38serv

+ -

عاشت أحياء القصبة خلال شهر رمضان حنينا إلى عصرها الذهبي، وذلك عبر مبادرة التنافس بين الأحياء العشرة للقصبة في مسابقة “الثقافة والنظافة” التي تنظمها جمعية أصدقاء الجزائر لحماية القصبة للسنة الثالثة، لنفض الغبار عن الناي الذي لم يعد يطرب والعود الذي لم يعود يشدو، بعد أن غابت البسمة حين غفلة عن محيا أبناء القصبة وغاب الوجه البهي لجدرانها. ولايزال يسكن أحياء المدينة العتيقة 50 ألف نسمة موزعين على 800 بيت، يعود تاريخ بنائها إلى عهد الأمير بولوغين بن زيري بن مناد الصنهاجي الذي بناها على أطلال أكزيوم الرومان قبل نحو ألفي عام. على خطى كلمات الفنان عبد القادر شاعو الذي غازل القصبة قائلا: “القصبة وانا وليدها ومننساش الخير”، يقود أبناء الأحياء العشرة للقصبة مبادرات ذاتية لتنظيف وإعادة الروح لهذه المنطقة التي تعتبر أحد العالم الثقافية والحضارية ليس فقط في الجزائر وإنما أيضا على المستوى العالمي لتصنيفها من طرف “اليونيسكو” معلما إنسانيا العام 1992، فهي من أنجبت العنقى، رويشد، محي الدين بشطارزي وجلسات “الڤوسطو” التي كانت تزين ليالي المقاهي في حي القصبة وساهمت بقوة في صناعة تاريخ استقلال الجزائر برجال ونساء عظماء “حسيبة بن بولعيد وعلي لابوانت”، وهي تعود اليوم مع مبادرة جمعية أصدقاء الجزائر لحماية القصبة برئاسة السيدة حورية بوحيرد التي تقول إن الترميم وحده لا يكفي لحماية هذا الميراث المعماري الهام “يجب تحسيس سكان الأحياء العشرة للقصبة بأهمية النظافة”، ولهذا فقد نصبت الجمعية عشرة شباب مسؤولين عن أحياء القصبة، دورهم التكفل بانشغالات المواطنين والتواصل مع الجهات الرسمية. وتأمل السيدة حورية بوحيرد أن تصنع هذه المبادرة الأولى من نوعها مجدا جديدا لأحياء القصبة وتعيد لها عبق السنين المبتخر.وتحمل المبادرة “التحسيسية” أهمية خاصة في ظل اقتراب مشروع الدولة لإعادة ترميم أحياء القصبة، مشروع ضخم دافعت عنه بكل قوتها ابنة حي القصبة المجاهدة جميلة بوحيرد التي “قلبت الدنيا رأسا على عقب” من أجل أن تتحرك حكومة سلال لحماية القصبة من الزوال، بعد أن أدى الإهمال إلى خسارة 400 بيت تهدمت بفعل الزمن وعدم الترميم، بيوت ومنازل كانت تختزل تاريخ الجزائر ضاعت إلى الأبد لتنتهي معها حكايات من الثورة وأخرى من أرشيف الجزائر. وأمام المعضلة الكبرى لحالة الأحياء الكبرى يقف المشروع الترميمي بين يدي وزارة الثقافة ووزارة المالية، الذي من المقرر أن ينطلق في غضون الأشهر القادمة بميزانية تبلغ تسعة ملايير سنتيم، تم توزيعها، حسب رئيسة جمعية أصدقاء القصبة، على مراحل، تشمل المرحلة الأولى ترميم 200 بيت خلال سنتين، بقيمة 2.4 مليار سنتيم.عرفت أحياء القصبة “ايلو سيدي رمضان، سيدي إدريس حميدوش، شارع بورحلة، سيدي امحمد الشريف، الصولاي الكودية، بومرشي، سوق الجمعة، سوسطارة، حي لالاهم، شارع نفيسة” تنافسا محموما على جوائز المسابقة المختلفة التي ستوزع على الفائزين غدا، هدايا قيمة تصل قيمتها إلى مائة مليون سنتيم خصصتها الجمعية للفائزين بأحسن فرقة موسيقية وكذا بجائزة النظافة المخصصة للتهيئة العمرانية لأحياء القصبة، وقد تم اختيار عنوان: “الثقافة والنظافة”. كما يقول رئيس لجنة التحكيم، الفنان عمر بوجمية، الذي تتلمذ على يد الحاج العنقى في شبابه، إن المستوى الفني لأغنية الشعبي لدى شباب اليوم “بخير”، فهذا العام رمضان القصبة يحمل الموسيقى ويعيد الذاكرة إلى “طحطاحات” زمان التي كانت تنتج كل ليلة ألحانا مميزة وإبداعا فريدا من نوعه، يلمس كل من يزور حي القصبة حنينها لعصر العزف الذهبي، حيث كان يلتقي الحاج العنقى، بوجمعة العنقيس وغيرهم من رواد الأغنية الشعبية يتنافسون فيما بينهم لتقديم أعذب وأحلى الأغاني الخالدة.في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت مقاهي القصبة مصدر إلهام العازفين، يقول الفنان عمر بوجمية وفي قلبه غصة حنين إلى ذلك الزمن حيث كان لكل مقهى في الجزائر العاصمة فنان خاص يسافر بموسيقاه المئات من رواد المكان كل مساء، وها هي إرادة أبناء الحي اليوم تحاول إعادة تلك الروح إلى أزقة ومقاهي القصبة بعد أن سعت سنوات الإرهاب لاغتيال الإبداع بكل الطرق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات