في جميع المواضع الّتي وردت فيها كلمة “النّور” في القرآن الكريم جاءت مفردة، بينما جاءت كلمة “الظُّلمات” في جميع المواضع جمعًا. والحكمة في ذلك أنّ النّور مصدره واحد وهو الله سبحانه وتعالى، قال الله عزّ وجلّ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} النّور:40.أمَّا الظّلمات فقد تعدّدت أسبابها ومصادرها، كالشّياطين، والأصنام والأوثان، والأهواء، ورفاق السّوء، ولهذا تعدّدت الظّلمات تبعًا لتعدّد مصادرها. ومن المواضع الّتي تجاورت فيها الكلمتان: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} البقرة:17، {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} البقرة:257، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} إبراهيم:5، {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الرّعد:16.ومن بديع القرآن وحكمة استعماله للكلمات أنّه جمع الظّلمات وأفرد النّور؛ إبرازًا للتّناقض بينهما، حتّى من حيث اللّفظ، فالتّناقض بين النّور والظّلمة له عدّة أوجه: تناقض المصدر والمبدأ، فالنّور مصدره إلهي، والظّلمات مصادرها الشّيطان والهوى والطّاغوت ورفاق السّوء. وتناقض المعنى، فالنّور يعني الإشراق، والهداية والإيمان، وكلُّها من عطاء الله، بينما الظّلمات تعني الكفر والمعصية والجهل والعذاب، وكلُّها شرور تجرُّ إليها شياطين الغواية والأهواء والضّلال. وتناقض لفظي، حيث جاء النّور بصيغة المفرد، بينما جاءت الظّلمات بصيغة الجمع.كلية الدراسات الإسلامية بقطر
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات