+ -

مرت قرابة السنتين على مقتل الصغير عبد الرحمن بن نعيجة ذي الـ 13سنة، الذي رغم النطق بالحكم في قضيته بداية رمضان الجاري، إلا أن وفاته لا تزال لغزا يحمل عديد الأسئلة، كيف مات، لماذا مات ومن وراء موته؟ أسئلة لم يجد لها المحامون ولا أهله إجابات مقنعة وشافية، مما جعل والديه يعيشون الجحيم جراء هذا.موت مفاجئ روت السيدة فتيحة قرين، والدة عبد الرحمن أنها كانت معتادة على انتظار ابنها الوحيد أمام مدخل المنزل لاستقباله عندما يعود من المتوسطة مساء، وقالت بعيون دامعة أنه وصل مساء يوم 30 سبتمبر 2013 “اليوم المشؤوم” مبتسما من بعيد في حدود الخامسة والربع، وكان جائعا وطلب أن يتناول الحليب فشربت معه والدته، كما قالت، وطلب منها أن تسمح له بالخروج للعب قليلا أمام المنزل، فخرج وظلت تراقبه من النافذة، نظر إليها ولوّح لها بيده، فأمرته أن يبقى في مكانه ولا يبتعد عن المنزل، ثم أحست بضغط مفاجئ في صدرها فتلت الشهادتين وذهبت لشرب الماء، وما إن استدارت مجددا لتطل من النافذة لم تجد عبد الرحمن أمام المنزل ولم تمض 10 دقائق حتى جاءها أحد الأطفال مسرعا، ليعلمها أن عبد الرحمن مات جراء سكتة قلبية وهو مرمي أمام بركة للمياه الراكدة بمنطقة الباردة بجبل الوحش في قسنطينة، لتبدأ الدراما.انتشال الجثةتجمّع أهالي الحي أمام البركة عندما انتشل رجال الحماية المدنية الصغير عبد الرحمن جثة هامدة، حيث كان بقميص وسروال داخلي، حسب تقرير الطب الشرعي، الذي جاء فيه أن الجثة كان بها فطر طحلبي على مستوى المنخرين، ازرقاق الشفاه، محيط الأذنين وأظافر اليدين، خروج مواد برازية، كشط جلدي على مستوى الجهة اليمنى للجبين، وكدمة لزاوية الفك الأيمن وقد خلص التقرير لعدم وجود جروح خلفها العنف المميت على الجثة، ووجود عوارض اختناق، وأن الوفاة كانت نتيجة اختناق آلي ناجم على التغطيس “غرق”.السروال والنعل في منزل أحد المتهمينيروي الوالد محمد الشريف والذي يعاني من مرض خطير في القلب يتطلب زرع بطارية على جناح السرعة، غير أنه يستميت لمعرفة ظروف وسبب موت ابنه الوحيد، أن أحد الصغار الذين كانوا حاضرين خلال الواقعة جاء إليه وأخبره بعد يومين من الحادثة أن سروال عبد الرحمن ونعله مخبأين وراء خزانة في منزل أحد المتهمين، ليتجه هذا الأخير مباشرة إلى رجال الدرك الوطني ويعلمهم بالأمر، حيث تنقلوا في الحين إلى المنزل الذي أشار إليه الصغير ليعثروا على سروال ونعل الضحية خلف خزانة زحزحت من مكانها ووضعت الثياب خلفها وأعيدت إلى مكانها مرة أخرى، لتفتح ذات المصالح تحقيقاتها في هذا الاتجاه، حيث قال الصغار من الشهود أن المتهم وهو زميل لهم كان لديه كلبان وقد أطلق أحدهما على الضحية وأنهم كانوا هناك بغرض السباحة، غير أن والد الضحية كان غير مقتنع بدخول ابنه ليسبح في بركة راكدة من جهة وبقميصه من جهة أخرى.المحاكمة طالت وأجّلت عدة مراتأجّلت المحاكمة عدة مرات لغموض في الوقائع ولتضارب وتباين التصريحات الخاصة بالشهود والمتهمين، خاصة وأنه تم اتهام الصغير”ج. م.هـ” الذي وجدت ملابس الضحية في منزله هو ووالده، كما تم اتهام الصغير الذي أتى بالنبأ رفقة شقيقه ووالدهما، ليخلى فيما بعد سبيل هؤلاء ويستبعدوا من القضية ويبقى القاصر الأول “ج. م.هـ« هو ووالده ويستفيدا من المحاكمة الخارجية.وقد طعنت عقبها النيابة العامة بالنقض في القرار الصادر من طرف غرفة الاتهام بتاريخ 12 ماي الجاري والقاضي بإخلاء سبيل القاصر ووالده المتهمان الأولان في القضية بالقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد والمشاركة فيه.كما تقدّم المحامون الأربعة المؤسسون في قضية مقتل الطفل عبد الرحمان نعيجة خلال أولى الجلسات، بطلب لإعادة النظر في التحقيق بسبب تضارب الوقائع في تقارير النيابة، علما أن أحد المتهمين القصر وقف أمام محكمة الزيادية في الـ 19 من ماي المنصرم، حيث طالبوا الطبيب الشرعي للشهادة.المحامون تفاجأوا بتصريحات الطبيب الشرعيتفاجأ محامو الطرف المدعي بتصريحات الطبيب الشرعي، التي تعارضت، حسبهم، والتقرير المدون في بداية القضية، فيما غيّر القاصر المتهم أقواله جملة وتفصيلا ساردا أنه  أمر كلبه بالهجوم على الضحية عبد الرحمن الذي جرى، حسبه، نحو البركة ولم يستطع الخروج منها كون الكلب كان واثبا على ظهره فغرق، وهي التصريحات التي استغربها رئيس الجلسة، خاصة أنها جاءت مخالفة لما جاء في التحقيق.وبعد سماع الشهود والمرافعات، التمست النيابة أقصى العقوبات للمتهم بالمؤبد أو بالإعدام، فيما طالب محاميه بظروف التخفيف كونه قاصرا، أما القاضي فقد رفع الجلسة لينطق بالحكم بعد أسبوع من ذلك.الحكم لم يرفع الستار عن اللبس الذي يكتنف القضيةللإشارة، فإن كل من الدفاع وأب الضحية قاما بالطعن في الحكم، خاصة أنه لم يرفع الستار عن اللبس الذي يكتنف القضية، ولم يشف غليل والدي الضحية اللذان لا زالا لا يعرفان الذنب الذي اقترفه ابنهما ليموت بهذه الطريقة، حيث وضع الأب عدة فرضيات أقربها للواقع، كما قال، أنه يقطن فيلا لأحد أقربائه المغتربين وأن موقعها استراتيجي وطالبيها كثر من بينهم عائلة المتهمين، وقد رجح أن يكون التخلص من ابنه جاء لإرغامه على ترك المنزل والتنقل إلى مكان آخر، ليتمكن أحدهم من شرائها.المحاكمةسنة حبسا و80 مليونا ثمن لحياة إنسان تم، مطلع رمضان الجاري، بمحكمة الزيادية بقسنطينة، النطق بالحكم النهائي في قضية القاصر الذي تسبّب في مقتل صديقه الطفل عبد الرحمن بن نعيجة، والذي نال سنة حبس منها 6 أشهر موقوفة النفاذ. وقد خلص الحكم بعد سلسلة من المحاكمات في الدعوى العمومية إلى إعادة تكييف الوقائع من جناية القتل العمدي إلى جنحة الإهمال “إهمال حيوان المؤدي للوفاة” وفقا للمادة 441 ف1 ق العقوبات والحكم على المتهم “ج. م. هـ” بسنة حبسا، منها 6 أشهر موقوفة النفاد، وفي الدعوى المدنية إلزام المسؤول المدني والد المتهم القاصر “ج. إ” بأن يدفع للطرف المدني “والد الضحية” مبلغ 80 مليون سنتيم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات