينظمون الحدث الطلابي “فطور شعبي” في شهر رمضان، كلبنة أولى نحو القضاء على التبذير، وتعميم ذلك في البيوت الجزائرية، بجعلها ثقافة استهلاك وطريقة حياة.خلية نحل تديرها أنامل الطلبةكانت الساعة تشير إلى الثالثة مساء عندما زرنا مطعم الرحمة بالجزائر العاصمة الذي احتضن طوال شهر رمضان حلم شباب أرادوا تغيير واقع التبذير في المجتمع الجزائري، ومن أجل توفير حياة كريمة لمن هم في أمسّ الحاجة إليها. اعتقدنا أن درجة الحرارة العالية والساعات الرمضانية الطويلة الذي امتاز بها هذا الشهر ستثبط من حماستهم للمضي في العمل التطوعي، لكن ما أثار دهشتنا هو توافد الأعداد الكبيرة من الطلبة وأعضاء الجمعيات، منذ الساعات الأولى للنهار، لتحضير مائدة إفطار مائة بالمائة اقتصادية، بإعادة استغلال الخضر الصالحة للاستهلاك، وهو المغزى والهدف المنشود من إقامة هذا الحدث، حيث قامت مجموعات بتقشير الخضر وأخرى أخذت في إعداد الأطباق، تحت رئاسة “شيف” محترف، فبات المطعم كخلية نحل تديرها أنامل شباب على قدر من الوعي والمسؤولية.ورشات تدرّس لنتائج تحققبعيدا عن أجواء المطبخ الذي كان يشهد حركة تعاون وتضامن في تجهيز الطعام غير اعتيادية من قِبل الطلبة، قمنا بزيارة الورشات وتتبع رحيق نتائجها، الذي دام ساعتين ونصف ساعة، فقد أخذ منظمو الإفطار، بتنشيط 4 ورشات من شأنها تقنين العمل التطوعي وإضفاء تحديات للسمو بثقافة ترشيد الاستهلاك، حيث حملت الورشة الأولى طرق تعميم فعالية “شعبي فطور” على امتداد السنة وعدم اقتصاره على المواسم الرمضانية فقط، في حين اتسمت الورشة الثانية بتعزيز مبادرات الجمعيات باعتبارهم ممثلين عن النشاط الجمعوي وواجهة تقود العمل التطوعي، أما الورشة الثالثة فاحتوت على سبل إقامة شراكة بين الجمعيات وتوطيد أواصر التعاون بينهما، ليكون التأثير أبعد وأعمق للمواطن، أما فيما يخص حيثيات الورشة الرابعة فكانت حوصلة ونتاج الورشات الثلاث مفادها كيفية إشراك المواطن الذي يعتبر العصب الحيوي لأي عمل تطوعي ونشاط جمعوي.دعوة للتغييرعادل بن صالح، طالب في المدرسة العليا للأعمال، وهو أحد منظمي “فطور شعبي”، سألناه كيف جاءت فكرة “لا للتبذير”، فرد قائلا: “بدأت الفكرة بطالب جزائري مقيم بفرنسا، وعن طريق أصدقائه في الجزائر، اتسعت دائرة منتسبيها إلى أن جمعنا طلبة من مختلف الجامعات، وعوا المشكلة، فآمنوا بالتغيير”، يواصل قائلا: “ما حمّسني لأنتسب لهذا الحدث هو التبذير الذي أمارسه في حياتي اليومية، لا يكفي أن أنظم ورشات وأقيم فعاليات أحذر فيها من تبعات التبذير، وما ينجم عنه، وأنا أول من يسرف في الطعام، عوض أن يستفيد منه شخص جائع، فقررت أن أصلح من نفسي. ووجودي هنا يعتبر أول محطة ودلالة واضحة لأغير من سلوكي، وأدعو بدوري المواطنين للتغيير”.إنجاز يبعث على الفخرمرت الساعات وما إن حان موعد الإفطار حتى فتح المطعم أبوابه، وبدأ المتشردون، رجالا ونساء، بالدخول، وقفوا في زاوية والحيرة والخجل بادية على وجوههم، نظرتهم المنكسرة امتلأت فرحا، وهم يرون الموائد تراصت فيها أطباق الطعام، جلسوا في أماكنهم، وهم ينتظرون أذان المغرب، وما إن رفع الأذان حتى سارعوا بالأكل بنهم. في تلك اللحظات انتابنا شعور لا يوصف، اختلطت مشاعر السعادة والفخر وإشادة بفكرة أتاها طلبة أينعت ثمارها قبل أشهر، وكانت أولى قطافها شهر رمضان الفضيل. ما أثار انتباهنا شاب يحمل آلة تصوير يتنقل بين أرجاء القاعة منشغلا بالتقاط الصور. كانت حماسته مختلفة، دهشة ممزوجة باكتشاف أجواء كأنه لم يعتد رؤيتها. أخبرنا عادل أن ذلك الشاب من البرتغال أبدى تعجبه بالأعمال الخيرية والعطاء الذي يمارسه المسلمون، فقرر الانضمام إلى عملنا الخيري ويواصل: “في بلده البرتغال أغلبيتهم يدينون بالمسيحية، وتصرف نبيل كهذا لم يصادفه، وبعد مرافقته لنا ومعرفته أكثر بدين الإسلام وإدراكه أنه المحفز لبذرة العطاء قرر أن يعتنق الإسلام”، وأردف: “أردت أن أنوّه عن هذا الأمر عن قصد، حتى أخبركم أن العطاء له آثار وتبعات ويجلب الخير الكثير”.“شهر رمضان هي المحطة الأولى.. نعدكم بالكثير”سيد أحمد حميد، مهندس كمبيوتر، أحد منظمي التجمع الطلابي، سألناه عن مدى التكفل بالمشردين في شهر رمضان، خصوصا أن الحرارة تشهد ارتفاعا ملحوظا هذه الصائفة، فرد قائلا: “في الواقع كنا نتمنى أن نقدم لهذه الفئة المهمشة من المجتمع الدعم الكثير، لكن مجموعتنا حديثة العهد وأولى نشاطاتها هي “فطور شعبي” الذي حققنا من خلاله الكثير، وهو طرح إشكالية التبذير بتحسيس التجار والمطاعم بمدى أهمية المواد الغذائية التي ترمى فقط لأنها ليست بالحجم أو الشكل الذي يحتاجونه، في حين تستطيع نفايات المواد الغذائية بالنسبة لهــــــــــم أن تكون وجبة كاملة لفقير أو متشرد تقيه ذل السؤال، وأفضل مثال على ذلك توفير وجبات رمضانية بالمئات لفائدة المتشردين”، ويواصل: “كما أن من أهداف فطور شعبي أن تشمل عطاءاته طيلة أيام السنة، وتجوب كل ولايات الوطن، وهو هدفنا للسنوات المقبلة إن شاء اللّه”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات